القرار الدولي 242 واتفاقيات “التسوية” تشرعن الوعد البريطاني

موقع أنصار الله  || صحافة عربية ودولية ||وكالة القدس للأنباء

 

تعتز رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي، ويفاخر وزير خارجيتها بوريس جونسون بكل ما فعلته بريطانيا العظمى من أجل إقامة الكيان العنصري الصهيوني الفاشي، ليكون “كلب حراسة” دائم للمصالح الاستعمارية في قلب الوطن العربي، كما وصفه كبار قادة الحركة الصهيونية.

 

وفي رسالته بالذكرى المئوية لهذا الوعد يعيد وزير الخارجية البريطانية تذكير العالم بابرز ما أنجزته بلاده في هذا المضمار الذي بدأ بوعد بلفور في الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر العام 1917، الذي أعطى بموجبه “من لا يملك لمن لا يستحق” اليهود الحق بإقامة كيان في فلسطين؛ مروراً بمقترحات لجنة إيرل بيل التي صدرت في العام 1937، التي اقترحت إنشاء ثلاثة أقاليم في فلسطين، إقليم تحت الإنتداب البريطاني ويضم بيت لحم والناصرة، ودولة يهودية، ويتحد جزء مع شرق الأردن ويكونا دولة عربية؛ أما ثالث تلك الإنجازات فهو القرار الدولي الرقم 242 الذي صاغه اللورد كارادون (المشهور باسم هيو فوت) على أثر الحرب العدوانية الصهيونية التي استهدفت مصر وسوريا والأردن في حزيران/يونيو من العام 1967، والذي ينص على مبدأ: “الأرض مقابل السلام” “كسبيل للتوصل لتسوية في الأرض المقدسة”…

 

فإذا كان آرثر بلفور قد وعد في العام 1917، بإقامة دولة لليهود فوق الأرض الفلسطينية، فإن اللورد كارادون وبعد نصف قرن على ذلك الوعد صاغ قراراً دولياً في العام 1967، شكَّل منعطفاً في مسار الصراع العربي الصهيوني. نجحت من خلاله بريطانيا حليفة وربيبة الكيان الغاصب، بنقل القضية من مسألة التشكيك بشرعية الكيان القائم على الاغتصاب، إلى مسألة خلافية على حدود هذا الكيان… وبتحويل الهدف العربي الرسمي من تحرير فلسطين إلى إزالة آثار العدوان، واستعادة الأراضي التي احتلت من قبل العدو الصهيوني في الخامس من حزيران العام 1967، وهو ما أقرته القمة العربية التي انعقدت في العاصمة السودانية، الخرطوم في التاسع والعشرين من آب/أغسطس، على أثر هزيمة العام 67.

 

فالقرار 242 يدعو صراحة إلى ضرورة إنهاء كل ادعاءات أو حالات الحرب واحترام وإقرار السيادة والوحدة الإقليمية والاستقلال السياسي لكل دولة في المنطقة (بما فيها الكيان الصهيوني، ضمنياً)، وحقها في أن تعيش في سلام ضمن حدود آمنة معترف بها متحررة من التهديد أو أعمال القوة.

 

وهكذا وضع القرار 242 أساساً لمنطق ونهج جديدين اخترقا الساحة العربية ومكنا بعض الحكام العرب (بداية) ممن أخفوا حقيقة مواقفهم من المشروع الصهيوني لإشهارها على الملأ، والدعوة إلى الإسراع في تحقيق التسوية والاعتراف بالكيان الغاصب. بالرغم من أن هذا القرار لم يأت على ذكر فلسطين بأي شكل من الأشكال، والاعتراف الوحيد بقضية فلسطين والتي كانت وما زالت هي أصل الصراع، والإشارة الوحيدة إليها جاءت من حلال الدعوة إلى “ضمان تحقيق تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين”… وفضلاً عن ذلك، وفيما يتعلق بموضوع الأراضي، فإن القرار 242 بطلبه من “إسرائيل” الانسحاب إلى حدود ما قبل 1967 يقر ضمناً ولاية “إسرائيل” على الأراضي التي احتلتها في حرب العام 1948 فيما وراء الخطوط الموضوعة بموجب قرار التقسيم…

 

وبذلك فاق هذا القرار في تطاوله على الحقوق الوطنية والإنسانية للشعب الفلسطيني كلاً من توصية الجمعية العامة بتقسيم فلسطين.. ووعد بلفور بإنشاء وطن قومي يهودي في فلسطين، لكونه ألقى على عاتق الدول العربية واجب القبول بـ”إسرائيل” كدولة ذات سيادة كاملة، وواجب الإقرار بشرعيتها والتعامل معها على أساس ذلك القرار…

 

كما قضى بقبول “عرب الجامعة العربية” قبولاً نهائياً بـ”إسرائيل” كما هي، مشرعين بذلك وعد بلفور، الذي أفضى لاغتصاب نحو ثمانين بالمائة من أرض فلسطين التاريخية، وأسقط أي مطلب عربي سابق (لهذا القرار) بما في ذلك جميع المطالب التي سبق وأيدتها الأمم المتحدة ومجلس الأمن.

 

ولقد شُبِّه هذا القرار “بعفو عام” تصدره السلطات في بلد ما لصالح مغتصب بدون أن تطالبه بإرجاع ما اغتصبه إلى أصحابه… ثم تطالب الضحية بالمشاركة في التوقيع عليه والقبول بالأمر الواقع رغم جوره ومرارته ومجافاته لأبسط حقوق الإنسان ولحقائق التاريخ والجغرافيا.

 

 

 

242 واتفاقيات “التسوية”

 

لقد تحول القرار 242 وتوأمه القرار 338 الصادر في العام 1973 على إثر حرب تشرين الأول/أكتوبر، إلى قاعدة ومرتكز أساس لكل “التسويات” التي أبرمت بين كل من مصر و”منظمة التحرير الفلسطينية” والأردن، وبين كيان العدو الصهيوني، ولكل مشاريع التسوية “العربية” السابقة واللاحقة لاتفاقيات: “كامب ديفيد” “أوسلو” و”وادي عربة”…

 

إذ أن القمة العربية التي انعقدت في الجزائر عام 1973 (بعيد حرب أكتوبر) قررت الابتعاد عن الهدف الاستراتيجي المتمثل بتحرير فلسطين، واعتماد هدف استعادة الأراضي المحتلة عام 1967، وما تبع ذلك فلسطينياً من ابتعاد معلن عن الهدف الاستراتيجي، واعتماد الهدف “المرحلي”، عام 1974 لاستعادة الضفة الغربية وقطاع غزة وإقامة دولة فلسطينية فيهما…

 

لقد تخلى النظام العربي الرسمي ومعه قيادة “منظمة التحرير الفلسطينية” عن هدف تحرير فلسطين، وقَبِل بما هو أقل بكثير، ودخل أنفاق المفاوضات التي بدأت ولم تنته فصولاً، بالرغم من كل التنازلات التي قدمت ابتداء من “كامب ديفيد” وانتهاء بالمبادرة العربية التي أقرت بقمة بيروت العربية في العام 2002، التي دعت إلى “التطبيع العربي الشامل مقابل الإنسحاب “الإسرائيلي” الكامل” مرورا بمبادرة فاس 1981 التي نادت بتعريب تسوية “كامب ديفيد”.

 

ولئن كانت اتقاقية “كامب ديفيد” بمثابة صلح وسلم ثنائي بين الكيان الصهيوني ومصر، فقط، وظلت آثارها محدودة، ومحاصرة بالنظام وأركانه ومؤسساته.. فإن اتفاق “غزة أريحا أولاً”، واتفاق “أوسلو” والذي وقعته قيادة “منظمة التحرير الفلسطينية”، قد سهَّل تعريب “التسوية”، وفتح الأبواب المغلقة أمام مسيرة التطبيع الصهيونية التي اتخذت من مناطق “الحكم الإداري الذاتي” بالضفة الغربية المحتلة، جسراً للعبور إلى داخل الوطن العربي والعالم الإسلامي. وكم من مرة قال رئيس السلطة محمود عباس موجهاً كلامه لقادة الكيان الغاصب: “إن 57 دولة عربية وإسلامية أبدت استعدادها في حال انسحاب “إسرائيل” من الأراضي المحتلة أن تعترف بدولة “إسرائيل” وتطبع العلاقات معها”.

 

وبالرغم من سلم التنازلات الذي لم ينته، والذي سلكته “القيادة الفلسطينية” وما تزال، فإن حكومة العدو ترفض تمكينها من الحصول على الـ22 بالمائة من أرض فلسطين، التي يستأثر الاستيطان على أكثر من 60 بالمائة منها.. وتراهن حكومة العدو على إمكانية أن يحين الوقت الذي تضطر فيه “القيادة الفلسطينية” للقبول بنصف مساحة الـ 22%، أو بأقل من ذلك عبر الموافقة على عرض يقضي بتقسيم الضفة، أو الاستمرار في احتلالها، والاستيطان فيها واستمرار التضييق على الفلسطينيين فيها، عبر فرض مزيد من الحصار والتجويع والتهجير عليهم وجعل مدنهم ومناطق سكناهم كانتونات مقطعة الأوصال، لا حق لهم فيها سوى الإقامة المؤقتة وتنظيم الإدارة الذاتية، عملاً بما سبق، وأن أعلنه مناحيم بيغن، زعيم حزب الليكود ورئيس وزراء “إسرائيل” السابق، عندما ادعى أن الضفة وقطاع غزة أراضٍ “إسرائيلية” محررة.

 

إن “إسرائيل”، تراهن على الفوز بالضفة كلها بعد استيطانها أو بتقاسمها مع الفلسطينيين مؤقتاً عبر دفعهم المتواصل إلى هاوية اليأس في زمن يزدادون فيه ضعفاً على ضعف.

 

إذا كانت بريطانيا أعطت الحركة الصهيونية وعداً بإقامة “كيان يهودي” فوق الأرض الفلسطينية، فإن “النظام العربي الرسمي” بما فيه “منظمة التحرير الفلسطينية” قد شرعن هذا الوجود معترفاً بالبدعة البريطانية التي لم يعرف التاريخ مثيلاً لها!.. وفي المقلب الآخر تقف القوى المقاومة الحية الفلسطينية والعربية بثبات في وجه كل تلك المخططات والمشاريع التي تستهدف القضة الفلسطينية، مؤكدة استمرار جهادها على خطى ونهج شيخ المجاهدين عز الدين القسام الذي ما تزال كلماته تتردد في كل أرجاء فلسطين، إنه جهاد نصر أو استشهاد.

قد يعجبك ايضا