الذكرى الأولى لــ “أُمّ الجرائم”
موقع أنصار الله || صحافة محلية || المسيرة|هاني أحمد علي:
في مثلِ هذا اليوم من العام الماضي 8 أكتوبر 2016 كان اليمنيون مع على موعد مع أبشع الجرائم الإنْسَانية المرتكَبة في العصر الحديث، عندما أقدمت طائراتُ العدوان السعوديّ على ارتكاب مجزرة مروّعة بحق المدنيين الآمنين سُمّيت بأُمّ الجرائم بعد استهداف الصالة الكبرى بشارع الخمسين حدة في العاصمة صنعاء وبداخلها الآلاف من المواطنين، بينهم قيادات أمنية وسياسية وحزبية كانوا يقدّمون واجبَ العزاء في وفاة والد اللواء الركن جلال الرويشان نائب رئيس مجلس الوزراء لشئون الأمن.
مجزرةُ الصالة الكبرى التي خلّفت حوالي 160 شهيداً و799 جريحاً في 4 غارات متتالية للعدوان، سجّلت في ذاكرة اليمنيين كأسوأ جريمة عاشوها إلى جانب سلسلة الجرائم والمجازر المرتكبة حتى اللحظة وبشكل يومي ومستمر، إلا أن يوم السبت 8 أكتوبر من العام الماضي كان استثنائياً في تأريخ اليمن كيف لا وقد انتزعت غارات العدوان أرواحَ المئات من خِيرة رموز ومشايخ وقيادات اليمن وخيرة رجالها وشبابها المدافعين عن كرامة وعز الوطن، فمن نجا من الموت داخل القاعة لقي ربه شهيداً خارجَها أَوْ مسعفاً بغارات جديدة غير متوقعة سبّبت جراحاً عميقة في نفوس كُلّ أَبْنَاء الشعب.
“المسيرة” وهي تُحيي الذكرى الأليمة الأولى لمجزرة الصالة الكبرى بالعاصمة صنعاء، التقت العديدَ من الناجين في هذه المحرقة السعوديّة وأهالي الشهداء الذين يحاولون تذكُّرَ هذا اليوم بحُرقة شديدة وبألم كبيرة.. فإلى محصلة اللقاءات:
- الأكوع: جريمةٌ مفتوحةٌ وليس للوقت أن يطويها
البدايةُ كانت مع الأستاذ علي محسن الأكوع – رئيس جمعية المنشدين اليمنيين، الذي أَكّد أن جريمةَ القاعة الكبرى ستظلُّ حاضرةً في وجدان الشعب اليمن، ولا يمكن أن ينسى هذه الجريمة التي لم يكن يتخيلها أي إنْسَان، سواءٌ أكان مسلماً أَوْ يهودياً أَوْ مسيحياً، موضحاً أن هذه الجريمة وغيرها من الجرائم ستشهد على جرم قبح آل سعود الذين هتكوا الأعراضَ وقتلوا الأطفال والنساء والشيوخ بغير حق ودمّروا البُنية التحتية لهذا البلد.
وفي تصريح خاص بــ “المسيرة” قال الأكوع: إن الذكرى الأولى لمجزرة القاعة الكبرى التي أدمت قلوبَ وعيون اليمنيين أجمع في كُلّ أنحاء اليمن من أقصاه إلى أقصاه، وحزن عليها كُلّ مَن يحمل في قلبه ضميرٌ، تأتي بعد عام كامل ولا يزال الكثيرُ من الناس حزيناً على مَن فقد من قريبه أَوْ صديقه في هذه الجريمة التي أودت بحياة أكثر من 150 شخصاً، سواءٌ أكانوا من العسكريين أَوْ المدنيين أَوْ الأطفال، مشيراً إلى أن مجزرة الصالة الكبرى، وكل الجرائم ستظلُّ شاهدةً على العدوان الهمجي ومرتزقته والأعراب المنافقين المتحالفين ضد اليمن.
ويتذكّرُ رئيسُ جمعية المنشدين اليمنيين، هذا اليومَ المأساويَّ عندما قُصفت الصالة بأول غارة وسقط الصاروخ أمامَ أعين الحاضرين لتقديم واجب العزاء وأثناء ما كانوا يدعون للمتوفى “والد الرويشان” ويتضرعون إلى الله بأن يرحمه ويتغمده بواسع الرحمة والمغفرة، وبعدها لم يعد يشاهدون سوى الدخان والجثث المتطايرة والدماء المسفوكة لأناس جاءوا من أجل أن يقولوا لنجل المتوفى عظم الله أجرك ولقوا ربهم شهداء وألسنتهم تلهج بذكر الله داخل مجلس العزاء.
وأوضح الأكوع أن الصالة الكبرى لم يكن فيها صواريخُ باليستية ولم يكن موقعاً لتدريب المقاتلين ولم يكن مخزناً للأسلحة، بل جاء استهدافه بعد فشل العدوان السعوديّ على الانتصار في ميدان المواجهة وأراد أن يحقق نصراً بقتل الأَبْريَاء داخل صالات العزاء والأعراس والمنازل والمدارس والمستشفيات، لافتاً إلى أن العدوان انتصر بسفك الدماء وهدم البُنية التحتية وقتل الأطفال، مضيفاً أن على نظام آل سعود أن يدرك بأن كُلّ أُم في اليمن لن تنسى ابنها وكل زوجة لن تنسى زوجها وكل طفل لن ينسى أباه وأن هذا الجرائم لن تسقط مهما طال الوقت أَوْ قَصُرَ.
ودعا رئيس جمعية المنشدين، بصحوة الضمير الإنْسَاني الدولي تجاه ما تقوم به السعوديّة في اليمن منذ 3 أعوام، وآن الوقت لأن يقولوا لها: كفى لهذا الجرائم، وكفى صرف الأموال الطائلة من المليارات فيما يغضب الله من خلال إراقة الدماء في كثير من البلدان العربية والإسْلَامية على يد النظام السعوديّ الذي كان يُفترَضُ به صرْف هذه الأموال والثروات التي أنعمها الله عليه في البلدان الأفريقية التي يموت أهلها من الجوع، مشيراً إلى أن العدوان المجرم الذي تبرّأ اللهُ من أعماله وجرائمه بعد قتل النفس التي حرمها جل وعلا يعيشُ حالة من الخزي والخذلان بعد 3 أعوام أثبت خلالها آل سعود بأنهم أحقر وأقذر الأنظمة في العالم جراء ارتكابهم مثل هكذا مجازرَ لم يشهد لها التأريخ مثيلاً، منوهاً إلى أنه سيأتي اليوم الذي تحاكم فيه السعوديّة وكل مَن تحالف معها من المرتزقة والأعراب، ولا بد أن يحقق الله النصرَ لرجال اليمن من أبطال الجيش واللجان الشعبية في جبهات العزة والشرف، وَلَا بُدّ أن ينتصرَ الشعبُ اليمني المشهودُ بحكمته وطيبته على كُلِّ مَن تآمر ضده وضد وَحدته وأمنه واستقراره، مضيفاً أن هذه العدوان لن يستمر طويلاً، وسيرد الله كيدَه في نحوره، ولن يظل الصمت الدولي طويلاً، وأن إدراج الامم المتحدة اسم العدوان السعوديّ ضمن قائمة العار السوداء لمرتكبي جرائم قتل الأطفال يعد أمراً مبشراً، وسيكون البداية لتحَرّك بقية المنظمات الحقوقية في العالم.
- يوم أسود كشف حقدَ وإجْرَامَ وقبحَ النظام السعوديّ
الأخ معمر حفظ الله الرويشان – أحد أَبْنَاء مديرية خولان، كان حاضراً في الصالة الكبرى لحظة استهدافها من قبل طيران العدوان، وصف ذلك اليوم بأنه يومٌ أسود وتعد مأساة حقيقية بكل ما تعنية الكلمة تشهدها اليمن بل والعالم أجمع كشفت كم هو لئيم وحاقد ومجرم ومتغطرس ذلك النظام السعوديّ عدو الإنْسَانية أجمع.
وفي تصريح لـــ “المسيرة” يحاول معمر الرويشان تذكُّرَ ذلك اليوم المشئوم، مبيناً أنه كان يقف في الصف الأمامي داخل الصالة الكبرى ولم يشعر إلا وهو خارجها ولم يرَ بعدها إلّا منظر الدخان الأسود والغازات السامة والشظايا المتطايرة والأشلاء المبعثرة، مؤكداً أن المنظر الذي شاهده لم يكن يتخيلُه إلا في يوم الحشر.
وأشار الرويشان، إلى استشهاد شقيقه صلاح،30 عاماً متزوج وله 3 من الأَبْنَاء والبنات “بسام وغزة وسلا” في هذه الجريمة التي كان يجلس بجواره ولم ينجُ من القصف، لافتاً إلى أن هذه الجريمة التي لم يقدم على ارتكاب مثلها أَيٌّ من مجرمي العالم سابقاً وحديثاً، لن تمر مرور الكرام ولن ينساها كُلّ أَبْنَاء اليمن الذي سيأخذون بثأرهم عاجلاً أم آجلاً.
- ذكرى تؤكّد استمرارَ ملاحَقة الجناة في الداخل والخارج
من جانبه قال ناجي يحيى حسن الرويشان – أحد المصابين في جريمة الصالة الكبرى، بأن هذا اليوم يعتبر يوماً أليماً وحزيناً قدّم اليمن فيه روضةً من الشهداء والدماء الطاهرة، وأن هذه الحادثة تدفع الجميع إلى ملاحَقة الجناة في الداخل والخارج.
وفيما يحاولُ ناجي الرويشان، في تصريح مع “المسيرة” تذكُّر ذلك اليوم الذي لن يُمحى من ذاكرة اليمنيين بعد إصابته بحروق بالغة، في الوجه والكتف وباقي الجسم، لا يزال يعاني آثارها حتى اليوم، حيث أَكّد تعرضه لحالة إغماء في الغارة الأولى لمدة دقيقتين تمكُّن بعدها من الخروج إلى الحوش وعند الابتعاد بحوالي أمتار قليلة وصل الصاروخ الثاني.
وأضاف الرويشان، أن الغارة الأولى أودت بشقيقه العقيد يحيى الرويشان وزميله العقيد عادل نجاد الذين كانا يجلسان بجوارِ بعض داخل القاعة، موضحاً أن هذه الجريمة لن تزيدهم إلّا إصراراً وعزيمةً على مواجهة العدوان حتى تحقيق النصر.
- جريمةٌ تركت جروحاً غائرة في نفوس البشر
بدوره تحدث الزميل الصحفي سامي عبدالدائم – أحد المصابين في جريمة الصالة الكبرى، بعد أن فقد أحد ساقيه في الحادثة، عن هذا اليوم المشئوم قائلاً: الموت في العزاء. الثامن من أكتوبر العام الماضي.. سيمفونية حزن.. أشرقت شمس ذلك اليوم حزينة بولادة يومٍ حزين غاب الفرح بعدها وماتت الابتسامة.. مسيرة حزن بدأت تجتاحني.. سأكتب محاولًا رسم حزني وَأن اشتكي الحزن مني لماذا اشتكي من الحزن والحزن مني حزين؟!.
وأضاف عبدالدائم في منشور على صفحته بفيسبوك: قصفت قاعة العزاء فأصبحت لا أري أمامي ولا خلفي، أشلاء متناثرة وبقايا أجساد مقطعة وأُخْرَى متفحمة ما زال ينطلق منها دخان الاحتراق.. في قاعة العزاء لم يتبقًّ شيء ليحترق ولم يتبقَّ هنالك الكثيرُ من الأنفاس لتختنق.. جرح وألم وأسى.. عامٌ ماضٍ على جريمة مشؤومةٍ، الكل شاهد المذبحة، جريمة تركت جروحاً غائرة في نفوس البشر.. بعد عام ماضٍ على ارتكب جريمة الجرائم أحاول أبحث في بقايا جسدي المنهك عن بعض الأمل وأعانق الذكرى، كنت أظن أنني أستطيع أن أشعل شمعتي من جديد، لقد نسيت كيف تشعل الشموع من هول ما رأيت، كنت أعتقد أنني أستطيع أن أكتب كلمات الفرح، لكنني كلما أغوص في بحر خيالي وأقلّب دفاتر ذكرياتي لعدد من ضحايا قاعة العزاء كانوا أحبة وأصحاب وأصدقاء وغدوا اليوم شهداء، أشعر بأن شيئاً بداخلي قد انجرح.. حزينةٌ حروفي، استرق همساتي لأمحوَ آهاتي، ولكن هل تنجدني السطور؟!