نص المحاضرة الثالثة للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي في المولد النبوي الشريف 1439هـ

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله خاتم النبيين، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وارض اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.

 

 

أيها الإخوة والأخوات، شعبنا اليمني المسلم العزيز، أمتنا الإسلامية، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد مخاطبا لنبيه الكريم محمدا صلى الله وسلم عليه وعلى آله الطاهرين: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ ۚ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا . وَرُسُلا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا * رُسُلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا)، يخاطب الله نبيه صلى الله وسلم عليه وعلى آله بقوله: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ)، الوحي هو الطريقة التي يوصل الله بها هديه إلى أنبيائه، وعن طريقها يتخاطب معهم، ويوصل إليهم هديه بما فيه من تعليمات وتوجيهات، والله يؤكد هنا وحيه بالنبوة، وبكل ما في النبوة من تكليف وبكل ما فيها من تعليمات وتوجيهات ومسؤوليات وما يرتبط بذلك بشكل تام، إلى نبيه وخاتم أنبيائه رسول الله محمد صلى الله وسلم عليه وعلى آله، كما كان وحيه تماما إلى الأنبياء السابقين، نوح والنبيين من بعده، كما أوحى إلى الأنبياء المذكورة أسماؤهم، إبراهيم، إسماعيل، إسحاق، يعقوب، إلى آخر الأسماء التي ذكرناها، قائمة طويلة من أسماء الأنبياء عليهم السلام ممن نبأهم الله، ممن أرسلهم الله رسلا مبشرين ومنذرين.

 

 

وهناك أيضا قائمة أخرى وردت في صورة الأنعام والله سبحانه وتعالى بعد ذكره لنبيه إبراهيم عليه السلام وما وهب الله له في ذريته من الأنبياء من ذريته، ومن شملتهم الهداية الإلهية، وجعلهم الله هداة لعباده، قال جل شأنه: (ووهبنا له) لنبيه إبراهيم عليه السلام، (إسحاق ويعقوب)، إسحاق ويعقوب هو حفيد إبراهيم، يعقوب ابن إسحاق، كلا هدينا، شملهم الله بهدايته، (وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)، لأن من أعظم نعم الله سبحانه وتعالى، ومن أعظم ما يكافئ به عبده أن ينعم عليه بذريته طيبة صالحة يهديها الله سبحانه وتعالى بهدايته، يعتبر هذا من أعظم المكافآت الإلهية التي يكافئ الله بها عباده المحسنين، والأنبياء درجة إحسانهم درجة عالية جدا، وزكريا، يستمر الحديث، (وَزَكَرِيَّا ويحيى وعيسى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصالحين وَإِسْمَاعِيلَ واليسع وَيُونُسَ وَ لُوطًا ۚ وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ * وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ ۖ )، يعني من شملتهم هداية الله سبحانه وتعالى التي هي أعظم النعم وأشرف النعم، (وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ).

 

 

الله سبحانه وتعالى قال في الآية السابقة عن رسله، ورسلا قد قصصناهم عليك، يعني قصهم الله سبحانه وتعالى على نبيه محمد فيما ورد بشأن بعضهم في القرآن الكريم، قصص عنهم وعن نبوتهم، والبعض ربما لم يذكروا في القرآن وقد ذكروا في القرآن، ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل، ورسلا لم نقصصهم عليك، فيظهر أن قائمة الرسل والأنبياء هي قائمة طويلة جدا، في بعض الروايات يصل عدد الأنبياء إلى عشرات الآلاف، في بعضها إلى أكثر من 120 ألف نبي.

 

 

عدد كبير من الأنبياء والرسل على مدى تاريخ البشرية أرسلهم الله سبحانه وتعالى إلى عباده، في نفس الوقت لا يمكن أن يتسع كتاب معين لاستقصائهم بأسمائهم، بنبواتهم، بما قدموه من الهداية، بما حدث لهم مع أقواهم مع البشر من حولهم، الأسلوب التاريخي والسر التاريخي كان لا يتسع له، لا تتسع له حياة الإنسان في جيل معين حتى يتفرغ لدراسته، يعني ما هناك ضرورة لأن يطلع كل جيل على كل ما قد سبقه في طول مسيرة تاريخ البشرية، لأن أعمار البشر في كل جيل أعمار محدودة، مشغولين ومسؤوليات ومشاكل وأشياء كثيرة، فلو كانت المسألة أن يأتي جيل معين لدراسة كل ما قد سبقه، بالذات نحن أمة محمد آخر الأمم التي هي قد سبقها الكثير والكثير من الأجيال، الله أعلم كم الأجيال الكثيرة جدا التي قد سبقتنا في تاريخ البشر، القرآن الكريم قال بعد أن حكى عن قوم عاد وثمود، قال: (وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ)، لا يعلمهم إلا الله، يعني لم يستوعب التاريخ البشري، لم يستوعب المؤرخون البشر القدرة على استقصاء التاريخ، هذا غير متاح للإنسان، يعني عدد كبير وهائل، الله أعلم كم تطلع مجلدات، كم ستطلع من مجلدات هائلة جدا، ويجلس الإنسان يدرس إلى أن يموت وما قد كمل بعد، لم يكمل بعد ما قد مضى من تاريخ، فنحن آخر الأمم وقد سبقتنا أجيال كثيرة جدا، وسبقنا في قبل ختم النبوة بخاتم الأنبياء محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله عدد كبير جدا من الرسل والأنبياء، لا يتسع الوقت لأي جيل منا للاستقصاء لكل التاريخ السابق، وليس هناك أيضا حاجة إلى ذلك، أولا أن الهدي الذي أكرم الله به بقية عباده من خلال نبيه الأكرم محمد صلوات الله عليه وعلى آله وسلم هو هدي كاف يلبي كل ما نحتاج إليه مما يتعلق بمسؤولياتنا وما نحتاج فيه إلى الهداية الإلهية، هذا كاف، فيه ما يكفي ويفي، وأكثر من الكفاية، أوسع حتى من حياتنا وما نحتاج إليه في حياتنا، سعة كبيرة وعالية، وبطريقة ملائمة، يعني عندما نأتي إلى القرآن الكريم، كتاب مجلد، ممكن تلاوته بشكل مجزئ من خلال فترة محدودة، ويمكن الاستفادة منه بشكل كبير جدا، معين لا ينضب، وبحر لا يدرك قعره، وبطريقة ملائمة جدا، تستفيد منه البشرية في كل جيل فيما بقي من الحياة، بقدر ما يمكنها، وبقدر ما تتوفق له، وبقدر ما تسعى له، فيوجد الهدى الكاف الذي يكفي ويفي، وفي شخص رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله باعتباره خاتم النبيين وسيد المرسلين وأعظم أنبياء الله وارتقى في درجات الإيمان والكمال، الكمال الإيماني، والكمال الإنساني، والكمال الذي عليه الأنبياء ووصل إلى ما لم يصل إليه أي نبي من الأنبياء، فيه القدوة الكاملة والأسوة الكاملة، ومع ذلك أورد القرآن الكريم أيضا الحديث عن بعض الأنبياء بخصوصه، يعني أفردهم أيضا بالذكر، تحدث عنهم، عن عظيم مقامهم، عن عظيم دورهم، عن سيرتهم في أهم ما يتعلق بها مما نحتاج إليه وتتعلق به العبرة والدروس في النبي نفسه محمد صلوات الله عليه وعلى آله أو لنا من بعده، لنستفيد نحن أمته المسلمون بشكل عام، من يهتدي بهذا الكتاب مثل نوح كما ذكر الله نبيه نوح، وما ذكره بشأنه عن دعوته عن صبره، عن مضمون هذه الدعوة، عما واجهه مع قومه، كذلك ما ذكره عن إبراهيم عليه السلام، ما ذكره عن موسى عن يوسف، عن هارون، عن داود، عن سليمان، عن عيسى بن مريم، عن كثير من الأنبياء ممن أفردهم بالذكر، أفرد أيضا الحديث عن نبي الله هود وقومه، عن نبي الله صالح وقومه، عن نبي الله شعيب وقومه، عن نبي الله لوط وقومه، عدد من الأنبياء أفردهم بالذكر، وقدم عنهم ما فيه العظة ما فيه العبرة، ما فيه الدروس المهمة جدا التي هي غنية بما فيها من الهدى يستفيد منها نبي الله، يستفيد منها الدعاة إلى الله، تستفيد منها البشرية بكلها بما فيها من الدروس والعبر التي في غاية الأهمية، مطلوب منا نحن في واقعنا الإيماني أن نؤمن بكل رسل الله وأنبيائه، من ذكرت في القرآن الكريم أسماؤهم، ومن لم نعرف عنهم شيئا لا أسماؤهم ولا غير ذلك، يعني إيمانا إجماليا نؤمن بكل الأنبياء.

 

 

نحن نؤمن بكل الأنبياء وبكل ما أنزل الله عليهم، هذا شيء مطلوب لأنه يتضمن أشياء مهمة جدا، أولا، يتضمن الشهادة لله سبحانه وتعالى بكمال الحجة على عباده، أن الله لم يقصر في هداية عباده أبدا، وأنه جل شأنه واكب مسيرة البشرية بالهدى فيما كان يقدمه عبر رسله وأنبيائه، وما كان يحفظه لعباده بين فترات الرسل والأنبياء من هدي وهداة من ورثتهم الحقيقيين الصادقين، ثم في نفس الوقت أن منشأ المشاكل القائمة في واقع البشرية والسبب الرئيسي في الشقاء الذي تعاني منه البشرية لم يكن بتقصير من جانب الله سبحانه وتعالى، عندما نتأمل في واقعنا المعاصر أو في التاريخ نرى هذا الواقع البشري، ما فيه مثلا من ظلم وظلمات ومشاكل وأزمات وصراعات وأحداث كثيرة جدا، ونشاهد مثلا ما تعاني منه البشرية وما يحدث لها من مصائب ونكبات أحيانا كبيرة جدا، ما هو السبب في ذلك؟ هل ذلك يعود إلى تقصير من جانب الله سبحانه وتعالى! لا، الله جل شأنه أولا في الخلق وفيما خلق لهذا الإنسان أمن لهذا الإنسان في حياته كل عوامل الخير ومتطلبات السعادة في هذه الحياة، كل متطلبات الحياة الضرورية لهذا الإنسان وأكثر حتى من الضرورية بكثير جدا، فأمّن فيما وفره للعباد فيما خلقه لهم فيما أنعم به عليهم، متطلباتهم كافة، وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة، طبعت كل الرعاية الإلهية في كل ما يتعلق بهذا الإنسان من احتياجاته –والله جعل احتياجات الإنسان واسعة – ولكن وفر لهذا الإنسان متطلباته وما يغطي هذه الاحتياجات، ثم ذلك مطبوع برحمة الله وبكرمه، برحمته العجيبة، بكرمه العظيم الواسع، بعطائه الواسع جدا جدا، ومن يتأمل فيما خلقه الله لهذا الإنسان وأوجده له على الأرض، وهيأ له، وسخر له، توفير هذه الاحتياجات والعمل فيها في هذه الحياة والعمل لتحصيلها والعمل لتوفيرها، شيء موفر ابتداء وشيء يهيئ لهذا الإنسان توفيره بالعمل بالتحرك بالجهد، بالنهوض بدوره الاستخلافي في هذه الحياة، هو أصناف هائلة جدا، لو تأتي مثلا إلى جانب المأكولات، كم وجد على الأرض من أصناف المأكولات الحلال الطيبة التي خلقها الله سبحانه وتعالى لهذا الإنسان، وأتاح له أن يزرعها أن ينتجها، أن تتوفر له بجهود عملية، وهيأ له الاحتياجات التي تساعده على ذلك، فيهديه أيضا للمزيد من الوسائل، والأسباب التي تسهل له ذلك، كم يطلع من أصناف الثمرات والفواكه، كم يطلع من أصناف المأكولات المتنوعة جدا جدا جدا، ونسبة الحرام محدودة جدا مقارنة بنسبة الحلال، أحل الله الطيبات وجعلها كثيرة جدا، ثم لتأتي إلى بقية احتياجات هذا الإنسان، في مشروباته، في ملابسه، في احتياجاته لشؤون حياته الأخرى، وهي متوفرة بأصناف كثيرة جدا جدا، وبأنواع كثيرة، ويأتي منها في كل زمن المزيد، والجديد، والمتنوع، ويتيح الله للإنسان استكشاف المزيد، واستكشاف المزيد من الوسائل، والتسخير للأشياء على النحو الذي يهيئ للإنسان ويتيح للإنسان الاستفادة منها بأشكال وأنواع كثيرة جدا جدا، والتصنيع لها بأشكال وأصناف متنوعة جدا، أحيانا يخلق الله شيئا معينا، يتيح للإنسان فيما سخر وهيأه له في ذلك المخلوق الاستفادة منه بأصناف وأنواع كثيرة جدا، سواء ما كان يعود إلى غذائه، إلى ملابسه، إلى مختلف أغراض حياته، مختلف أغراض حياته، في دوائه، في عمارته في الحياة، في أنشطته الواسعة جدا في هذه الحياة، فما هناك تقصير عند الله في هذا الجانب، خلق الأرض، جعل فيها وفرة.

 

 

الذي يقدمه الغرب في النظرية الاقتصادية أن الأصل هو الندرة في الأشياء والمحدودية والقلة في الاحتياجات غير صحيح أبدا، غير صحيح أبدا، بل الصحيح هو قول الله سبحانه وتعالى:( وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً )، الصحيح هو الوفرة، ولكن وفرة على نحو لا يسبب لهذا الإنسان أن يطغى إلى ما لا نهاية له، يعني وفرة بالحكمة، وفرة مقدرة بالحكمة، لأنها لو كانت وفرة زائدة جدا على ما يطغى الإنسان فيما قد أصبح متاحا ومتوفرا له كيف سيكون طغيانه لو توفر له أكثر!

 

 

(وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ ) ، فهناك تقدير للأشياء، ولكن تقدير لا يصل بالأشياء إلى حد الندرة، على حسب ما يعبرون هم، أن تصبح الأشياء نادرة جدا، لا يتوفر منها إلا القليل، فيبررون لذلك أسلوبهم الجشع الذي يعتمدون فيه على النهب لثروات الشعوب، والسيطرة والاستحواذ على مقدرات الشعوب، فيكسبون بذلك لهم الثروات الطائلة والهائلة جدا جدا جدا، ويظلمون بقية البشر، ويسعون إلى تجويعهم، وإلى إغراقهم في المعاناة وإهلاكهم في الظروف الصعبة والقاسية، تصل بعض الأحيان في بعض البلدان إلى حد المجاعات، بلدان معينة مثلا في أفريقيا، وصلت إلى حالة مجاعات، ليس لأنه ليس فيها ما يمكن أن يكتفى به لتلبية احتياجات سكانها، بل لأن مواردها تنهب، وليس لأنها ليست ذات موارد، وأحيانا يجتمع مع ذلك سوء الإدارة، الفشل أيضا، قلة الاهتمام، عدم المعرفة، عوامل كثيرة تجتمع فتؤثر، المسؤول في ذلك هو الإنسان، إما أنه ظلم نفسه، وإما أنه أتاح للآخرين أن يظلموه، بعض الشعوب تتيح للدول المستكبرة والظالمة أن تظلمها، وأن تستأثر بخيراتها ومصالحها، بعض البلدان يتحكم فيها قلة نافذة وفاسدة، مسيطرة متسلطة، فتنهب معظم الثروات، تتقاسم مع الخارج تلك الثروات، تترك بقية أبناء شعبها في حالة عناء وشقاء، وحالة صعبة جدا، ومعيشة ضنكا، التعليمات الإلهية التي أتت مع الأنبياء، واتجهت منها جزء اتجه إلى هذا الإنسان لتزكيته، وجانب التزكية جانب أساسي جدا، في إصلاح الإنسان، وإذا صلح الإنسان تصرف بشكل صالح وصحيح، وحينئذ يصلح هذه الحياة، وتصلح له وبه هذه الحياة، لآن المشاكل التي تنشأ في الحياة، والسلبيات الكبيرة التي طغت في واقع البشر هي نتاج تصرفاته اللا مسؤولة، أو تصرفات بعضهم مع التقصير من البعض الآخر، والإهمال من البعض الآخر، والإذعان لأولئك من البعض الآخر، فالمشكلة هي هنا، المشكلة في واقعنا نحن البشر، يعني ليس هناك أي تقصير من جانب الله سبحانه وتعالى، لا فيما خلق، ولا فيما قدم لهذا الإنسان من تعليمات، من هداية، تساعده إلى حسن التصرف، وتصلحه هو، لأنه بحاجة إلى أن يصلح، بحاجة إلى أن تزكو نفسه، بدون زكاء النفس سيظلم حتى ولو علم أن الظلم حرام، وأن الظلم إثم، وأن الظلم سيسبب له العذاب، وأن الظلم سبب في شقاء البشرية، لن يبالي بذلك، بحاجة إلى أن تزكو نفسه، جانب كبير وأساس من حركة الأنبياء يتجه إلى هذه المسألة، إلى تزكية النفوس، وإلى تتميم مكارم الأخلاق والتربية، التربية للبشر، لتزكو نفوسهم، وليتحلوا بمكارم الأخلاق، ومع ذلك تعليمات هادية، في اجتناب الحرام، لأن هناك من الحرام ما له أسباب كارثية، كل الحرام له نتائج سيئة في واقع البشر، إما نتائج اجتماعية، سلبية في الواقع الاجتماعي، مثلما هو الحال في المفاسد الأخلاقية، ينشأ عنها دنس للنفوس، تضرب زكاء النفوس، وتضرب الواقع الاجتماعي، والترابط الاجتماعي، إلى غير ذلك.

 

 

أيضا هناك من المفاسد ما يضر بالناس في حياتهم الاقتصادية، مثلما هو الحال مع الربا، مثلما هو الحال مع الغش، مع النهب، مع كثير من المعاصي الاقتصادية، هناك أيضا على مستوى المعاصي العسكرية، البغي، العدوان، إلخ، كل الأشياء التي حرمها الله سبحانه وتعالى، وأتى الأنبياء لإنقاذ البشر منها، والعمل على تربية البشر، ليكونوا محصنين منها كلها آثارها السلبية في الحياة في هذه الدنيا على البشر، ثم أيضا آثارها السلبية وعقابها الوخيم الشديد في الآخرة.

 

 

فالله لم يقصر فيما مكن فيه هذا الإنسان، وفي أنه أقام الحجة، على هذا الإنسان، بما يحتاج إليه من تعليمات كافية لصلاح هذا الإنسان، وتبصير وتوعية هذا الإنسان، وتعليم هذا الإنسان الممنوع والمحرم والحلال، بما يكفل لهذا الإنسان أن يكون سعيدا، بما يكفل للبشرية أن تسعد في هذه الحياة، لأن الله لم يوجد الإنسان في هذه الحياة ليتعذب فيها، ليجعلها هي عذابا له، لا، إنه هيأ للبشر أسباب الخير والفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة،( وَلَٰكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)، كما قال جل شأنه في كتابه الكريم، ( وَلَٰكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ(، الله ما ظلمنا، نحن البشر من نظلم أنفسنا، ومن يظلم بعضنا بعضا، ومن يظلم بعضنا بعضا، فتعليمات الله سبحانه وتعالى في كل ما تتجه إليه من شؤون هذا الإنسان، فيما كان يعود منها إلى تربية هوى الإنسان، فيما كان يحدد لهذا الإنسان مسؤولياته في هذه الحياة، فيما فيها من أمر، وفيما فيها من نهي، وفيما فيها من توعية وتعريف للإنسان عن هذه الحياة، وعن الواقع من حوله، وعن الأحداث من حوله، وفيما فيها من تقييم شامل، وفيما فيها من أشياء كثيرة جدا، هي كفيلة بصلاح حياة البشر.

 

 

فالإيمان الجملي بالأنبياء إيمان بأن الله لم يقصر، تجاه عباده في هدايتهم، وأن حجته قائمة عليهم، هذا جانب.

 

 

جانب آخر: أن المشاكل التي نشأت في حياة البشرية تعود إلى خلل من جانبهم هم، وليس تقصيرا من جانب الله سبحانه وتعالى.

 

 

جانب ثالث: وهو جانب مهم، وهو يعود إلى الإيمان بوحدة المسيرة الدينية، أنها مسيرة واحدة، وأنه نهج واحد، تحرك عليه كل الأنبياء، هو الإسلام لله سبحانه وتعالى، كان هذا عنوانا رئيسيا في حركة الأنبياء، حتى عندما تحدثنا عن نبيه نوح عليه السلام يقول عنه: (  وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) ، حينما تحدث عن نبيه إبراهيم عليه السلام، (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ ۖ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)، عندما تحدث عن أنبياء الله من ذرية نبيه إبراهيم كذلك حديث واسع يؤكد على هذه الحقيقة، فمنهج الأنبياء منهج واحد، ليس بينهم اختلاف وتناقض، دعوتهم أصلها دعوة واحدة، دعوة واحدة كلهم، عندما صدر الله نماذج منها يأتي إلى قومه (أن اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ) ، )أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ(، كلها منهج واحد ودعوة واحدة وأصل واحد، ليس كل واحد معه أصل ودعوة مختلفة عن الآخر، ومتناقضة مع الآخر.

 

 

هناك فيما يتعلق بالتشريعات، الحلال والحرام، وبعض التشريعات تواكب ما استجد من متغيرات في واقع البشرية على طول تاريخ البشرية، وطول مسيرة البشرية، أو بعضها لاعتبارات معينة، مثلا البعض يكون إجراء عقابي، أن يحرم الله سبحانه شيئا على أمة معينة، كإجراء عقابي، مثلما قال عن اليهود: ( فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا | وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ۚ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)، هذا الإجراء العقابي عندما يأتي نبي آخر مجدد أحيانا يعلن إلغاء أو انتهاء هذا الإجراء الذي كان إجراء عقابيا ماضيا، وهكذا، فهناك ما يتعلق في التشريعات باعتبارات معينة أو ظروف مستجدة في واقع البشر، فيأتي التغيير، وليس تغييرا في الواقع، إنما هو مواكبة، أحكام تواكب ما استجد في واقع البشرية، أو لاعتبارات معينة، هذا ليس اسمه اختلاف بين الأنبياء، وتناقض فيما بين الأنبياء عليهم السلام، مسيرة الله مسيرة واحدة لكل الأنبياء، وأصلها واحد، ودعوتها دعوة واحدة، وعنوانها الرئيسي، هو الإسلام لله جل وعلا.

 

 

من أبرز الأنبياء الذين تحدث عنهم القرآن الكريم، نبي الله إبراهيم عليه السلام، لأنه في مرحلة معينة من تاريخ البشرية كانت النبوة والكتاب في ذريته، نبي الله إبراهيم عليه السلام هو من أولي العزم من الرسل ومنزلته عظيمة لأن الله فضل الرسل بعضهم على بعض كما قال جل شأنه (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ) والتفضيل هذا يعود إلى اعتبارات كثيرة منها حجم المسئوليات وطبيعة الأدوار التي كانوا ينهضون بها ويكلفون بها ويتحركون على أساسها فنبي الله إبراهيم في الحقبة البشرية الأخيرة من زمن معين كان أبا الأنبياء عليهم السلام وفي ذريته جعل الله النبوة والكتاب وأتاهم الملك والحكمة، نبي الله إبراهيم بلغ من شأنه العظيم في علاقته بالله سبحانه وتعالى ومنزلته عند الله أن قال فيه سبحانه وتعالى (وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا) هذا يدل على شأن عظيم على منزلة عالية في علاقته بالله سبحانه وتعالى وقد قدم لنا الله من حياة إبراهيم عليه السلام كثيرا مما يساعدنا على الاستفادة وعلى معرفة عظمة هذا النبي فيما كان عليه من إخلاص لله وتوحيد لله وتفان في طاعته لله سبحانه وتعالى ومن أبرز ما قصه الله علينا قصته مع أبنه إسماعيل عليهما السلام حينما كان مستعدا لأن يذبحه، نبي الله إبراهيم عليه السلام الذي هاجر بعد زمن طويل أمضاه بين قومه فهاجر من بينهم بعد إذن الله له بذلك ( وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ) هاجر إلى الشام هاجر إلى فلسطين ودعا الله سبحانه وتعالى ( رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ .فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ . فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) . نبي الله إبراهيم عليه السلام بعد هجرته إلى فلسطين واستقراره هناك رزقه الله وكان قد بلغ الكبر من السن فرزقه الله بابنه إسماعيل عليه السلام وفيما بعد رزقه الله بابنه إسحاق عليه السلام أيضا قال عنه كذلك (وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ) وهو قال في دعائه عليه السلام (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ۚ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ) نبي إبراهيم عليه السلام بأمر من الله وتوجيه من الله سبحانه وتعالى أسكن من ذريته إسماعيل أسكنه في مكة عند بيته المحرم وعندما نشأ إسماعيل عليه السلام عندما بلغ مرحلة السعي هناك في مكة جاء الاختبار الإلهي في قصة الذبح هناك في مكة أيضا بعد تجاوز هذا الامتحان الإلهي بنجاح (فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ. وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ. قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) وبعد الفداء الإلهي نشأ إسماعيل عليه السلام نشأة متميزة وصالحة ونبيا من أنبياء سبحانه وتعالى وشارك مع والده إبراهيم في بناء بيت الله الحرام الكعبة في إعادة إعمارها بعد أن أخبر الله نبيه إبراهيم وبوأ له مكان البيت وحدده له وقام بهذا العمل مع ابنه إسماعيل عليهما السلام وقرر بأمر من الله إسكان هذا الفرع من ذريته ليبقى مستقرا هناك وقال إبراهيم عليه السلام (رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) نبي الله إبراهيم عليه السلام أسكن هذا الفرع من ذريته هناك ليكون معنيا بالبيت الحرام وبالعناية بالبيت الحرام بطبيعة الدور الذي أراده الله سبحانه وتعالى لهذه الذرية ولهذا البيت ولهذا البيت الحرام وإضافة إلى ذلك كان هذا الفرع من نسله مذخورا هناك لمرحلة مهمة يكمل الله بها تأريخ البشرية ويختم الله بها النبوة والكتاب وبقي فرعه الآخر معه هناك في الشام الذي هو إسحاق وذرية إسحاق ذلك الفرع الذي بقي معه مابعد إبراهيم عليه السلام وبعد وفاة إسحاق يعقوب عليه السلام واستمرت النبوة والكتاب في ذرية يعقوب عليه السلام يعقوب عليه السلام استمر الأنبياء من نسله في أجيال طويلة واستمرت حركة هذا الدين في بني إسرائيل ولكن خلال ذلك خلال هذه المسيرة الطويلة في بني واقع إسرائيل تعاظمت الانحرافات داخل هؤلاء ووصلت إلى درجة أنهم فشلوا أن يكونوا حملة لهذا الدين على النحو الذي ينشرونه بين أوساط بقية البشر لأنهم أولا انغلقوا على أنفسهم انغلاقا تاما وتحولت الحالة بالنسبة لهم من النظر إلى الدين الإلهي كمسئولية عليهم الالتزام به وعليهم التقيد به وعليهم التخلق بأخلاقه وحمله كمشروع بين أوساط البشرية ونشره بين أوساط البشرية إلى أن ينظروا فيه حالة يمكن أن تستغل ومحاولة أيضا لاحتكار الدين هم رأوا في الدين شرفا كبيرا وفضلا عظيما ولم يروا إلا هذه الزاوية في الدين زاوية الشرف أو جانب الشرف فحرصوا على أن يحتكروا هذا الدين ولكن وليس بشكل صحيح في مدى الالتزام به والتخلق بأخلاقه ولذلك فيما بعد نقصت في أوساطهم وفي داخلهم حالة الالتزام بهذا الدين ووصلت إلى درجة رهيبة من الانحراف والتحريف وصلت في نهاية المطاف إلى أنهم باتوا يقتلون البعض من الأنبياء ويكذبون البعض الآخر من الأنبياء ويحرفون كتب الله في أوساطهم ودخل أو شابت الثقافة الدينية تحريفات رهيبة جدا فأحل الكثير من الحرام وحرم الكثير من الحلال وقدمت الكثير من المفاهيم الخاطئة المحسوبة على الدين وضعفت حالة الالتزام الديني في الواقع العملي وفي السلوك وفي التصرفات وفي السياسات وفي المواقف في نهاية المطاف أصبحت حالة الانتماء الديني حالة شكلية يحسبون أنفسهم منتسبين إلى دين الله وينتسبون إلى أنبياء الله وينتسبون إلى كتب الله فيما أصبحوا قد حرفوا الكثير من المفاهيم الدينية وأصبحوا غير ملتزمين بالكثير منها في واقع حياتهم وانتشرت حالة الفسق والانحراف والمخالفات والعصيان وتحملوا أوزارا كثيرة من قتل لأنبياء الله وقتل للآمرين بالقسط من عباد الله والمصلحين فيهم وصولا إلى تمكين الطغاة والمجرمين والالتفاف حولهم ووصولا إلى أن أصبح الكثير من علمائهم والطبقة المثقفة لديهم طبقة منحرفة تستغل الدين استغلالا ماديا ومعنويا فتحاول من خلال أن تحظى بالمكانة في أوساط الناس بينما تحرف وتعبث وتلهو وتجعل من الدين وسيلة للحصول على المكانة المعنوية والماديات.

 

 

مظاهر هذا الانحراف نراه اليوم في داخل أمتنا إلى حد كبير، إلى حد كبير، كم هناك من التحريف للمفاهيم الدينية لولا أن الله سبحان وتعالي حفظ أصل النص القرآني، الله أعلم كيف كانت حالة التحريف للنص القرآني لولا الحفظ الإلهي ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) لولا هذا لكانت الأمة قد جنت على النص القرآني في أصله هي حاولت الكثير من أبناء الأمة حاولوا الجناية على المفهوم القرآني على المعنى بالنص القرآني في أصله، الكثير من أبناء الأمة حاولوا الجناية على المفهوم القرآني على المعنى بالنص القرآني وهناك الكثير من التحريف الثقافي هناك الكثير كذلك الانحراف العملي في عدم الالتزام بالدين وأصبحت الحالة التي يتحدث عن النبي حينما قال “لَتحذون حذو بني إسرائيل” قائمة في أوساط أمتنا حذوا النعل بالنعل خطوة بخطوة، خطوة بخطوة، في أشياء كثيرة، في التحريف للمفاهيم الدينية والافتراء على الله سبحانه وتعالى وأيضا في الانحراف العملي في كثير من الأمور.

 

 

حينما أتى نبي الله عيسى عليه السلام، وهو آخر نبي من أنبياء بني إسرائيل بشر في دعوته وبشكل كبير كجزء أساسي في نشاطه التبليغي بشر بخاتم الأنبياء من بعده وقال الله سبحانه وتعالى في هذه القصة ( وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ) فكان نبي الله عيسى بن مريم عليه السلام مركّزا على عملية التبشير كجزء رئيسي في نشاطه الدعوي والتبليغي التبشير بخاتم أنبياء الله رسول الله محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله ولكن لم تكن هي أول عملية تبشير برسول الله صلوات عليه وعلى آله، في بلاغ الأنبياء في حركة الأنبياء كذلك فيما سبق حتى وصف التوراة والإنجيل وصف للرسول ولأتباعه وفي حركة كثير من الأنبياء بل أثناء بناء إبراهيم وإسماعيل للكعبة كان هناك دعاء إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام بذلك قال الله جل شأنه (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ . رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ) لاحظوا كيف كان عنوان الإسلام هو العنوان الرئيسي للأنبياء في دعوتهم وفي تعريفهم لدين الله سبحانه وتعالى (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ . رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ) يعني من ذرية إسماعيل عليه السلام نسل إبراهيم، (وأبعث فيهم رسولا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

 

 

فـ نبي الله محمد خاتم النبيين صلوات عليه وعلى آله الطاهرين هو بشارة الأنبياء منذ عقود طويلة ومنذ تأريخ طويل وهو في دعوة إبراهيم وإسماعيل وهو في بشارة موسى وفي بشارة عيسى وفي بشارة غيرهما من الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليه شأنه عظيم صلوات الله عليه وعلى آله شأنه عظيم عند الله وأن يكون هو خاتم الأنبياء والمرسلين لهذا دلالة مهمة أولا يدل على مسألة مهمة وكبيرة، ختم النبؤات برسول الله يعني قرب قيام الساعة يعني إقرار الساعة وهذا ما أكد عليه القران الكريم حينما قال الله سبحانه وتعالى (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) وكذلك التأكيد على أن النبي باعتباره خاتم الأنبياء رسول الله محمد صلوات الله عليه وعلى آله من علامات الساعة ولهذا قال فقد جاء أشراطها يعني بدأت علامات اقتراب القيامة بمجيء خاتم الأنبياء وأن يكون هو خاتم النبيين هذا هو دلالة واضحة على اقتراب الساعة الختم بالنبوة للرسول صلوات الله عليه وعلى آله يعني أن الله جعله هو وفيما أعطاه من الهداية وبالقرآن الكريم أيضاً ما يكفي ويفي للبشرية ما بقي من عهدها وهي مدة قد تكون فترة قصيرة فيه الكفاية للبشرية وجعل أيضا هداة من بعده ليسوا بأنبياء أبدا ليسوا بأنبياء ولكنهم كهداة وورثة للكتاب ما يكفي أيضا ليواكبوا بما يستفيدونه وتستفيده الأمة معهم من رسول الله ومن خلال القرآن الكريم الذي حفظ الله نصه من التحريف ما فيه الكفاية لهداية البشرية إلى قيام الساعة أَغلقت خلاص ما عاد بش أنبياء بعد رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله أي حالة إدعاء للنبوة هي افتراء وهي كذب وهي دجل ما هو قائم اليوم فيما يسمى بالبهائية والأحمدية أو فيما قد يكون لدى بعض النصارى أو يستجد لدى اليهود أو أي فئة من فئات البشر أو أي طائفة من طوائف البشر في إدعاء نبوة جديدة بعد خاتم النبيين محمد هو افتراء وضلال وباطل والنشاط الذي تقوم به البهائية أو الأحمدية أو غيرهما من الطوائف تحت عنوان نبؤات جديدة هو دجل وهو افتراء وهو باطل ووراءه نشاط أو دفع مقصود من جانب المخابرات الأمريكية والإسرائيلية الذي تسعى لاختراق الأمة الإسلامية من جانب أو بنشر الضلال والمزيد من حالات الضلال وإنتاج المزيد من الضلال في أوساط البشرية.

 

 

دعوة الإسلام دعوة الرسالة في خاتمها محمد صلوات الله عليه وعلى آله هي دعوة الحق لكل البشر إلى قيام الساعة وفي القرآن الكريم وفي حركة النبي وفي الدور الذي قام به صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله فيه الهداية الكافية والحجة التامة لله سبحانه وتعالى على عباده إلى قيام يوم الدين، معنى ذلك أن علينا كأمة إسلامية مسئولية كبيرة في واقعنا نحن أن نأخذ العظة والعبرة مما حدث في واقع بني إسرائيل فنسعى إلى الاستفادة ونعمل على تصحيح واقعنا ونصلح أنفسنا ونعمل على إيصال هذا الهدى إلى بقية البشرية فهم في أمس الحاجة إليه اليوم البشر محتاجين جداً إلى هذا الهدى تتعاظم وتتفاقم مشاكل البشرية كلما ابتعدوا عن هذا الهدى عن هذا النور كانت التجربة التي خاضها نبي الإسلام وسيأتي الحديث عن إن شاء الله يوم الغد عن رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله عن حركته بالرسالة عن نجاحه العظيم عن التغيير الهائل الذي أحدثه في فترة وجيزة ونحن بحاجة إلى الاستفادة من تلك التجربة من تلك الحركة من العودة إليها بالاهتداء برسول الله صلوات الله عليه وعلى آله بمواجهة هذا الواقع ولمواجهة والتصدي للطاغوت الذي طغى في عصرنا هذا وأضر بالبشرية كثيرا نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لنكون من المهتدين بأنبيائه بخاتم أنبيائه برسوله محمد وبالقرآن الكريم وأن نكون من المؤمنين حقاً بما أنزل الله على أنبيائه وبكل أنبيائه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله.

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

قد يعجبك ايضا