ملامح المرحلة الانتقالية بين أكراد العراق وأمريكا.. من الشعار إلى الواقع

موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية ||
الوقت التحليلي – بعد فشل “استفتاء الانفصال” في إقليم كردستان العراق وانسحاب قوات “البيشمركة” التابعة للإقليم أمام القوات العراقية والحشد الشعبي من المناطق المتنازع عليها وفي مقدمتها محافظة كركوك الغنية بالنفط، واضطرار “مسعود بارزاني” للتنحي عن رئاسة الإقليم، أعلن الأخير استعداده لإعادة النظر في طبيعة العلاقات مع أمريكا والتوجه نحو روسيا، متهماً واشنطن بعدم دعم الإقليم في قضية الاستفتاء.

فما حقيقة هذه التصريحات، وما هي الأهداف التي يسعى بارزاني لتحقيقها في المرحلة القادمة؟

الإجابة عن هذه التساؤلات تستدعي إلقاء نظرة سريعة على العلاقات بين إقليم كردستان وأمريكا طيلة العقود الثلاثة الماضية:

– بعد غزو العراق للكويت في صيف عام 1990 تدخلت القوات الأمريكية وحلفاؤها لإخراج القوات العراقية من هذا البلد في مطلع عام 1991. وتبع ذلك قيام الشعب العراقي بانتفاضة عارمة ضد نظام صدام والتي عرفت باسم الانتفاضة الشعبانية. وفي ظل تلك الظروف حظي أكراد العراق بدعم أمريكي واضح تبلور في القرار 688 الصادر عن مجلس الأمن الدولي الذي منع الطيران الحربي العراقي من التحليق فوق المحافظات الكردية “أربيل والسليمانية ودهوك” الواقعة شمال خط العرض 36. وقد مهد هذا القرار لإجراء انتخابات برلمانية في هذه المحافظات بتاريخ 19 أيار/مايو 1991 ومن ثم الإعلان عن منطقة حكم ذاتي للأكراد في شمال العراق.

وبعد نشوب نزاعات سياسية وعسكرية بين الحزبين الرئيسيين؛ الديمقراطي الكردستاني بزعامة “مسعود بارزاني” والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الراحل “جلال طالباني” والتي استمرت نحو أربع سنوات تدخلت أمريكا بشكل مباشر لحل تلك النزاعات، ودعت بارزاني وطالباني إلى واشنطن بتاريخ 17 أيلول/سبتمبر 1998 لعقد اتفاقية بين الطرفين حول كيفية إدارة المحافظات الكردية العراقية، وعرفت هذه الاتفاقية فيما بعد باسم “اتفاقية واشنطن”.

وقد هيأت هذه التطورات الأرضية لتقوية العلاقات بين أكراد العراق وواشنطن. ومما ساهم في تعزيز هذه العلاقات هو قيام أمريكا وحلفائها بغزو العراق عام 2003 ووقوف الأكراد إلى جانبهم للإطاحة بحكومة صدام.

وتمخض عن هذا التعاون فيما بعد قيام أمريكا بدعم الأكراد لتشكيل إقليم شبه مستقل عن الحكومة المركزية في بغداد. وقد منح الدستور العراقي الذي أقر في تشرين الأول/أكتوبر عام 2005 من قبل برلمان هذا البلد صلاحيات واسعة للإقليم في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية.

لكن بعد فشلها في تحقيق أهدافها في العراق، عمدت واشنطن إلى توظيف علاقاتها مع الأكراد من أجل تسويق مشروعها الرامي إلى تقسيم هذا البلد من جهة، ومواجهة محور المقاومة الذي تدعمه إيران والذي يتصدى للمشروع الصهيوأمريكي في عموم المنطقة من جهة أخرى.

وبسبب الموقع الجغرافي والجيوبولوتيكي الذي يحظى به إقليم كردستان العراق، إضافة إلى ما يمتلكه من ثروات طبيعية كبيرة لاسيّما في مجال الطاقة، فكرت أمريكا بتوطيد علاقاتها مع الإقليم والسعي للتعامل معه كأداة ضغط على الحكومة المركزية في بغداد ودول الجوار (إيران وتركيا وسوريا) في مقابل دعم الإقليم في مساعيه للانفصال عن العراق.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الجنرال الأمريكي المتقاعد “جاي غارنر” الحاكم العسكري الذي نصبته واشنطن على العراق بعد غزوها له عام 2003 كان قد أكد في وقتها على ضرورة دعم الأكراد في هذا البلد، لاعتقاده بأهمية الدور الذي يمكن أن يلعبوه في حفظ المصالح الأمريكية في عموم منطقة الشرق الأوسط.

موقف أمريكا من استفتاء الانفصال في إقليم كردستان

تظاهرت أمريكا بأنها ليست مع “استفتاء الانفصال” الذي أجراه إقليم كردستان في 25 أيلول/سبتمبر 2017، وذلك لتجنب الوقوع في الحرج مع الحكومة المركزية في بغداد وتركيا، وهذا الأمر قد دعا مسعود بارزاني إلى أن يصرح بأن واشنطن قد خذلته في تحقيق حلمه بالانفصال عن العراق، ويعلن في الوقت نفسه عن استعداده للتوجه نحو موسكو، إلّا أن كافة المراقبين يعتقدون بأن هذه التصريحات ليس لها رصيد على أرض الواقع، لأن بارزاني وحزبه لازالت تربطهم علاقات قوية مع واشنطن من جهة، كما أنهم ليسوا في موقع يؤهلهم للضغط على الإدارة الأمريكية، وبالتالي فإن تلويح بارزاني بالتوجه نحو موسكو التي نسّقت جهودها خلال العامين الأخيرين مع محور المقاومة في التصدي للجماعات الإرهابية لاسيّما في سوريا، ما هو إلّا بالون اختبار لمعرفة ردة فعل واشنطن تجاه هذا التحول من ناحية، وترغيب موسكو للتقارب مع أكراد العراق من ناحية أخرى، وإيصال رسالة إلى الإدارة الأمريكية بضرورة الحفاظ على علاقاتها مع إقليم كردستان ودعم حزب بارزاني في أي مفاوضات لتسوية الأزمة المتعددة الجوانب مع الحكومة المركزية في بغداد.

قد يعجبك ايضا