قرار “الاعتراف”.. تباعد اضافي بين ضفّتي الاطلسي
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || احمد شعيتو ” موقع المنار”
ركّب القرار الترامبي العدواني على القدس بالاعتراف بها عاصمة ل “اسرائيل”، والرفض الاوروبي الموحد الذي تلاه، اثقال ضغط اضافية على العلاقة الاميركية الاوروبية. اوروبا عللت رفض القرار بالقلق من نتائجه فماذا عن مضامين اسباب الرفض وما المفاعيل المحتملة له؟
لقد جاء تعبير المفوضة العليا للسياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني أن دول الاتحاد لن تنقل سفاراتها من تل أبيب إلى القدس اقتداءً بواشنطن ، ليشكل موقفا قويا واضحا اربك حسابات واشنطن وتل ابيب، وهو اتى بعد ان اكد سفراء فرنسا والمانيا وايطاليا وبريطانيا والسويد لدى الامم المتحدة ان قرار دونالد ترامب “لا يتطابق مع قرارات مجلس الامن الدولي” . هذا يدل على ان اوروبا لن تتراجع في المدى المنظور عن رؤيتها للقدس، التي تقوم على فكرة ان اي وضع للقدس مرتبط بالحل النهائي القائم على التفاوض وان “القدس الشرقية” جزء من “الاراضي الفلسطينية” في اطار دعمها ل “حل الدولتين”.
أوروبا وواشنطن افترقتا مؤخرا في الموضوع النووي الايراني؛ ترامب هدد بنسف الاتفاق النووي وسعى الى ذلك واطلق المواقف التصعيدية ضده، ولكن دول اوروبا رغم ذلك بقيت على الموقف الداعم للاتفاق، بل استمرت في عقد الاتفاقيات التجارية والمالية والاقتصادية مع طهران حتى وقت قريب. ربطاً بذلك يمكن فهم جزء من دوافع الرفض الاوروبي لقرار ترامب على انه حرص على مصالحها مع طهران ايضا لأن إغضاب طهران في وقت تتواصل فيه هذه المصالح هو امر غير حميد اوروبيا وهي تدرك ايضا ان طهران لها حضورها الاقليمي المتنامي الفعالية.
منذ صعود ترامب والعلاقات بين عدة دول اوروبية وواشنطن ليست على ما يرام، بل ان اوروبا منذ حملة ترامب الانتخابية وما جاء فيها من وعود ، اعتبرت انها مثيرة للقلق، وقد تَجسد الافتراق في عدة ملفات منذ الانسحاب الاميركي من اتفاقية باريس للمناخ الى موضوع حلف الناتو الى الاتفاق النووي مع ايران الى الانسحاب من اليونيسكو وغيرها، وبقي التقارب ولو نسبيا في ملف روسيا بجزئه الاوكراني والعقوبات ضد موسكو.
لم ينقطع التنسيق ومحاولات احتواء التباعد عبر اتصالات ولقاءات اوروبية اميركية في عدة ملفات لكن اوروبا ترى في ترامب وادارته الجديدة صورة الاحتمالات اللامتوقعة في اكثر من ملف لذا يمكن تفسير التوحد الاوروبي في اكثر من حدث وتطور على انه ادراك لضرورة المواجهة الجماعية الموحدة لأي تطورات. ويمكن توقع ان يصيب القرار الترامبي العلاقات الاوروبية الاميركية بمزيد من التوتر والتباعد لا سيما ان اوروبا ترى في القرار تداعيات خطرة من عدة نواح:
– القرار الترامبي يثير القلق الاوروبي الاضافي على حلف الناتو خاصة بعد ان عبرت تركيا عن موقف متقدم في رفض قرار الاعتراف وهذا سينعكس على اجواء الناتو الذي تعتبر تركيا عضوا اساسيا فيه.
– تخشى اوروبا من مفاعيل امنية او عسكرية متصاعدة لمثل هذا القرار الاميركي، اخذة بالاعتبار افتراض تصاعد الردود العربية والاسلامية عليه وما يحمله ذلك من نتائج على صعيد اي عملية تسوية تحرص عليها اوروبا بعد انهاء واشنطن لاي تفاوض محتمل على القدس، لذا تخشى اوروبا من انفجار في فلسطين او “الشرق الاوسط” تطالها شظاياه ويكون له مفاعيل عالمية.
– لا شك ان اوروبا التي تعاني من اقتصاداتها وامنها وانشغالاتها الداخلية تعتبر انها بغنى عن تصعيد اقليمي ودولي جديد ينعكس سلبيات اضافية على دولها، في وقت شكل تصاعد اليمين الاوروبي المتطرف في العديد من الدول الاوروبية الكبرى اساسا في تغيير سياسات ومواقف خارجية لكي تاخذ تغير نمط التوجهات الشعبية لديها بالاعتبار.
ترامب ونتنياهو انتظرا ان تسارع الدول الاوروبية لتحذو حذو واشنطن تجاه القدس لكنهما لم ياخذا بالاعتبار هذه الهواجس وهذه الفروقات في النظرة، ولعل مسارعة نتنياهو الى زيارة اوروبا والاتحاد الاوروبي وهي الزيارة الاولى لرئيس وزراء صهيوني الى الاتحاد منذ 22 عاما، يدل على مدى الارتباك والحنق الاسرائيلي من هذا الموقف والذي استبقه نتنياهو بمهاجمة “النفاق” الاوروبي.
ويتوقع ان تضغط اسرائيل على عدة دول اوروبية لتعديل مواقفها وتشغيل عمل اللوبيات في اوروبا والتي كانت مثيلاتها في واشنطن سببا اساسيا وراء قرار ترامب كما كانت تاريخيا الضاغط باتجاه المواقف الاميركية الداعمة للكيان الصهيوني على مدى تعاقب الادارات الاميركية.
لكن هل سيتفكك توحد اوروبا القائم بوجه قرار ترامب ، استنادا الى ما ورد اعلاه من اسباب رفض وخلفيات فمن الصعب توقع تفكك قريب في الموقف الاوروبي تجاه هذا التطور الكبير المستجد، بل ان من المتوقع ان تحاول اوروبا اتخاذ دور التهدئة بين الجانبين عبر تجسيد توازن ما، يمكن ان يدفع بدور لها في المستقبل وصولا الى دور “وسيط” محتمل يحل محل واشنطن رغم ان قرار ترامب قضى على مدى طويل على ما يسمى عملية التسوية بل قد يكون قضى عليها قضاء مبرما، وفيما يحتمل ان تسعى موسكو الى لملمة اثار قرار ترامب، فإن اوروبا لها سوابق في السعي تجاه التسوية ومن المعروف انه قد طرحت المبادرة الفرنسية للسلام والتي رغم انها كانت غير ضاغطة بملفي الاستيطان والقدس لكن نتنياهو رفضها.
اذا كان الموقف الاوروبي الذي سيحمل نتائج لا يمكن تجاهلها لا دوليا ولا على صعيد المنطقة، سيلقي بثقله على العلاقات مع واشنطن وتل ابيب ولن يتراجع بسهولة وسيبقى موحدا، فالسؤال الجدير ذكره هنا هل سيكون الموقف العربي موحدا بملف القدس ام سيتفكك ويضعف نتيجة ضغوط تمارس وخضوع للضغوط عهدناه سابقا، في وقت تجد فلسطين نفسها امام اخطر تحد واحوج الى الدعم والوحدة العربية، فتكون المفارقة موقفا اوروبيا اكثر تماسكا من الموقف العربي؟