المشهد الكامل والحلقة السعودية: أين تكمن المصلحة الأمريكية؟

موقع أنصار الله  || صحافة عربية ودولية ||محمد علي جعفر*/ العهد الاخباري

 

 

في ظل المعادلات الحالية للصراع، يجري العمل على إعادة خلط الأوراق لا سيما بعد النتائج التي خرجت بها أزمات المنطقة من الربيع العربي والأزمة السورية مروراً بالحرب العراقية على الإرهاب وصولاً الى العدوان على اليمن. فالنتائج التي حصدها محور المقاومة كانت كافية لإطلاق مسلسلٍ من الجنون لدى الأطراف المقابلة. وهو المسلسل الذي عادةً ما تُعبِّر عنه السعودية بأبهى صوره، في حين سبقها لذلك الغرب وأمريكا وتل أبيب. ولعل المُتابع للمشهد يُخطئ في فصل الأحداث والتركيز على الجانب المُثار إعلامياً. فكما أن استهداف حزب الله اليوم يعني استهداف مكونات محور المقاومة كافة وهو ما بات معادلة تمنع التفكير بالحرب لدى أعداء هذا المحور، فإن المشهد الذي يحصل في المنطقة حالياً وتتصدره السعودية ليس إلا مقطعاً من مشهدٍ كبير لمنطقةٍ ترقص على معزوفةٍ أمريكية جديدة. معزوفةٌ عنوانها الانتقال من صناعة الأحداث الى اصطياد الفرص. فماذا في المشهد الكامل؟ وكيف يجب قراءته؟

 

 

المشهد كاملاً

لم تُشكِّل عودة سوريا الأسد الى الواجهة السياسية الإنجاز الوحيد الذي حقَّقه محور المقاومة. فالعراق بات اليوم بلداً يمتلك مقومات الدفاع عن النفس لا سيما بعد نجاحه في الحرب على الإرهاب وبالتالي خرج من دائرة الإبتزاز الغربي والعربي له. واليمن أصبح من اللاعبين الإقليميين، حيث بات قادراً على تهديد السعودية وفرض معادلات إقليمية. إيران التي تترأس المحور لم ينفع معها الإتفاق النووي في إيقاعها في فخ تغيير التوجهات السياسية الكبرى كما لم ينفع معها أسلوب فرض العقوبات.

وبين الجميع، ما يزال حزب الله الطرف الفاعل لناحية الدور والإمكانات. منظومةٌ تتخطى بقدرتها جغرافيا معينة. لا قواعد كلاسيكية وبالتالي فالمعادلات معها مختلفة. وبأسفٍ أمريكي غربي يخرج رئيس اللجنة العسكرية لحلف شمال الأطلسي الجنرال “كلاوس نومان” منذ أسبوعٍ فقط، ليُعبِّر في كلمة ألقاها أمام منتدى سياسي في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى عن التالي:

“نظراً إلى القدرات العسكرية المُحسَّنة لحزب الله، فإن الحرب المقبلة ستكون أسوأ بكثير من الحروب السابقة. وإذا اندلعت، فستترتب عليها عواقب إنسانية وخيمة، وقد تضع المصالح الاستراتيجية الغربية في خطر”.

باختصار هذا هو المشهد. ولعل هناك العديد من التفاصيل الأخرى. لكن يكفي ما تقدم لوصف حدود الصورة الكاملة. وهنا يأتي السؤال التالي: أين تقع السعودية في هذا المشهد الكامل؟

 

 

السعودية في ظل المشهد الكامل

السعودية، الدولة التي رعاها الغرب من بريطانيا الى أمريكا منذ 70 عاماً. هي الدولة التي منها اعتادت أن تنطلق سياسات المنطقة، حيث لعبت السعودية ولفترة من الزمن دور عرَّاب السياسات الإقليمية. اليوم لا يختلف اثنان على أن الأمور تغيَّرت بالنسبة للرياض ودورها. على مرِّ الأعوام السابقة وظَّفت الولايات المتحدة النظام في الرياض من اجل خدمة مصالحها الجيواستراتيجية. وهو ما كانت تقوم به على قاعدة ضرورة دعمه والإبقاء عليه لما يؤمِّنه ذلك من السيطرة على نحو 90 بالمئة من احتياطات المخزون النفطي العالمي. حينها كانت الحسابات الأمريكية تقتضي إبقاء المعادلات ضمن الجغرافيا السياسية المعهودة. على الرغم من أن العديد من الرؤساء الأمريكيين وفي فترات زمنية متقاربة مثل نيكسون وجون كيندي، فكروا أكثر من مرة في قلب نظام الحكم واعدوا خططاً بديلة للتعاطي مع نتائج ذلك وتحديداً كيفية الحفاظ على موارد الطاقة في الدول الخليجية.

أما اليوم فالأمور بالنسبة لواشنطن تغيَّرت. ولم تعد الأطراف الحالية في المنطقة وبأدوارها المعهودة قادرة على تحقيق أي نتيجة في صناعة الأحداث. ونعت استراتيجية أولبرايت – هادلي التي ظهرت منذ سنة، نتائج تقسيمات سايكس بيكو. وأيقنت واشنطن أنها مضطرة للانتقال من صناعة الأحداث الى اصطياد الفرص عبر إدارة النتائج. وهو ما لا يمكن أن يحصل دون إحداث أزمة في المنطقة تتخطى في نتائجها إحداث تغييرات في اللاعبين والواقع السياسي الموجود. وبنظرة بسيطة للموقوفين في السعودية ومنهم الرئيس الحريري، يبدو واضحاً أن المسألة التي تأخذ أبعاداً مالية هي بأسبابها سياسية أيضاً. وهو ما يجب أن يتم الالتفات له حيث أن ما يجري في الرياض يتخطى بأبعاده السياسية جغرافيا السعودية.

إذن، لا يختلف اثنان في أن الجنون السعودي يُعارض العقلية المعتادة في السياسة الدولية كما أنه يعارض العقلية المنطقية لتثبيت حكمٍ داخلي. وهو إن دل على شيء فيدل على حجم الصراعات الداخلية والرفض الموجود لسياسات محمد بن سلمان. الأمر الذي يعني إمكانية الذهاب الى فوضى في السعودية، تعرفها أمريكا وقد تدفع الأمور بإتجاهها لحساباتٍ خاصة. في حين ليس واضحاً كيف ستستفيد واشنطن من هذه الفوضى. لكن الأكيد أنها تسعى لاستغلال الفرص واصطيادها، في ظل واقعٍ تعيشه منطقة أغرقتها أولويات الحروب على حساب أولوياتٍ أخرى. وهو ما يتوافق مع ما خرجت به دوائر صناعة القرار الإسرائيلي في معهد الأمن القومي في تل أبيب، بأن أفضل الخيارات الذهاب الى وضعٍ غير مستقر في المنطقة وتفعيل سياسات القوة الناعمة، عبر رفع منسوب العقوبات الإقتصادية وزيادة الشحن المذهبي وافتعال حروب محدودة. ولن يكون هناك أي مشكلة أمام أمريكا وخدمةً لمصالحها من القيام بحرق الأوراق السياسية الخاصة بها، طالما أنها لا تمتلك أوراق مضادة. فهل تحرق أمريكا الورقة السعودية الحالية؟

*باحث في إدارة المنظومات والشؤون الإستراتيجية

قد يعجبك ايضا