خطاب السيد نصر الله وقصة مظلومية اليمن!
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية ||
محمد علي جعفر/ العهد الاخباري
(باحث في إدارة المنظومات والشؤون الاستراتيجية)
على الرغم من زحمة المواضيع السياسية وكثرتها، والأهمية الاستراتيجية للانتصار في البوكمال وما كان للقوات التابعة لحزب الله من دور أساس فيه، والهجمة الإعلامية والسياسية على إيران وحزب الله، كان لليمن حصةُ أساسية من حديث الأمين العام لحزب الله أمس. بل إن القادر على الغوص في خفايا الخطاب، يُدرك أن الرسالة الإنسانية التي أطلقها السيد نصر الله للعالم والشعوب حول ضرورة إيقاف العدوان السعودي على اليمن تتضمَّن الكثير من الدلالات والرسائل التي يجب الوقوف عندها. ليس لأنها تُعبِّر عن حجم المظلومية التي يعيشها الشعب اليمني فقط، بل لأنها تدل أيضاً على منظومة القيم التي تحكم سلوك جميع اللاعبين على الساحة الإقليمية والدولية.
وللغارقين في التحاليل السياسية والعسكرية، وللواقفين أمام صورة منطقةٍ تشتعل في ظل حروبٍ تتناقض فيها أهداف اللاعبين، تختصر مظلومية الشعب اليمني كل الحكاية. فبعيداً عن السياسة والحسابات الضيقة، أصرَّ السيد على إيصال رسالةٍ إنسانية، هي أعمق في دلالاتها من المشاعر المتعاطفة والمطلوبة أمام معاناة شعبٍ أعزلٍ يتم إقصاؤه من خلال قصف أبريائه بشكلٍ وحشي. الرسالة الإنسانية لم تكن بعيدة عن انتصار البوكمال، والحرب الإعلامية والسياسية على إيران وحزب الله، والتنسيق العلني السعودي الإسرائيلي، وحالة التخاذل والصمت العربي، والسلوك السعودي تجاه الحليف والجار. كل هذه التفاصيل تتفرَّع من مشهد تُعبِّر عنه صورة الحرب الوحشية على اليمن. هو المشهد الذي أراد السيد أن يقف عنده الجميع. كيف ولماذا؟
يختزل مشهد الحرب على اليمن بوحشيته حالة الشراسة التي تسود الصراعات في المنطقة والعالم بالإضافة الى وضع الأطراف. ولعل الحقائق التي تتعلق بموقع اليمن الاستراتيجي عبر إطلالته على باب المندب ثالث أهم معبرٍ مائي في العالم وامتداد الجبهة البحرية اليمنية على مسافة 2500 كيلومتر وإطلالتها على بحر العرب وخليج عدن من الجنوب والبحر الأحمر من الغرب وانتشار جزره البحرية في مياهه الإقليمية، بالإضافة الى الأهمية الجيوسياسية والجيوعسكرية للحدود السعودية المشتركة مع اليمن (2000 كلم)، تجعل من الواضح للجميع مبررات الحرب الأمريكية السعودية على اليمن وأهمية التحكم بقراره.
وأمام فشل الرهان الأمريكي على الحرب في سوريا وما تأتي به النتائج العكسية في اليمن والإصرار على اعتبار اليمن ساحة النزال الأخيرة للمشروع الأمريكي السعودي بوجه محور المقاومة، باتت واضحة أسباب الإقصاء الذي يتعرض له اليمن عبر العدوان الهمجي. حيث سعت واشنطن لجعل مسألة إعادة تفعيل الدور الميداني لتنظيم داعش في سوريا ورقة ابتزاز وتفاوض ضد محور المقاومة فيما يخص ملفات المنطقة، فأقفل تحرير البوكمال إمكانية حصول ذلك وفرض واقعًا جديدًا لا يمكن لأمريكا إلا الرضوخ له.
من هنا جاءت الرسالة الإنسانية التي أشار لها السيد نصر الله، ولم يعد مقبولاً الاستمرار في حربٍ فقدت القدرة على تحقيق أهدافها منذ فترة طويلة. ولا بد من إعطاء الأولوية لحجم الكوارث الإنسانية التي بات يعيشها اليمن. وبعيداً عن الحسابات السياسية والعسكرية بات لزاماً الدعوة للمطالبة بوقف العدوان. ومن مُنطلق القوة، عبَّر السيد عن فحوى الحقيقة التي تُعبر عنها الجرائم بحق اليمنيين. “لا فرق بين سلوك السعوديين في الحرب وسلوك الإسرائيليين”. وما مظلومية الشعب اليمني إلا جزءٌ من التضحيات التي قُدمت من قبل محور المقاومة وأثمرت الانتصار على الإرهاب. وما يجري في السعودية على صعيد البيت الداخلي، يتعلق بفشل الرهانات السعودية كافة ومنها الحرب على اليمن.
أقفل السيد نصر الله أمس مسلسل التصعيد السعودي. لا فائدة من المقايضة، بل لا إمكانية لمقايضة الملف اليمني بأي شيء لا سيما أن الحرب على اليمن خرجت من طابعها السياسي والعسكري الى طابعٍ إنساني تخطى كل المعايير المقبولة. فكانت رسالة السيد نصر الله الإنسانية محاولة لإيقاظ الكرامة العربية واستحضارها بعد أن غيَّبها البترودولار.