تحديات بن سلمان في علمنة المجتمع السعودي
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || الوقت التحليلي
كانت الاصلاحات في المملكة العربية السعودية الحديث الساخن والأبرز في الأشهر الأخيرة. حيث ابتدأ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بالانفتاح الاجتماعي في مجال حقوق المرأة، والأنشطة الثقافية، وإصلاح النظام التعليمي في المملكة. وتم التطرق سابقا الى مستقبل إصلاحات المملكة العربية، وعن عدم وضوح الشخصية والجهة التي يمشي بها بن سلمان في حركته الاصلاحية.
ومع مرور الوقت، وخاصة في ظل التحرك نحو تعزيز السلطة وظهور قضايا متسرعة داخل المملكة العربية السعودية وفي علاقاتها الخارجية، أصبح هذا الوضع أكثر وضوحا. ومن الواضح الآن أن الإصلاحات غير قابلة للتنفيذ إلا في المجال الاجتماعي. ويبدو أن نموذج بن سلمان هو ذات نموذج الإمارات العربية المتحدة، اي الحرية الاجتماعية الواسعة الانتشار إلى جانب القمع السياسي الأوسع.
ولكن هل من الممكن تجزئة الاصلاح وتقسيمه؟ هل يمكن إجراء إصلاحات اجتماعية وفسح المجال للحرية لتكون مطلقة أكثر في هذا المجال، والمشي بالاتجاه المعاكس فيما يخص السياقات السياسية؟
يمكن العثور على إجابة بن سلمان في تجربة بعض الدول الخليجية الريعية، وخاصة في الإمارات العربية المتحدة. وتمكنت الإمارات المتحدة من تحقيق الحريات الاجتماعية من خلال الاستبداد السياسي وتقديم نموذج – ناجح الى الآن – قدر الإمكان، لـ “دولة الرفاهية الاستبدادية”.
لدى بن سلمان نظرة خاصة على تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة. ويمكن رؤية هذه النظرة ايضا على المستوى الشخصي في علاقات بن سلمان الخاصة مع محمد بن زايد، إذ يصف البعض الأخير بأنه مُرشد محمد بن سلمان. وعلى الصعيد السياسي، يمكن رؤية تأثير هذه النظرة من خلال قمع المعارضين الداخليين بشدة وبقوة، وإسكات الأصوات الانتقادية – من التيارات الدينية إلى التيارات العلمانية – في المملكة العربية السعودية؛ القمع الذي واكب اتساع الحريات الاجتماعية.
لذلك، يتخذ بن سلمان خطوات لتنفيذ تجربة الإمارات في المملكة العربية السعودية. ولكن إلى أي مدى يمكن أن تتحمل دولة ريعية التنمية غير المتوازنة؟
وهذا السؤال لا يُطرح أساسا في اجواء الاجراءات الداخلية المتسرعة. لكن على بن سلمان ان يواجه قريبا التحديات الناجمة عنها. وترتكز “رؤیة عام 2030” الاقتصادية، علی تغيير الهيكل الاقتصادي للسعودية من خلال تقليل اعتماد البلاد علی صادرات النفط. اما القضايا الأخرى فهي ملاحظات هامشية الى درجة ما.
ولكن، الى اي حد يمكن تطوير الوتيرة الاقتصادية – وفق رؤية بن سلمان – وتوسيع الحريات الاجتماعية، دون مواجهة تحديات تتعلق بالمطالب السياسية.
ومن الواضح أنه بالنسبة لبلد صغير له سكان يمكن السيطرة عليهم مثل دولة الإمارات العربية المتحدة، يمكن السيطرة على عواقب هذا التطور غير المتكافئ وغير المتوازن، أو على الأقل قابل للسيطرة عليها. لكن المملكة العربية السعودية أكبر من تسيطرعلى المطالب السياسية – التي تنشأ من سياسات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وبطبيعة الحال، فإن التحدي الذي يواجه نموذج الإمارات للمملكة العربية السعودية لا يقتصر على التنمية غير المتوازنة. ويتمثل التحدي الرئيسي في الخبرة المختلفة للبلدين في مجال بناء الدولة .
وكانت مواضع القدرة فيما يخص السلطة السياسية في المملكة العربية السعودية منذ الحكومة الأولى إلى الحكومة الثالثة، قائمة على اساسين، المؤسسة الدينية والنظام القِبَلي السياسي. اما الاساس الثالث الذي اتسع وظهر أكثر مؤخرا هو: القوة المالية التي تعتمد على الطاقة في المملكة العربية السعودية. واستهدف بن سلمان الاساسين الأولين ويحاول في الوقت نفسه الى تغيير الاساس الثالث. فهو يحاول قطع يد المؤسسة الدينية عن الشؤون السياسية.
وقد لعبت هذه المؤسسة دائما دورا هاما في السيطرة على الحركات الاجتماعية، إلى جانب إضفاء الشرعية على النظام الحاكم. لكن للأساس الثاني اهمية خاصة وهامة على مدى عشرات السنين في نضال المؤسسة الدينية مع الحركات المُعارضة للحكومة في ستينيات القرن الماضي “1960”، واحتلال الكعبة ومجريات العقدين الماضيين في مواجهة الخطاب الحاد ضد الحكومة من قبل تنظيمي القاعدة وداعش الارهابي.
واستند هذا العمل إلى المخصصات والامتيازات الثنائية التي كان يمنحها النظام السعودي للمؤسسة الدينية على المستويين الاجتماعي والتعليمي. ومع قطع هذه الامتيازات، سينخفص احتمال تنفيذ اهداف الأساس الثاني تدريجيا. وكانت الإمارات أساسا غريبة عن هذا العمل ولم تتأثر بذلك في تاريخها القصير.
ثانيا، يستهدف بن سلمان القاعدة السياسية القِبَلية في الداخل السعودي. حيث أحدث فجوة لم يسبق لها مثيل في داخل الاسرة الحاكمة. وعلى مر القرون، أنشأت الاسرة الحاكمة شبكة داعمة في المملكة العربية السعودية. وقد لعب الآلاف من أمراء آل سعود دورا محوريا في توطيد السلطة السياسية من خلال العلاقات القبلية والسياسية والاقتصادية.
وبطبيعة الحال، فبإمكان بن سلمان حقا أن يؤسس شبكته الخاصة من خلال إعطاء امتيازات ومخصصات سياسية واقتصادية للقبائل المتنافسة. ولكن نهجه تجاه السلطة السياسية – الذي يقوم على التفرد والحداثة- لا يتماشى مع هذا التغيير. وبالإضافة إلى ذلك، فإن استهداف الأسرة الحاكمة، بالإضافة إلى الأمراء السعوديين، يقلل من ثقة الوجوه المؤثرة القبلية في المملكة العربية السعودية به.
ولهذا السبب، قد يكون استهداف القاعدة القبلية للسلطة السياسية وشبكتها الداعمة لأصحاب المصلحة تحديا صعبا. وتستند القاعدة القبلية للسلطة السياسية في دولة الإمارات العربية المتحدة إلى التوازن الذي تم التوصل إليه في سبعينات القرن الماضي بين القبائل السبع الحاكمة للإمارات السبع.
وبطبيعة الحال، قام آل نهيان وآل مكتوم بتغيير هيكل السلطة تدريجيا بين المحافظات السبع بشكل بيضوي بين دبي وأبوظبي. وقد تم تقوية هذا الهيكل منذ السبعينيات حيث لم تطرأ عليه تغييرات كبيرة الى يومنا هذا. ولذلك، فإن الإمارات لم ولن تكون نموذجا جيدا بالنسبة إلى بن سلمان في هذا الجانب.
ثالثا، يسعى بن سلمان إلى تغيير القاعدة المالية لقدرة السعودية السياسية. ان هذا التطور في دولة الإمارات العربية المتحدة كان بشكل تدريجي على مدى ثلاثة عقود، مما أدى إلى إجماع النخبة للتمركز حول دبي وأبو ظبي.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن الاستقلال النسبي لدولة الإمارات العربية المتحدة ذات المحافظات السبع، في النهوض بالتغيير الهيكلي والتحكم في عواقبها يقلل من الصلة بين نموذج الإمارات والتطورات الجديدة في المملكة العربية السعودية.
في المملكة العربية السعودية، ليس هناك إجماع النخبة، ولا الاستقلال النسبي للمناطق والمحافظات. في الواقع، كان أحد أسباب استمرار الهيكل الريعي للاقتصاد السعودي هو خوف ملوك المملكة السابقين من التحديات الشاملة للتغيير. وفي هذا السياق، يجب أن نتطلع إلى تأثير التغيير الهيكلي على الاقتصاد السعودي، وعلى وجه الخصوص على العلاقة بين الحكومة والمجتمع.
وباختصار، فقد بدأت تغييرات شاملة في المملكة العربية السعودية. وتحدث هذه التطورات على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والهيكلية. وفي الوقت نفسه، يعزز بن سلمان سلطته الفردية في البلاد على المستوى السياسي. يرى بعض المُنظرين، أن التنمية غير المتوازنة هي جذور الثورة الإسلامية أو على الأقل أحد العوامل الرئيسية لها. وشهدت التطورات الشاملة أيضا الاتحاد السوفياتي. التجربة الثالثة تجري حاليا في المملكة العربية السعودية.
وقد أدت الاصلاحات الهيكلية الاقتصادية – التي عادة ما تكون مصحوبة بسياسات التقشف – إلى اضطرابات اجتماعية في العديد من البلدان. وبطبيعة الحال، فإن استهداف القاعدتين الدينية والقبلية لا يخلق السياق السياسي والاجتماعي الملائم للنهوض بالإصلاحات الهيكلية. لهذا وضع بن سلمان السعودية على طريق خطير.
وبطبيعة الحال، فإن القوة المالية (الخزين الكبيرة في العملة، والإيرادات من بيع أسهم أرامكو وبيع النفط) توفر سيطرة كبيرة لبن سلمان. ومع ذلك، يمكن أن تكون التحديات أعمق وأوسع من قوة السيطرة المذكورة.