مواجهة أميركا في العراق: عائدون!
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || نور أيوب/ الاخبار اللبنانية
يترقّب العراقيون انتهاء «معارك القائم» بالقرب من الحدود مع سوريا ليُعلنوا النصر النهائي على «داعش» ودخول البلاد في مرحلة ما بعد التنظيم. إلا أنّ الإشكال الذي تواجهه معظم فصائل المقاومة العراقية ذات الباع الطويل في مواجهة الاحتلال الأميركي للبلاد (بين 2003 و2011) يتمثّل في أنّ الأميركيين، ومنذ 2014، أطلقوا مشروع عودتهم التدريجية إلى بلاد الرافدين، مستفيدين من شعار إرسال «المستشارين للمساعدة في الحرب ضد داعش». هذا الواقع الذي يفيد بأنّ البلاد باتت محتلة من جديد، إذ إنّ «واشنطن خرجت من الباب لتعود من الشباك»، يوجب التشديد على أنّ ثمة قراراً كبيراً قد حُسِم، ويقضي بالآتي: الصفحات التي سوف تُفتح فور إنهاء التنظيم عسكرياً، عنوانها «العودة إلى مقاومة الاحتلال الأميركي»
على أعتاب الانتهاء من «معارك داعش»، تستعد أطراف عراقية عدّة إلى مرحلة «مواجهة الأصيل عوضاً عن الوكيل»، ولذلك «نحن لن نترك سلاحنا جانباً بعد داعش»، تقول مصادر المقاومة العراقية. وتشير إلى أنّ انتهاء «أيام داعش» هو بمثابة الدعوة إلى «إعادة تنظيم صفوفنا، والإعداد للمواجهة الكبرى مع الأميركيين».
صحيح أنّ الأميركيين وأدواتهم أفلحوا منذ عام 2003 في شقّ صفوف المقاومة العراقية، وبثّوا ــ بالتعاون مع حلفائهم ــ الكثير من سمومهم المذهبية، إلى درجة أوشك العراق أن يتمزق إلى الأبد. وصحيح أنّهم جعلوا من العراق مختبراً إقليمياً يجرّبون فيه كلّ أدوات التفرقة، إلا أنّ كثراً يراهنون اليوم على طيّ «مرحلة داعش» بغية الانتقال نحو مواجهة الاحتلال الأميركي الذي راكم عناصر قوته في العراق منذ عام 2014، حتى أصبح عديد قواته يصل إلى «ما يقارب 20 ألفاً»، بينما يذهب آخرون إلى القول إنّها «تصل إلى نحو 25 ألفاً»، وذلك في وقت تكرر فيه الحكومة العراقية أنّ الرقم لا يتجاوز 7 آلاف عسكري.
التضارب بشأن الأرقام لا ينفي أنّ العديد المنتشر في العراق سوف يكون على «موعدٍ مع عمليات استهدافٍ جديدة» من قبل فصائل المقاومة، التي تصِفُ هذا الوجود الأميركي بـ«الاحتلال الجديد… بالرغم من جميع مسمياته الباطلة»، في إشارة إلى أنّ الحكومة تدرج هذا الوجود في إطار «تدريب القوات العراقية وتأهيلها».
في هذا الصدد، ترتفع دعوات اليوم للاستعداد لـ«شنّ عمليات عسكرية ــ أمنية ضد «الاحتلال الجديد» في أماكن وجوده على امتداد بلاد الرافدين». وتشير مصادر، في حديثها إلى «الأخبار»، إلى أنّ «تشكيلاتها المكلّفة بهذه المواجهة باتت جاهزة لإطلاق عملياتها». إلا أنّ مطّلعين على هذه الأجواء يرون أنّ المواجهات المرتقبة «سوف تأخذ طابعاً أمنياً أكثر من ذلك العسكري، نظراً إلى طبيعة انتشار الأميركيين وتحركاتهم، وانحسار انتشارهم ضمن قواعدهم العسكرية خشية أي استهداف محتمل».
حرب… في مسيرة طويلة
أثناء الحديث إلى «الأخبار»، تستعرض وجوه من المقاومة العراقية مسيرة طويلة من الحرب مع الأميركيين وأدواتهم، تبدأ من عام 2003 وتمتد حتى 2011 في «المرحلة الأولى»، ومنذ ذلك التاريخ حتى يومنا كـ«مرحلة ثانية»، فيما ستكون «المرحلة الثالثة» تحت عنوان «صراع ما بعد داعش».
تختصر تلك المصادر «المرحلة الأولى» بالقول: «استطعنا هزيمة الاحتلال الأميركي بجهود عراقية، ودعمٍ ورعايةٍ إيرانية ولبنانية» في إشارة إلى «حزب الله». وتلفت إلى أنّ الفصائل ركّزت كل جهدها على ضرب الأميركيين ومصالحهم طوال تلك الفترة، إلى جانب تفعيل «المقاومة السياسية»، بمختلف أوجهها ومشاربها.
مع خروج الأميركيين في 2011، انتقل الصراع في «المرحلة الثانية» ليكون مع «الوكيل»، في إشارة إلى «نواة داعش والتنظيمات الإرهابية»، إذ إنّ سقوط مدينة الموصل في حزيران 2014 و«تمدّد» التنظيم، أعادا خلط الأوراق، محوّلين العراق إلى ساحة اشتباكٍ إقليمي، وثمة من يرى أنّ تقديرات واشنطن، ورغباتها، كانت في «أن تدوم معارك داعش لسنوات عدة».
هذه «المرحلة الثانية» متوقع لها أن تنتهي في القريب. وتُقدِّر قيادات عسكرية عراقية إتمام المهمة في غضون الأسابيع الثلاثة المقبلة، مع توقّع انسحاب مسلحي «داعش» من مدينتي راوة والقائم باتجاه المناطق الواقعة أقصى الشمال الشرقي لمحافظة الأنبار، ما يفرض على القوات مسك الخط الحدودي أوّلاً والتثبيت هناك، والعودة إلى تطهير الجيوب المنتشرة في الصحراء الغربية، ليأخذ القتال شكل «إغارات» على مواقع التنظيم وتحصيناته، إضافةً إلى هجماتٍ محدودة أو صدٍّ لـ«غزوات» خلايا التنظيم النائمة في مجمل غربي البلاد.
المميِّزُ لتلك «المرحلة الثانية» أنّ حلفاء «محور المقاومة» في العراق (كما بعض من خصوم هذا المحور) يُدرجون حراك قوات «البشمركة» منذ 2014، وصولاً إلى إجراء استفتاء الانفصال، وما تلاه، ضمن أساساتها. فمعظم هؤلاء يرون في حراك «البشمركة» ورئيس الإقليم مسعود البرزاني «حراكاً أميركياً ــ إسرائيلياً» في العراق، هدفه تقسيم البلاد، واستنزاف بغداد في حرب طويلة الأمد مع أربيل، عدا عن نهب حقول النفط والغاز لمصالح «عائلية»، إضافةً إلى سرقة عائدات المرافق الحدودية.
أين العبادي… من المواجهة؟
ثمة من يعتقد في عواصم «محور المقاومة» أنّه في خلال المرحلة المقبلة على العراق، سوف يعمل الأميركيون على إعادة «رسم خريطة النفوذ الميدانية والسياسية»، وسوف يستفيدون من وجودهم العسكري لإحياء حلفائهم و«محاصرة بغداد» أياً كان رئيس الحكومة. إلا أنّ بغداد تبدو في مكان آخر، ولديها نظرة مغايرة للأمور.
مصادر الحكومة العراقية ترى أنّ المشهد «الملبّد» اليوم قد يسوء في ظلّ حسم فصائل المقاومة قرارها بمواجهة الأميركيين عسكرياً. وتنظر جهات حكومية إلى هذا القرار بريبة، خاصة أنّ ذلك سوف «يخلق أعذاراً لإبقاء السلاح خارج سيطرة الدولة»، وهو استحقاق «سوف يواجهه» رئيس الوزراء حيدر العبادي في المرحلة المقبلة.
وتذهب المصادر إلى الحديث عن حاجة الحكومة إلى جميع القوى الدولية والإقليمية في عملية النهوض السياسي والاقتصادي والاجتماعي، إذ إنّه «كاذبٌ من ينفي حاجتنا إلى أميركا، عسكرياً وسياسياً واقتصادياً». وطبعاً، لا ينفي هؤلاء الحاجة «بالتوازي، إلى إيران» التي تُعدُّ «بلداً جاراً وامتداداً لنا».
أكثر من ذلك. مصادر الحكومة تبدي الامتعاض إزاء ما يُحضّر له، وتتحدث عن «الأسف (لأنّ هذه الفصائل) تُقدِّم نفسها طُعماً سهلاً للأميركيين… هم لا يستطيعون الإضرار بالجيش الأميركي، فقد تبدأ الطائرات بضرب مقارهم في العراق، ومن خارج الحدود أيضاً».
في المقابل، هناك من لا يقيم وزناً كبيراً لما تقدّم من جانب الجهات الحكومية، لأنّهم يرون أنّ مجمل المعطيات الإقليمية ما زالت تميل نحو النظر إلى الأمور بعيون متعددة، خاصة في ظلّ «تشبّك أوجه الصراع أكثر»، وتداخل خيوط الملفات في ما بينها. وبالتالي إنّ مواجهة الأميركيين، من عدمها، رهن بالتطورات السياسية وبـ«كواليس» الأزمات الدائرة بين العراق وسوريا.
في جميع الأحوال، لا بدّ من الإشارة أيضاً إلى أنّه بينما يستعد البعض لعودة المقاومة في وجه الاحتلال الأميركي، ثمة من يُرتِّب أوراقه بغية تحقيق الهدف ذاته… لكن في ميادين بغداد السياسية.
عيون واشنطن… مفتوحة
المواجهات التي يجري الإعداد لها، ليست بعيدة عن عيون واشنطن. فإلى جانب المساعي الهادفة إلى «خنق» بغداد بعدد من الالتزامات والأزمات السياسية، المحلية منها والإقليمية، يكرر مسؤولوها الدعوات إلى وضع «حدّ» لقوات «الحشد الشعبي» في العراق في المرحلة المقبلة. لكنّ ما تخفيه واشنطن في إعلاناتها، معرفة وزاراتها بأنّ «الحشد الشعبي» لا يُمثِّل فصائل المقاومة. فالأخيرة تشكِّل جزءاً من «الحشد»، فقط. ولذلك الواقع أسباب تستثمرها واشنطن في السياسة «وفي صراع حلفائها المذهبي مع إيران».
من جهة أخرى، رغم تعاقب الإدارات الأميركية في واشنطن، فإنّ الفصائل المقاوِمة ترى في غالبيتها أنّ هناك سقفاً عاماً للأهداف الأميركية ولحلفاء واشنطن، عنوانه «أقلمة العراق وتقسيمه»، إضافة إلى هدف آخر لا يقلّ أهمية في ظلّ الواقع الإقليمي: «تحويل البلاد إلى قاعدةٍ متقدمة لحصار إيران عند حدودها الغربية، واستخدامها كقاعدة متقدمة في مختلف الأزمات الإقليمية». بالتالي، إنّ حراك هذه الفصائل يهدف إلى «تحرير البلاد»، بما يساعد على محاصرة الأهداف المشار إليها.
«عمليات القائم»… الحسابات إقليمية
يرتبط الحديث عن «عمليات القائم» عند الحدود مع سوريا بالصراع الدائر بين «محور المقاومة» من جهة والولايات المتحدة وأدواتها من جهة أخرى. الهدف العام ليس بسط السيطرة والنفوذ في المقلب العراقي فحسب، بل في المقلب السوري أيضاً. فالارتباط عضوي ومباشر في مسار القتال الدائر ضد «داعش»، بين غربي العراق وشرقي سوريا.
من جهة أخرى، ومن الناحية الميدانية في سياق «العمل على إنهاء داعش عسكرياً»، إنّ طيّ صفحة التنظيم في العراق يقود إلى السؤال عن «وجهة المعارك المقبلة» ومدى ارتباطها بعدد من «الملفات الحامية بين بغداد ودمشق».