الوهم السعودي في لبنان .. محاولة المهزوم استخدام المأزوم

موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية ||علي الحاج يوسف/العهد الاخباري

لا يختلف اثنان على الإقرار بالتعريف البسيط للسياسة بأنها فن الممكن، وما ليس بممكن لا يندرج في سياقها وليس منها، بل هو يتخطى حد المغامرة أو المقامرة أو الوهم بما يفترض المقامر أنه سيكون، وهو، بحكم المنطق والواقع، لم ولن يكون.

والحال، أن ما شهده لبنان وعاشه ووقع فيه منذ يوم السبت الماضي، لا يمت لتسلسل الأحداث وتدرّج المواقف والوقائع المحلية والإقليمية بصلة، ولا هو ممكن في فن الممكن، بل شيء من الهرج والمرج والرعونة وكل مرادفاتها من التهور والنزق والحمق والهوَج والطيش والعته والبله، وإلى آخر ما تحمله المعاجم من معنى للتسرع في شأن يمس ببلد وشعب بأكمله فقط لأن مسّاً من جنون العظمة أصاب مزهواً مختالاً بوهم الأنا العليا التي لا ينازعها منازع بعد أن نزعت كل مخالف وأطاحت كل منافس محتمل أو قائم.

لم يعد الأمر في حاله ومآله موضع نقاش أو اشتباه في توصيفه، وإن كان محل اشتباك في توظيفه، ومختصره المفيد أن رئيس الحكومة اللبنانية، إلى حينه، سعد الحريري أُقيل أو استُقيل، على حين غرّة، ودون علم أو توقع حتى من الحريري نفسه. ولكن لماذا كان الذي كان؟ وبعد الذي كان ماذا سيكون؟.

أحدٌ لا ينكر على السعودية دورها المؤثر في الإقليم وزعامتها على المنظومة التي تدور في فلكها تحت المسمى المذهبي تارة أو القومي اللُغوي أو اللَغوي تارة أخرى في ظل انزواء دول وانطواء دول واحتواء أخرى، والمملكة في أضعف الحالات تقبض على مفاتيح الحرمين، وتتحكم بالآتين من كل فجٍ عميق.

لكن لماذا قفزت السعودية فوق كل الخنادق والمستنقعات في صراعات وحروب المنطقة التي لم تفلح في أيٍ منها، وفتحت ناراً على البلد الأكثر استقراراً وأمناً بتوافق بين قواه السياسية، ولرغبة دولية ترمي لتحويله مخيماً كبيراً آمناً لملايين النازحين السوريين وإقامة دائمة لمئات آلاف اللاجئين الفلسطينيين حتى لا تنفجر ديمغرافيا تدفقهم في قلب القارة العجوز؟

فالمملكة العجوز المتصابية مع ولي عهدها الحاكم المتحكم، قفزت فوق كل جبهاتها المفتوحة على مزيد من التراجع، وأدخلت نفسها في المجهول اللبناني. وإذا كان بن سلمان لا يقوىَ حتى على استعادة عشرات الكيلومترات من الأراضي السعودية “المحتلة ” من قبل أنصار الله اليمنيين، وجنوده يسابقون الريح فراراً من حفاة اليمن في مشاهد يومية موثقة بالصوت والصورة، وإذا كان فعلاً كما يزعم، أن بضعة مستشارين وخبراء من حزب الله، يديرون الحرب ضده في اليمن ويحيلون عاصفته وهماً لا حزماً، فكيف يتوهم حرباً أو عدواناً ضد حزب الله في معقله في لبنان والحزب مدجج بكل عناصر وعوامل القوة العسكرية والشعبية، بما يشكل رعباً وردعاً حتى لـ” إسرائيل” التي يراهن بن سلمان على استدراجها إلى ما تريده ولا تستطيعه؟.

وكما المسعى الخائب للتلطي خلف ” إسرائيل” الحذرة والمتهيبة، فإن هيبة دونالد ترامب التي حشد لها الملك سلمان خمسين دولة في قمة الرياض، وظنّ كثيرون أنها ستغير وجه المنطقة وتحاصر دور إيران ومحور المقاومة، تمخضت عنها زوبعة لم تبارح حدود تأديب قطر ومحاولة إلزامها بجزء من الرشوة بمئات المليارات من الدولارات التي تعهدها بن سلمان لترامب.

لا نتنياهو إذاً ولا ترامب بوارد تحمل ما تشتهيه الرياض لحسابات ومصالح تعنيهما، وما تعوّل عليه حيال ذلك ما هو سوى ضرب من الوهم، كما تخطيطها خبط عشواء لاستعادة ما تفترضه دوراً مسلوباً منها في لبنان، فمن حيث يزعم فريق بن سلمان أنه يرفع عن لبنان هيمنة إيرانية مدّعاة، مارس على لبنان دولة ومؤسسات أبشع أنواع التوهين والمهانة، فهو في الشكل أرغم سعد الحريري على تقديم استقالته من الرياض بعيداً عن مقره الرسمي وعن جمهوره وناخبيه، وألزمه بنص لا ينسجم أبداً وسياق أقواله وأفعاله على مدى أشهر حكومته الثانية التي قامت على تسوية لم يتغير أي من ظروف إقامتها منذ قامت.

وإذا كانت السعودية ترى في الحريري وفريقه ممثلين لها، فهي خسرت شراكة كانت لها، وذهبت تحارب طواحين الهواء في حرب افتراضية لا يمكن لتصريحات تهويلية أو تغريدات فتنوية يومية أن تجعلها حقيقية أو تحيي عظام فريقها وهي رميم، ففاقد الشيء لا يعطيه.

ثم كيف يحبط السعودي من يعتبرهم مؤيدين له في لبنان من جمهور وسياسيين قبل أن يبدأ معركته في لبنان؟. وكيف يُعقل، وفق أدنى بديهيات العمل الحزبي والسياسي، أن لا يكون أقرب مستشاري رئيس الحكومة المُقال وكل أركان تياره السياسي وكتلته النيابية من رأسها فؤاد السنيورة حتى أخمص قدميها، آخر العارفين وأول المتفاجئين؟. وربما وحدهم بعض الإعلاميين المسبقي الدفع شكلوا ظاهرة صوتية احتوائية في اليومين الأولين لخيبة أصابت محازبي الحريري وحلفاءه، وتفاقمت مع تواتر مؤشرات الغموض والالتباس حول مصيره وحرية قراره.

وإذا كان منتهى غاية المملكة هو إثارة الفوضى والاضطراب في ساحة حزب الله الوطنية، لعجزها عن أكثر من ذلك، فبأي أدوات مشاغبة أو تخريب ستلعب بعد أن باغتت أتباعها بخيبة وصدمة، وحولتهم إلى جيش مهزوم من السياسيين والإعلاميين لمواجهة من يسجل الانتصار تلو الآخر في المنطقة من آخر شبر في جرود لبنان إلى آخر شبر على الحدود السورية مع العراق، وإلى مديات أبعد حيث تحتسب السعودية وحيث لا تحتسب.

أسقط بن سلمان عتوه على استقرار لبنان وأمنه في محاولة تأليب وتخريب، فأُسقِط في يدي أدواته وأتباعه المحليين شعبياً وسياسياً، وما كان لهم من نصيب من التسوية لم يعد لهم فيه نصيب. وفي أسوأ الأحوال، لتكن مرحلة تصريف أعمال، وأحدٌ من أركان الحل والربط لا يستعجل تحقيق ما تريده الرياض من فتنة بين اللبنانيين، وتصريف شؤون الناس أفضل حالاً من المُحال. والمُحالُ أن ينقذ مهزوم مأزوماً.

قد يعجبك ايضا