الجدار المضاد للأنفاق: المقاومة أمام «حرب الأدمغة» مجدداً

موقع أنصار الله  || صحافة عربية ودولية ||هاني إبراهيم/ الأخبار اللبنانية
يمثّل الجدار على عمق 40 متراً تحت الأرض تحدياً جديداً للمقاومة في الحرب المستمرة مع العدو، حرب الأمن والأدمغة. وبينما لا شك في أن مواصلة إسرائيل، التي تحوّلت إلى «دولة» بين جدران، بناء المزيد منها حول نفسها، تعميقٌ لهزيمة عقيدة الهجوم والهجمات الاستباقية، مقابل تعزيز الردع والحالة الدفاعية، فإن المقاومة لم تبدِ قلقاً حيال الجدار الجديد، المختلف كلياً عن كل ما بناه الاحتلال سابقاً، إذ تؤكد إيجادها حلولاً تقنية، وذلك بجانب إقرارها بأن ما اكتشف من أنفاق في الشهور الماضية كان نتيجة «خرق أمني تجري معالجته»، ومن جانب آخر نفيها نجاح أي تقنيات لكشف الأنفاق

منذ الحرب الإسرائيلية الثالثة على قطاع غزة عام 2014، وبعد تنفيذ المقاومة الفلسطينية ست عمليات نوعية باستخدام الأنفاق أُطلق عليها «عمليات الإنزال خلف خطوط العدو» ومثّلت مفاجأة للعدو وسبّبت قتل عدد من جنوده، شرع الاحتلال في العمل على «حلول دفاعية»، مستعيناً في ذلك بشركات دولية للمساعدة في ابتكار تقنيات لكشف الأنفاق تحت الأرض، وهو ما لم تثبت نجاعته منذ ثلاث سنوات.

بعد إخفاق هذه التجارب، لجأ الجيش الإسرائيلي إلى حل مفترض، وهو أكثر كلفة، ويتمثل في بناء جدار تحت الأرض بأعماق كبيرة (أكثر من الأعماق المتوقعة لأنفاق المقاومة التي تكون عادة 25 ــ 35 متراً) على طول الحدود مع القطاع، وذلك بهدف تخريب الأنفاق الموجودة في حال مرور الجدار عبرها، وأيضاً منع بناء أخرى في السنوات المقبلة، وأُطلق على المشروع اسم «زوهر هدروم»، أي «توهج الجنوب».
ومنذ عام تقريباً (2016) يعمل العدو على إنجاز المرحلة الأولى، التي ظهرت آثار العمل بها في الحدود عياناً للمزارعين وسكان المناطق الملاصقة لها. وأجرى مراسل «الأخبار» جولة على بعض تلك المواقع برفقة مجموعات من عدة فصائل، والتقى عناصر من وحدات «الرصد» وآخرين من الوحدات الهندسية. وكان ملاحظاً أنه على طول حدود القطاع، البالغة 65 كلم (شمال وشرق وجنوب)، تنتشر عشرات الآليات الإسرائيلية داخل فلسطين المحتلة، وهي تجري عمليات الحفر على مدار ساعات اليوم كله تقريباً.
ففي إحدى مناطق شمال القطاع، تظهر ثلاثة آليات تشبه حفّارات آبار المياه، وتعمل أذرع الآليات الضخمة للوصول إلى أعماق كبيرة في عمق الأرض. ومن حول تلك المعدات، تحيطها تلال رملية بنتها جرافات إسرائيلية منذ بداية العمل بهدف حماية العمال والمهندسين من الصواريخ الموجهة والقناصة، وتوجد بقرب الآليات أدوات عسكرية دفاعية وهجومية.
يقول «أبو محمد»، وهو أحد عناصر الرصد، إنهم لاحظوا منذ نهاية الحرب الأخيرة إجراء سلسلة من التجارب على الحدود استخدمت فيها مجسات وأجهزة خاصة للكشف داخل الأرض، ذاكراً أنهم في المنطقة الشمالية رصدوا «أكثر من 10 تجارب بهذه الأجهزة الحديثة». وأضاف: «نؤكد أن جميع التجارب أخفقت، ولم يستطع الجيش الإسرائيلي الوصول إلى أي نفق تابع للمقاومة… لكن في 2016 بدأت عمليات الحفر لبناء الجدار الأرضي».

أما «أبو يوسف»، وهو أحد أعضاء الوحدات الهندسية في إحدى الفصائل، فقال إن قوات العدو بعدما تكون قد أجرت العمليات الاستكشافية وفحصت تربة المنطقة وجغرافيتها داخل غزة، بدأت الحفر وإدخال شباك من الحديد في العمق المحفور، ثم تسكب الإسمنت فوقها، مضيفاً: «وفق تقديراتنا هم وصلوا إلى عمق 40 متراً داخل الأرض». ويذكر هذا المقاوم أنه بعد العمليات الأولية، وإقرار الحكومة الإسرائيلية إكمال الجدار، استقدمت قوات الاحتلال عدداً أكبر وأضخم من الآليات، ثم في شباط الماضي أقامت مصنعاً للإسمنت قرب مستوطنة «سيديروت»، شمال القطاع، لتسهيل عمليات البناء ولتقليل تكلفة النقل.
بالعودة إلى وحدة «الرصد»، يقول «أبو محمد» إن وحداتهم على طول القطاع رصدت عشرات المواقع، وأماكن الحفر حالياً هي تقريباً في 21 موقعاً مختلفاً. ويشرح أنه في كل موقع تعمل ما بين آليتين إلى أربع، بالإضافة إلى عشرات العمال، مع وجود لحراسة دائمة من الجيش وجدران مصفحة أمام بعض المواقع، فضلاً عن التلال الرملية. ويضيف: «في منتصف العام الماضي، 2017، كثّف الجيش الإسرائيلي عمله في مواقع بناء الجدار، وصار يعمل على مدار الساعة في المواقع التي يتوقع أن تمرّ منها أنفاق المقاومة، وخاصة في المناطق المقابلة للمواقع العسكرية الإسرائيلية والمستوطنات المنتشرة فيما يسميه غلاف غزة». أما عن أقصى عمق قدرت وحدات «الرصد» و«الهندسة» أن العدو وصل إليه في الأرض، فهو لا يتجاوز 70 متراً.
وكانت المقاومة، بعد تفجير العدو أحد أنفاقها (يتبع لحركة «الجهاد الإسلامي») في نهاية تشرين الأول الماضي جنوب قطاع غزة، قد استهدفت بعد ذلك بأسابيع أحد مواقع عمل الحفر في الجدار، لكن الصاروخ المضاد للدروع اصطدم آنذاك بالكثبان الرملية، فيما أصابت قذائف الهاون عدداً من الجنود والعمال. وفي العاشر من الشهر الماضي، أعلن العدو أنه استطاع تفجير نفق آخر (لحركة «حماس») جنوب القطاع أيضاً. لكن في الحالتين، لم يثبت لدى المقاومة، وفق مصادر، أن اكتشاف النفق كان بسبب تقنيات ادعى الاحتلال امتلاكها، بل «بناء على معلومات أمنية يجري التحقيق بشأنها، وقد أسفرت عن نتائج ستعلنها المقاومة في موعدها المناسب».

 

قد يعجبك ايضا