الاستراتيجية الإعلامية الصهيونية لمواجهة الغضب العربي

موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية ||وكالة القدس للأنباء

بدأ الإعلام الصهيوني، وكما هي عادته في كل استحقاق مصيري، في بث السموم في الأخبار التي تتناول تطورات الموقف إزاء إعلان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بخصوص القدس. ونظراً إلى أهمية المعركة حول القدس، حدد الإعلام الصهيوني عدّة استراتيجيات يتبعها، أبرزها – حتى الآن على الأقل – ثلاثة: التصوير بأن الغضب في الشارع العربي والإسلامي، بل وفي الشارع الفلسطيني، ليس بالمستوى المطلوب، ومحاولة إحداث شرخ بين موقف السلطة الفلسطينية، على علاته، والأنظمة العربية الرئيسية، ومحاولة دق إسفين بين السلطة والأردن من خلال تصوير مواقف السلطة أنها تصب في نهاية المطاف عكس المصلحة الأردنية واستقرار الحكم في المملكة.

وتتولى صحيفة “يسرائيل هيوم” الناطقة باسم رئيس وزراء العدو الصهيوني قيادة هذه الاستراتيجية وإبرازها، في محاولة لخلط أوراق المواقف العربية والتشكيك في صديقة المواقف العربية وصفاء نيات بعضهم ببعض.

ففي عددها الصادر اليوم، زعمت الصحيفة أنه “في الآونة الأخيرة، استجاب بضعة آلاف من الفلسطينيين فقط لدعوات إعلان “يوم الغضب” ومواجهة قوات الأمن الإسرائيلية رداً على تصريحات ترامب. وشعرت السلطة الفلسطينية بخيبة الأمل، بل وأكثر من ذلك، في حقيقة ما كشفه تقييم الأوضاع الذي جرى، أمس الأول، في مقر النضال المشترك في رام الله، الذي يضم فتح والفصائل الفلسطينية في الضفة الغربية. فقد ثبت رسمياً أن عدد المتظاهرين في الضفة الغربية وغزة ينخفض بشكل كبير من أسبوع لآخر”.

وتابعت الصحيفة أكاذيبها بالادعاء أن “توقعات الفلسطينيين لموجة عنف تشعل القدس وتجر الشرق الأوسط برمته إلى حالة عدم استقرار إقليمي لم تتحقق، واللامبالاة النسبية في الشارع أدت في الواقع إلى نتيجة عكسية: رد فاتر من الدول العربية، لا سيما الكتلة السنية المعتدلة، والتي انعكست في غياب خطوات عملية، رغم الموقف العربي الموحد، ظاهراً، والتصريحات والشجب الحاد لإعلان الرئيس ترامب”.

في الواقع، تكذب أرقام الشهداء والمصابين والمعتقلين ادعاءات الصحيفة. فخلال الأسابيع الثلاثة الماضية، ارتفع عدد الشهداء إلى ما يزيد على 15 شهيداً، وعدد المصابين تجاوز 3000 مصاب، وهناك ما يربو على 535 معتقل، من بينهم 163 طفلاً، و12 امرأة.

هذا على المتسوى الفلسطيني، أما على المستوى العربي والإسلامي والعالمي، فإنّ المظاهرات الحاشدة لم تتوقف في كثير من دول العالم، ولا سيما في العاصمة الأردنية عمان، حيث تستمر المظاهرات أمام مبنى سفارة الولايات المتحدة استنكاراً للقرار، وحيث تشهد مصر مظاهرات تأخذ منحى متصاعداً، وحيث أن البلدان العربية والإسلامية تشهد مظاهرات تجاوزت في التفاعل معها، غضباً من قرار ترامب، المظاهرات التي شهدتها تلك البلدان إبان العدوان الصهيوني على غزة عام 2014.

كما تتهرب الصحيفة من ذكر واقع أن موقف السلطة الفلسطينية، التي لا تزال متمسكة بالتنسيق الأمني وتمارس الضغوط على عناصر حركة فتح ومؤسسات المجتمع الأهلي في فلسطين، هو الذي لا يزال يحول، لغاية الآن، دون الانفجار الكبير في الضفة والقدس على الأقل.

وفي النقطة الثانية، تزعم “يسرائيل هيوم” أن “الأردن ومصر والسعودية لا توافق على طبيعة النضال الفلسطيني، بعد إعلان الرئيس الأميركي ترامب، عن القدس عاصمة لإسرائيل وتصريحاته حول نقل السفارة الأميركية إليها”.

وتتابع قائلة: “في نهاية الأسبوع، أعلن الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، عن تشكيل لجنة برئاسته، وعضوية وزراء خارجية مصر والأردن والسعودية إلى جانب السلطة الفلسطينية، وتكون مهمتها توجيه سياسة النضال في موضوع القدس. ووفقاً لأقوال مسؤولين في رام الله والقاهرة وعمان، فقد جاء قرار إنشاء اللجنة، في الأساس، نتيجة فشل الفلسطينيين في النضال ضد الأمريكيين وبسبب خوف الأردنيين على وضعهم في القدس كحراس للمقدسات الاسلامية”.

وتزعم نقلاً عن مسؤول أردني وصفته برفيع المستوى، لكنها لم تذكر اسمه طبعاً، قوله إن “المقصود خطوة فرضتها السعودية ومصر والأردن على السلطة الفلسطينية بدعم من الجامعة العربية. هذه اللجنة العليا، برئاسة الأمين العام لجامعة الدول العربية، تصادر عملياً من الفلسطينيين سياسة النضال العربي ضد إعلان ترامب في موضوع القدس. لقد فشل الفلسطينيون تماماً في النضال على الرأي العام، وفي الواقع فقد ورطنا أبو مازن مع ترامب. وبقينا في النهاية، مرة أخرى، مع تصريحات شعوبية ديماغوجية من قبل الرئيس التركي أردوغان”.

بعبارة أخرى، يحاول الإعلام الصهيوني قول الشيء ونقيضه: فمن جهة هو يدعي أن الدول التي سماها أكثر تمسكاً من السلطة الفلسطينية بالقدس، ولكن هذه الدول في المقابل ترى أن السلطة ورطتها ضد ترامب، كما تزعم الصحيفة.

والهدف من دس مثل هذه الأخبار التي لا تستند إلى دليل، وعلى لسان شخصيات بلا أسماء، هو محاولة إحداث شرخ بين المواقف العربية حتى في حدها الأدنى الذي لا يصل إلى أبسط المطلوب منها. فالعدو الصهيوني لا يطيق أن يرى العرب متحدين حول قرار ما، حتى لو كان أطراف هذا الإجماع ممن يقيمون معه اتفاقيات، كمصر والأردن، أو تلك التي يقول إنه يقيم علاقات سرية معها أو يطمح إلى ذلك، مثل السعودية.

أما على جبهة الأردن والسلطة الفلسطينية، فتنقل الصحيفة عن مسؤول أردني رفيع المستوى قوله إنه “نظراً للفشل المدوي للفلسطينيين في إنشاء جبهة عربية موحدة ضد إعلان ترامب، وتحقيق وحدة فلسطينية داخلية، من شأنها أن تؤدي إلى معارضة قرار الرئيس الأمريكي والمحافظة على القدس، ساد في عمان التخوف الكبير على مكانة الأردنيين كمسؤولين عن حماية الأماكن المقدسة في المدينة. لقد حاول الفلسطينيون الحث على المشاركة الدولية في النضال من أجل وضع القدس والحفاظ على الأماكن المقدسة، من خلال تصريحات لا هوادة فيها، أطلقها أبو مازن والقيادة ومفادها أن واشنطن لن تكون قادرة على المشاركة في العمليات السياسية المتعلقة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ويخشى الأردن أن يرتد ذلك كله إلى نحره”.

وتزعم أن مصادر فلسطينية وأردنية رفيعة المستوى أكدت لها أنه “بعد تصويت يوم الخميس ضد “إعلان القدس” الصادر عن ترامب، في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ووعد الأميركيين بأن واشنطن ستحاسب الدول التي صوتت ضدها، ساد قلق في الأردن من أن إسرائيل والأميركيين سيستغلون دعوة أبو مازن للمجتمع الدولي إلى التدخل في قضية القدس، بالذات للقيام بخطوة تمس بمكانة الأردن في المدينة. وقام قادة عرب بنقل رسائل إلى محمود عباس، تشمل مطالبته بأن “يخفض المستوى” في كل ما يتعلق بممارسة الضغط من أجل المشاركة الدولية في النضال من أجل القدس”.

ولخص المسؤول الأردني – السابق إياه الذي تحدث إلى “يسرائيل هيوم” الأجواء في الدول العربية المعتدلة بشأن السلوك الفلسطيني، قائلاً: “إننا قلقون جداً من أن النشاط الفلسطيني في القدس ومحاولات دفع الولايات المتحدة إلى الخروج من أي عملية سياسية في القضية الفلسطينية، والمطالبة بالتدخل الدولي، هو مسألة قد تضر بالدرجة الأولى بالأردن بصفته مسؤولاً عن الأماكن الإسلامية المقدسة في المدينة، وسيؤدي إلى نتيجة عكسية – قد تتبع دول كثيرة واشنطن بعد أن تدرك أن الغضب الفلسطيني يحضر بضعة آلاف فقط للتظاهر، وأنه يجري الحفاظ على الاستقرار في المنطقة”.

كذبُ الإعلام العبري في هذه النقطة أوضح من سابقتيها، ذلك أن محاولة تصوير حراك السلطة وكأنه هو الذي يفقد الأردن مكانته كوصي على الأماكن المقدسة، يتجاهل حقيقة أن قرار ترامب لم يبق للأردن أو لغيره أي وصاية بعد أن أعلن أن القدس عاصمة للكيان الصهيوني، وبعد أن زعم أن لها الحق في ممارسة سيادتها على المدينة كعاصمة لها.

لا شك في أن مواقف الدول العربية التي أشارت إليها الصحيفة، ومعها مواقف السلطة الفلسطينية، لم يصل إلى الحد الأدنى المطلوب لإسقاط قرار ترامب، في ظل وجود شكوك حقيقية في ما إذا كانت هذه الدول ستتخذ فعلاً إجراءات تسقط القرار أو أنها ستقوم بما هو عكس ذلك، وتسعى إلى تثبيط الشارع العربي، ومحاولة امتصاص الغضب الجماهيري وعزله.

على أن ذلك لا ينبغي أن يجعل الشارع العربي يسقط في أفخاخ الإعلام الصهيوني الذي يسعى جاهداً للاستفادة من أمرين في بث سمومه، أحدهما الأداء السيء لأنظمة ما يسمى بالاعتدال العربي ما يسمح بزرع بذور الشك في كل ما يصدر عنها، وثانيهما، أن كثيراً من الشارع العربي وللأسف ينظر بمصداقية كبيرة لما ينشر في الإعلام الصهيوني، ولا سيما في ظل وجود منصاب عربية تتولى الترجمة والنشر والتوزيع.

وأياً يكن من أمر، فإن هذه الاستراتيجية التي وضعها الإعلام العبري ينبغي إسقاطها عبر التركيز على عاملين، الأول، زيادة الجهود لمضاعفة الحشود الغاضبة في الشارع العربي والإسلامي، وتنويع مظاهر الاحتجاج وصولاً إلى ابتداع وسائل جديدة، والثاني، مضاعفة الجهود لإبقاء جذوة الانتفاضة التي انطلقت وتوسيعها.

وفي غضون ذلك، لا بدّ من التنبّه إلى المخططات والاستراتيجيات التي يلجأ إليها العدو لتفتيت الجبهة المضادة له، والتي لا يجب السماح له بتحقيق أهدافه فيها، أياً يكن حجم الخلافات الداخلية أو التباين في المواقف والرؤى، إلى أن يبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، بما لا شبهة فيه.

 

قد يعجبك ايضا