معركة النفق المفتوحة وإدارة المقاومة
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية ||د.أحمد الشقاقي/ وكالة القدس للانباء
نجحت المقاومة الفلسطينية في فرض وقائع جديدة في ميدان الصراع المفتوح مع الاحتلال، وتفاجأ الاحتلال بقدرات المقاومة في إطار إدارتها للمعركة، وأدواتها التكتيكية، وصولا للهيب النار الذي فتحه الكيان على نفسه وينتظر لحظة الصفر التي يتوقع أنها ستوجعه لتكون بحجم جريمة عدوانه واستهدافه نفق سرايا القدس.
وبعد مرور أسبوع على إعلان الجهاد الإسلامي استشهاد مقاوميه الخمسة، فإن ثمة محددات رسمتها الوقائع على الأرض عكست حجم التأهيل العالي لدى المقاومة على كافة المستويات وبشكل يعبر عن ثقة المقاومة بنفسها، وثقة عناصرها بقيادتها في اتخاذ القرار المناسب للحظة الرد وشكله.
وقد مثل هجوم الاحتلال على أدوات العمل الجهادي في مرحلة الإعداد تعبيراً عن قلقه المستمر من استثمار القوى المقاومة لحالة الهدوء في تطوير ذاتها وإمكاناتها القتالية على مستوى الهجوم والدفاع، غير أن هذا الهاجس الذي يصيب الاحتلال وجمهوره يعكس حجم التخبط الذي تفرضه المقاومة على كيانه الهش ونظامه الأمني والسياسي.
تطور العمل المقاوم وبالتحديد لدى كتائب القسام وسرايا القدس يبعث برسالة طمأنينة إلى الجمهور المحلي أن هذه المقاومة الرشيدة قادرة على استخدام سلاحها المنضبط بشكل يحقق تطلعات شعبنا، ويمكن الإشارة إلى أهم المحددات التي رسختها المقاومة في إدارتها لمعركة النفق المفتوحة حتى اللحظة.
أولاً: تمكنت المقاومة من فرض حالة استنفار لدى جيش الاحتلال وقواته، وأجهزته الأمنية ومخابراته، وبالتالي فإن المعركة التي بدأها الاحتلال منذ ما يقارب الأسبوعين لا يستطيع حتى الآن وضع تصور لنهايتها بعد أن أعلنت وسائل إعلام الاحتلال نقلاً عن دوائره العسكرية والأمنية أن المقاومة الفلسطينية سترد على جريمة النفق، وهذا يعني أن سرايا القدس استطاعت أن تفرض على دوائر القرار في دولة الاحتلال جدول أعمالها بما جعلها تعلن عن عدم نيتها استهداف قيادات العمل المقاوم في نفق الحرية.
ثانياً: استطاعت المقاومة أن تستثمر سلاح الرعب، وعطلت محاولة الاحتلال فرض وقائع جديدة على معادلة الردع القائمة منذ العدوان الأخير على القطاع عام 2014، كما أن الاحتلال بات مقتنعاً أن رد المقاومة على عدوانه مسألة وقت. وأن إرجاء هذا الرد يأتي في سياق تكبيد الاحتلال مزيداً من الخسائر، بعيداً عن عمل جهادي يأتي في سياق رد الفعل السريع والغير منضبط مع الأحداث السياسية التي تجري في المنطقة.
ثالثاً: تعكس الرواية الإسرائيلية لما بعد جريمة النفق أن المقاومة الفلسطينية رفضت الضغوط التي طالبتها بعد الرد على الاحتلال، وهذا يعني أن مناورة المقاومة السياسية لن تخضع لحسابات خطوات التسوية التي تجري في المنطقة على الموائد الخلفية، وأن هذه المقاومة ستكون صمام الأمان الذي يرفض كل مشاريع التسوية التي يتم الضخ باتجاهها في سياق النهوض بعملية تطبيع إقليمية مع الاحتلال.
رابعاً: نجحت المقاومة في فرض رسالتها الإعلامية الموجهة أولاً للاحتلال وجمهوره الداخلي، وثانياً لجماهير شعبنا والمقاومة. واستطاعت عبر رسالتها “الوقت ينفد” أن تقول أن جنود المقاومة وقيادتها يشغلون أنفسهم بعمل دءوب سيؤلم العدو، وأن قدرات المقاومة تتطور يوماً بعد آخر وأن تضحيات الشهداء المستمرة في الإعداد لمعركة النصر القادم لن تذهب هدراً.
خامساً: راعت المقاومة الفلسطينية الظروف الداخلية في ما يخص ملف المصالحة الفلسطينية ، والتي يؤمن كل فلسطيني بضرورة تحقيقها بشكل يوحد البرنامج السياسي وينهي المعاناة الفلسطينية في قطاع غزة ويضع حداً لمنع الحريات والتنسيق الأمني في الضفة المحتلة. هذه المصالحة التي ينتظرها الشارع الفلسطيني، أما ما يجرى أمام الكاميرات من لقاءات وزيارات من أجل توحيد مصادر الجباية والصرف للعمل الحكومي فهذا لن يغير في الأمر شيء، بل يذهب بنا نحو تعميق الخلاف في البرامج السياسية.
سادساً: تمكنت المقاومة خلال هذه المعركة من أن تثبت انضباطها وأنها صاحبة الشرعية بعد أن روجت بعض الأصوات النشاز أن وجود سلاح المقاومة يتعارض مع الأجهزة الشرطية، فالمقاومة التي تمتلك قيادة وطنية وقرار واعي لا يمكن أن تذهب بسلاحها في هوامش، وما فشلت فيه الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية في تسعينيات القرن الماضي لن تنجح فيه اليوم.
خلاصة القول: ثقتنا بمقاومتنا كبيرة وقدرتها على الرد أكبر، وبالتالي فإننا نقف خلفها وندعمها، وعداد الوقت الذي نشرته المقاومة نسمع دقاته مع نبضات قلب كل مجاهد يقف على الثغور ويتحدى المحتل. نرى أثره في ثبات أهالي الشهداء وذويهم، الفخورين بتضحيات أبنائهم والمؤمنين بخيارهم المقاوم.