المفاوضات العقيمة والانتفاضة المخلصة..
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية ||
فاطمة زعيتر/ العهد الاخباري
نحو ايجاد حلَ للقضية الفلسطينية، كان خيار الكفاح المسلح مفتوحاً امام الفلسطينيين، رغم صعوبته، وهو السبيل البديهي لشعب انتهكت أرضه ومقدساته. لكن السلطة الفلسطينية اختارت طريقاً اخراً، حيث تخلى المفاوض الفلسطيني عن حقه في حمل رشاشه وتوجه الى ساحة الأمم، ظنناً منه أنه سيرجع ولو جزءاً من حقه، ولم يتنبه إلى أن الإسرائيلي يستبيح قواعد القانون الدولي وإرادة المجتمع الدولي وقرارات الأمم المتحدة – إلا إذا كانت تتنساب مع مصالحه – وأنَه ينتهك الأخلاق العامة ويتجاوزها متذرعاً بمفهوم الأمن.
انطلقت في العام 1991 مفاوضات إسرائيلية عربية عبر مسارين ثنائي ومتعدد، لكنها سرعان ما انحرفت عن أهدافها وبالتالي تداعياتها ونتائجها بفعل نجاح “إسرائيل” بقطف النتائج السياسية لحرب الخليج الثانية وتحويل هزيمة النظام العراقي آنذاك هزيمة لكل العرب، فانفردت بالفلسطينيين وأنشأت لهم سلطة وطنية منتظرة السلام الموعود والتي رضخت للقاءات أوسلو السرية، فيما توصلت مع الأردن لاتفاق وادي عربة، وبعد أن حذفت القاهرة على قائمة الدول المهددة وتحولت إلى قائمة الأصدقاء.
هي مفاوضات عقيمة مذ ولدت من رحم الوسيط الأميركي، حيث كان أول من بشر بمصطلح السلام وزير الخارجية هنري كسنجر. ونتيجة لجهود الأخير، تبنى العرب بشكل عام والفلسطينيون بشكل خاص، خيار التسوية والمفاوضات كخيار استراتيجي شكل تحولا جذرياً ومنعطفاً كبيراً في الصراع العربي مع “اسرائيل”. فالموقف العربي كان قبل العام 1967، موحداً وصلباً يتلخص في الإصرار على استعادة الأرض الفلسطينية كاملةً وإخلائها من الصهاينة الذين احتلوها خلال الانتداب البريطاني. وكانت الثورة الفلسطينية تتبنى هذا الموقف الذي كان يحظى بتأييد العرب ودعمهم. ولكن العديد من الاتصالات والمفاوضات السرية ومن ثم العلنية بين العرب والكيان الصهيوني في فلسطين أجرى تبدلاً في الموقف العربي، ووقع الانفصام والتباعد بين الموقف الرسمي والموقف الشعبي. وتحول التباعد إلى انشقاق وشقاق بين الموقفين بعد حرب العام 1973، عندما تزعمت حكومة انور السادات جبهة تدعو إلى توقيع معاهدات صلح مع العدو الصهيوني.
ثم جاء اعتراف الجهة الفلسطينية المفاوضة بالكيان الاسرائيلي ،فكان الاعتراف بـ”إسرائيل” بمثابة ابرام وثيقة لها بحقها في الوجود، وكان التخلي عن السلاح والمقاومة واعتبارها ارهاباً جائزة قدمها العرب والفلسطينيون المفاوضون لـ”إسرائيل” بالمجان على طبق من ذهب حرمت الفلسطيني من حقه الشرعي في الدفاع عن النفس والارض والمقدسات.
وعليه، تبنت منظمة التحرير الفلسطينية خيار التسوية في العام 1988 وذهبت نحو المفاوضات مع “إسرائيل” بهدف انهاء الاحتلال وتحقيق الدولة الفلسطينية ذات السيادة. فاستبدلت الكفاح المسلح بالمفاوضات السياسية العقيمة، حيث راحت “إسرائيل” تفرض شروطها وسياساتها مستعينة بحليفها الاكبر الولايات المتحدة الأميركية ومستفردة بالجانب الفلسطيني. فبعد أن تحول الصراع من عربي-إسرائيلي إلى مجرد صراع فلسطيني – إسرائيلي، راحت الأخيرة تستعمل سياسات الأمر الواقع وتفرض بالسياسة ما عجزت عنه بالقوة.
رحلة المفاوضات بدأت من مدريد الذي اراده الفلسطينيون مؤتمراً دوليا وحوله الإسرائيليون إلى مجرد لقاء احتفالي. وما لم يستطع الجانب الفلسطيني ان يأخذه من حقوق في العلن وبحضور الأمم المتحدة التي اقتصر دورها على المراقب فحسب ، فرط به في الخفاء وذهب إلى قناة اوسلو السرية التي أورثت القضية نتائج كارثية.
تغير النظام الدولي العالمي ودخول الدبلوماسية متعددة الأطراف على مسار المفاوضات لم يسمن ولم يغن من جوع تجاه القضية الفلسطينية، فمن دخول اللجنة الرباعية الدولية إلى خط المفاوضات ونشوء ما يسمى خارطة الطريق لم يغير في المعادلة، وظلت لغة الميدان صاحبة الفصل والفيصل.
توالى الرؤساء الأميركيون على الإدارة الأميركية وأرادوا ان يحققوا مكاسب سياسية عبر الحصول على دعم إسرائيلي، فكانت وعوداً انتخابية يتلوها المرشح في برنامجه الانتخابي وتقتصر بعد فوزه على بضع مواقف خجولة كمؤتمر أنابوليس للسلام الذي دعا إليه الرئيس جورج بوش في 2007 واقتصر على مكان لالتقاط الصور التذكارية مع رئيس السلطة الفلسطينية “محمود عباس” ورئيس الحكومة الصهيونية “إيهود أولمرت”. أما الرئيس أوباما الذي طرق مسامعنا بكثرة كلامه عن إحياء المفاوضات وأعلن خلق عالم جديد من الشراكة الدولية وحل الصراع العربي ـ الاسرائيلي وقيام الدولة الفلسطينية، والذي نال عليه جائزة نوبل للسلام كانت سنوات إدارته عجافاً في إدارة هذا الملف، فلم يستطع ان يقدم ما فشل غيره ممن سبقه على تقديمه.
أما النتيجة الوحيدة التي أثمرت عن المطالبات الفلسطينية للأمم المتحدة الحثيثة هي قبول فلسطين كمراقب غير عضو في الأمم المتحدة عام 2012، وبالطبع فإن هذه النتيجة غير مجدية ولا توفر عنصر التوازن في المفاوضات ولا تعيد الأراضي الفلسطينية المسلوبة.
وحدها لغة القوة والمقاومة هي التي ستعيد فلسطين بعد فشل أطول مفاوضات في تاريخ الشعوب. المقاومة والانتفاضات الشعبية منذ الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، كانت المتغير الوحيد إزاء سلسلة المجازر والجرائم الوحشية التي كان العدوان الغاشم يرتكبها ولا يزال. واليوم، إزاء ما أراده الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب من تغييره في مسرى القضية لن يثنيه سوى لغة القوة مسنودة بالتضامن والتكاتف الشعبي والدولي الداعم للانتفاضة، انتفاضة الدفاع عن العاصمة. ووحدها معادلة “للقدس رايحين شهداء بالملايين” ستبقي القدس عاصمة أبدية لفلسطين ولكل الشرفاء في العالم.