“صفقة القرن”.. الدعاية والواقع
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || الوقت التحليلي
لا يختلف إثنان على خطورة المرحلة الحاليّة من التطبيع مع الكيان الإسرائيلي وهو ما نتفق عليه جميعا. ولعل ظهور ما يسمّى بـ”صفقة القرن” خير دليل على ما يتنظر شعوب المنطقة، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه يتعلّق بحقيقة هذه الصفقة أبعادها ونتائجها.
بعيداً عن الضبابيّة التي تتعلّق بصفقة القرن، إلا أن التوقعات من الأطراف المعوّلة عليها تبدو بعيدة عن الواقع إلى حدّ ما كونها تتأثّر بالدعاية الإعلاميّة التي ترافقها سواءً في واشنطن أو الإقليم العربي.
هناك تضخيم مفتعل حول الصفقة، أبعادها ونتائجها، يندرج في إطار التطبيع الإعلامي الذي تقوده السعوديّة إقليمياً، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى جملة من النقاط:
أوّلاً: إنّ مصطلح “صفقة القرن” ليس بجديد، فقد ظهر في “تفاهمات أولمرت – عباس” عام 2006، إلا أنّه لم يحمل هذا الوقع الإعلامي رغم أن الفريق الإسرائيلي لم يتغيّر والجانب الأمريكي السابق والحالي داعم للخيارات الإسرائيلية. إلا أنّ هذه “الفوعة” الإعلاميّة ترتبط بترامب المشاكس إعلامياً والذي ينظر إلى القضية الفلسطينية كصفقة من صفقاته العقارية، وأما فيما يتعلّق بالزيارات المكوكيّة لطاقم ترامب إلى فلسطين فقد حصلت عهد الرؤساء الأمريكيين السابقين.
ثانياً: هناك إصرار فلسطيني على العودة إلى حدود العام 1967 (على أقّل تقدير هذا الأمر هو محطّ إجماع ما بين أنصار 1967 و1948)، إلا أن الكيان الإسرائيلي يصرّ على حدود 2016، بل ما هو أبعد من 2017 عبر مفاوضات مباشرة مع الفلسطينيين بغياب أيّ دور للرباعية الدولية التي تدعم خيار 1967. سيلعب السعودي دور مساعد للجانب الأمريكي في هذه المفاوضات التي تهدف لإسقاط القضيّة بالتقادم، فضلاً عن كشف الظهر الفلسطيني وتعريته من أي دعم عربي. إن طرح الصفقة سيضع محمود عبّاس في عنق الزجاجة سواء قبل بها، وبالتالي ضاعت القضيّة، أو رفضها ما يعني أنّه المعرّقل الرئيسي لعملية السلام، وهنا لا نستبعد أن يرمي عباس هذه الكرة في ملعب فصائل المقاومة التي ستمسكها بقوّة.
ثالثاً: ترتبط الصفقة بجملة من المحاور تبدأ بدول يهوديّة من البحر إلى النهر عاصمتها القدس، لتمرّ عبر تدجين المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس الشرقية عبر أساليب عدّة (الاستيطان- الدمج مع فلسطينيي الأردن- الدمج مع عرب 48) وتصل إلى عزل القطاع عن الدول اليهوديّة كونه لم يرد في النصوص التوارتيّة مع احتمال اقتطاع جزء من سيناء. إن الانحياز الأمريكي التام للجانب الإسرائيلي يعد فرصة أكثر منه تهديد كونه سيساهم في ولادة ميّتة لهذه الصفقة التي لن تعطي الفلسطينيين دولة على كامل حدود 67، فضلاً عن قبول فلسطين بمعنى الدولة المتعارف عليها قانونياً وسياسياً وكذلك عدم التزام بحقّ العودة، وهو ما يرفضه عبّاس ناهيك عن فصائل المقاومة.
رابعاً: رغم أن ترامب، ومن خلفه فريقه اليهودي والكيان الإسرائيلي، استغلوا حالة التفكك والانهيار العربي والفلسطيني، إلا أنّ الشروط الإسرائيلية التعجيزية لن تجد أي قيادة فلسطينية قادرة على التوقيع على هذه الصفقة المهينة، وبالتالي تريد “اسرائيل” التلويح بالحلّ دون تكريسه على الأرض الواقع، مع الاستفادة من هذا التلويح في العلاقات مع العرب، بحضور الفلسطينيين أو عدمه.
الخلاصة، فيما يتعلّق بصفقة القرن تقول أنّه ليس للفلسطينيين ما يخسروه الأمر الذي سيجعل الإسرائيليين يتفاجئون مرّة أخرى، وفق الكاتب في صحيفة معاريف آفي بنياهو، بينما سيعمد الجانب الإسرائيلي إلى استخدام سياسية “yes, but” لتحسين شروط “اللعبة” وتحميل الجانب الفلسطيني أي تبعات للرفض.
اذاً، الصفقة لن تصل إلى خواتيمها، فالعقبات أمام الرئيس الأمريكي ترامب كبيرة جدّاً، وكفيلة بإخراجه من البيت الأبيض كما خرج أسلافه دون أي نتائج تذكر لاسيّما أن فريق ترامب لا يمتلك الخبرات والمعلومات الشافية بخصوص هذا الصراع الممتد من 70 عامًا، إلا أنها في الوقت عينه ليست مصداقاً للمثل الشعبي “تمخّض الجبل فولد فأراً”، كونها ستكون صفقة قرن من نوع آخر، لا تتعلّق بالقضيّة الفلسطينية، بل بالسعوديّة وبعض الدول العربية كالإمارات والبحرين. الصفقة ستكون السبيل الوحيد لإخراج العلاقات السرية مع بعض الدول العربية من السرّ إلى العلن بغية تبديل المعادلة الإسرائيلية من “فلسطين أولًا ثم يأتي العرب”، إلا أن التوجّه ا الجديد “العرب أولاً بفلسطين أو دونها”.