القدس و’حاج فلسطين’ والروح التي ما زالت تُجاهد..
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية ||
محمد علي جعفر/ العهد الاخباري
في ذروة البحث في استراتيجيات الصراع الدائر، ومساراته المُمكنة والمُحتملة، والسيناريوهات العديدة المُتوقعة، يقف المرء عند حقائق تتكشَّف يوماً بعد يوم، لكن قلَّما يلتفت لها الكثيرون، غرقاً في الإنجازات أو انهماكاً في التحضير لما سيأتي. وعلى بُعد سنواتٍ من العمل الدؤوب تتكشَّف يوماً بعد يوم تلك الحقائق. تجعلها الأيام ظاهرة أكثر، فتصبح جليَّة الوضوح، قابلة للفَهم وهو ما يُسهِّل الحديث عنها، بعد أن كانت من ضمن انجازاتٍ لم تُعلَن ولم يتطرَّق لها أحد. باتت اليوم حقائق تُعبِّر عن امتدادٍ لألمعيةٍ قلَّ نظيرها ولعقلٍ أبدع في التخطيط ولروحٍ ما تزال تجاهد، حيث تعيش في قلوب الملايين.
هو عماد مغنية، حاج فلسطين، والقدس التي كانت تُكحِّل عينيه. من منظارها كان يرى مسارات الصراع. تعود بصماته اليوم، لكن بشكلٍ مختلف. بصماته التي كانت دوماً بآثارها أكبر من جغرافيا محددة. من اليمن الى العراق فسوريا ولبنان وفلسطين… وكبيرة هي الخارطة.
وفي ذروة الإنجازات والانتصارات والتحولات المفصلية، لم تعد خفية تلك البصمات. هي التي فضحت سنوات الصمت حول أسرار القوة التي ظهرت معالمها في كل مكان، والنتائج التي حصلت من لبنان والعراق الى سوريا فاليمن، مُوجِعَةً العقل الإسرائيلي والأمريكي. واليوم تعود القدس الى واجهة الصراع. فأين هي بصمات حاج فلسطين؟
من أحمد ياسين الى فتحي الشقاقي والتاريخ المُشرِّف للشعب الفلسطيني، كانت رحلة صناعة التحوُّل المفصلي، لكن الإستراتيجي للميدان الفلسطيني. بناء مقاومةٍ فلسطينية قادرة على إدارة الميدان وصناعة المعادلات وتحقيق هدف “إزلة اسرائيل من الوجود”. كثيرةٌ هي الإنجازات التي تحقَّقت منذ ذلك الحين. فيما اليوم تعيش فلسطين في قلب تحقيق الهدف. حيث باتت الحلقة الفلسطينية والتي تُعتبر قضية الصراع، جزءاً من السلسلة التي زرع أساساتها عماد مغنية. هو نفسه المشهد الفلسطيني اليوم، كان أمامه منذ عام 1982. فلسطين التي آمن بها وبقدرتها على الانقلاب على تاريخٍ من الخضوع العربي. ومنذ ذلك الحين اختلط سعيه الدؤوب لتحقيق الهدف، بالأولويات، لكن أولوية القدس لم تغب عن حاج فلسطين. لم يغرق في الآني متناسياً المُستقبلي، بل كانت فلسطين ميدانه الأساسي. وها هي اليوم، تعود القدس لتجمع مفاصل الصراع، وتُعيد خلط الأوراق من جديد لصالح محور المقاومة. وبين هذه الأوراق، أوراق تركها عماد مغنية، ستكون أساساً للتحول الذي ستشهده المنطقة ومن البوابة الفلسطينية لا سيما ما تعنيه معادلات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في كلٍ من غزة والضفة الغربية.
اليوم، يعود عماد مغنية ليهزمهم من جديد، وتعود بصماته لتظهر في زوايا الصراع. من قيادة التحوُّل النوعي في منظومة حزب الله العسكرية والأمنية على الصعيد البنيوي، مروراً بزرعه البذرة التأسيسية التي أدخلت الابتكار الى عالم التكتيكات العسكرية، وصولاً لرسمه للواقع الإستراتيجي القادر على احتضان وتأمين استمرارية معادلات الصراع لصالح محور المقاومة، كلها عناوين كبيرة لإنجازاتٍ كبيرة تحتضن في طياتها آلاف التفاصيل التي اختزلها عماد مغنية واختزل معها التاريخ في مسيرته. إنجازاتٌ تمخَّضت عنها تلك المدرسة العسكرية التي يحاول أن يقرأ بصماتها أصحاب العقول والأدمغة الإستراتيجية. يقدِّرونها لما تحتويه من خفايا أدركوها متأخرين. ظنَّ بعضهم أنها رحلت مع رحيل الرجل، ليتفاجؤوا أنها ما تزال في قلب الصراع. وما يزال معها عماد مغنية الذي لم يكن يوماً إلا شبحاً وكابوساً.
هو عماد مغنية، الذي لم يرحل. هو كما كان، لم يغب بل كعادته يعمل مُتخفياً، وهي روحه التي كان يؤمن أنها المجاهدة، ما زالت تُجاهد. هو عنوان تلك الحرب التي أدخلت العدو لسنواتٍ في مسلسلٍ طويلٍ من الهزائم. واليوم يبدو أنه عنوان المرحلة التي تكفي فيها الحرب النفسية!