المؤمن هو من يطمع في القرب من الله وفيما وعد به أولياءه

 

موقع أنصار الله || من هدي القرآن ||

المؤمن بطبيعته بمعرفته لله، بمعرفته للمقام الرفيع الذي وعد الله به أولياءه هو من يطمع في هذا، من يطمع في رضوان الله، من يطمع في القرب من الله، من يطمع فيما وعد الله به أولياءه. حالة الطمع هي قليلة ونادرة فينا؛ ولهذا نحتاج إلى كلام كثير مع بعضنا بعض لننطلق، وعندما ننطلق ننطلق ببطئ، وبتثاقل، لا يبدو أن هناك حالة من الطمع في نفوسنا في الحصول على ما يرضي الله سبحانه وتعالى، ليس لدينا بتعبير واضح طمع فيما عند الله كطمعنا في هذه الدنيا ومظاهرها، والأشياء المادية الكثيرة فيها.

 

هذا جزاء عظيم، وقبله أيضا عقاب شديد وأليم. ألم يتحدث عن أولئك {وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}؟ وهنا يقول: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ} وهو يتحدث عن أوليائه هؤلاء {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} لأن الحال هكذا عند الله سبحانه وتعالى وفي حكمه، وحكمته وعدله،

 

{أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ} (السجدة:18) كلها استُحِقت بأعمال قيل لأولئك: {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}(السجدة: من الآية14) وقيل لهؤلاء العظماء: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(السجدة: من الآية17) إنها أعمال أعمال انطلقت من أبرار، وأعمال أخرى انطلقت من فجار، وهؤلاء ليسوا في ميزان الله سواء، ولا يمكن أن يكون هناك تسوية بينهم {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ} (السجدة:18) وهذه آية تصرخ في وجوه أولئك الذين يقدمون عقيدة ينسبونها إلى الرسول (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) تقضي بالتسوية بين المجرمين أهل الكبائر، وبين المؤمنين، فيحضون جميعاً بالجنة، وبالقرب من الله، وبدخول الجنة التي جعلها الله خاصة لأوليائه وأعدت للمتقين من عباده أليست هذه تسوية؟

 

إنسان هنا يعمل في الدنيا الكبائر بعد الكبائر من سفك الدماء، وانتهاك الأعراض، وظلم الناس، والتحريف للدين، والصد عن سبيل الله، ثم يقال له: لا تخف ستلقى رسول الله هناك وهو من سيشفع لك، ولأمثالك من أهل الكبائر، فترى أنت نفسك أنت من كنت في هذه الدنيا تعاني من كبائر ذلك الشخص وأنت من ظلمت، وأنت من سفك دمك، وأنت من انتهك عرضك، وأنت من صبرت وتحملت العناء في سبيل الله، وفي الدفاع عن دينه، وكان العناء كله من قبل أولئك أصحاب الكبائر، فترى نفسك أنت وهم سواء تدخلون من باب واحد، والملائكة يدخلون عليك وعليهم من كل باب سلام عليكم بما..؟ كيف سيقولون لأولئك؟ بما صبرتم؟ غير صحيح، لا أدرى كيف يمكن أن يقول الملك وهو يتذكر ماذا يقول: سلام عليكم بما ارتكبتم الكبائر فنعم عقبى الدار؟!

 

تحية الملائكة نفسها التي ذكرها الله لأهل الجنة هي من النوع الذي يصرخ أيضا في وجه أولئك الذين يتحدثون عن تلك العقيدة السيئة إنهم يقولون: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ} (الرعد: من الآية24) ما هو الصبر الذي تحمله أولئك المجرمون في هذه الدنيا؟ صبر على ماذا؟ صبر على طاعة الله، أم استرسال وراء الشهوات وراء المطامع؟ وكل ما خطر في تفكيره نفذه، ولتكن الضحية مالك أو دمك أو عرضك أو الدين بكله، ما هو الصبر الذي صبروه؟

 

هذه تسوية، ستكون تسوية! الملائكة أنفسهم لا يقبلون هذه التسوية هم ماذا سيقولون لأولئك إذا دخلوا على أحدهم من باب فيما لو افترض ودخلوا الجنة، والملائكة يدخلون عليهم من كل باب ماذا سيقولون لهم؟ التحية التي ذكرها الله لأوليائه هي هذه التحية التي يقولها الملائكة، ولو كان هناك تحية أخرى للمجرمين ربما لقالها لنا، لكن أليس الملك هو نفسه من سيستحي عندما يدخل أن يقول: سلام عليك بما… ولا يجد ما يمكن أن يكون لائقا أن يجعله تحية لذلك، إن قال: بما أجرمت، فمن الذي يعتبر التحية له بالإجرام أنها تقدير؟ عندما تقول لشخص – ولو كان ظالما – سلام عليك يا عدو الله، أليس سيعتبر هذه سبة؟ سلام عليك يا مجرم، سلام عليك يا صاحب الكبائر، هل سيعدها سبة أم يعتبرها تحية؟ سيعتبرها سبة حتى وإن كان مجرما.

 

والملائكة هم يحيون لا يجدون ما يحيون به أولئك؛ لأن أولئك لن يكون لهم وجود في الجنة على النحو الذي ذكره هؤلاء، يرتكبون الكبائر لا يتخلصون منها، لا يتوبون إلى الله منها، لا ينطلقون في الأعمال الصالحة بعدها، لا يصلحون ما أفسدوا. هؤلاء لن يكونوا من أهل الجنة إلا إذا تابوا على هذا النحو؛ لأنه {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ}

 

إذاً أين حديث: (شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي) من هذه الآية، وأمثالها؟ يتبخر مثل هذا الكلام، ولا يمكن أن يكون من رسول الله (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) على النحو الذي يروونه، ويذكرونه، لأن رسول الله (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) كان هو من يلتزم بالوحي، كان هو من يتحرك في مواقفه، كان من يحكم منطقه كتاب الله {إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} (الأنعام: من الآية50) لا يمكن لرسول الله (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) أن يأتي إلى الناس ليقول لهم الكلام الذي يجعل المؤمن والفاسق سويا يدخلون الجنة، ويحظون بذلك المقام الرفيع، والقرآن الكريم هو يقول في جانب آخر: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ}، {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} (الحشر:20)

 

هكذا أكثر من ثلاث أو أربع آيات في ذهني حول هذا الموضوع مصرحة بأنه لن يكون جزاؤهم سوياً، ولن يكون التعامل معهم سوياً، بل سيكون على هذا النحو: {أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلاً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (السجدة:19).

 

هنا يقول: {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} هل الكبائر من الأعمال الصالحة؟ ومن الذي يحول دون الأعمال الصالحة أن يكون لها وجود في هذه الحياة إلا من؟ إلا أهل الكبائر؟ من الذي يعارض الأعمال الصالحة أن تتحرك في واقع الناس وفي أنفسهم إلا من؟ إلا أهل الكبائر، هم من ينطلقون إلى نفسيتك أنت يغزونها بثقافتهم حتى لا ينطلق منك عمل صالح؛ ليكون ما ينطلق منك من أعمال فيما بعد أعمال فساد وإفساد؛ لأنهم لا ينسجم معهم، مع مصالحهم مع مقامهم، مع نفسياتهم الخبيثة إلا أن يكون المجتمع خبيثاً كخبثهم، وتكون النفوس فاسدة، وتكون الأعمال فاسدة، حينئذ يكون المجتمع منسجما معهم، وحينئذ سيكون المجتمع قابلا لهم.

 

أما الأعمال الصالحة فهي هي الغريم هي الخصم وأصحابها الذين يريدون أن يتحركوا، يريدون أن ينطلقوا ليدفعوا الناس إلى أعمال صالحة هم من يعدون في قائمة أولئك، يعدون ماذا؟ مفسدين {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ} (البقرة:11 -12).

 

{أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} (السجدة: من الآية19) عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ: هذه نفسها ترد على من يقول: إن رسول الله (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) قال وحاشاه من أن يقول: [شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي]!

 

وقلنا في درس سابق: بأن هذه العقيدة سيلمس أولئك الذين رفعوها ودعوا إليها سيلمسون هم بأيديهم سوء آثارها بشكل هزيمة ممن يعبئونهم ممن يحركونهم ممن يتحدثون معهم؛ لأنك ليس هناك ما يخيفك من جهنم، فهذه هي أيضاً في أثرها التربوي مما يخالف منهجية القرآن التي تقوم على تربية الأمة تربية جهادية، فكيف يعمل على تربية الأمة تربية جهادية من خلال الآيات الكثيرة في القرآن الكريم ثم يأتي هناك بعقيدة يكون أثرها في الأخير ما يضرب آثار هذه التربية، أليس هذا من الاختلاف؟ القرآن هو من عند الله، ولا يمكن أن يكون فيه اختلاف، لو كان من عند غيره لكان بالإمكان أن يكون فيه اختلاف {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} (النساء: من الآية82).

 

{أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلاً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (السجدة:19) ضيافة وإكرام أيضا، {بما كانوا يعملون} بأعمالهم؛ ليكرر على مسامعنا أهمية الأعمال وأي أعمال هذه؟ هي الأعمال الصالحة ومن الذي يرسم لنا، ويخط لنا بنود قائمة الأعمال الصالحة؟ إنه الله سبحانه وتعالى فيما يهدينا إليه في كتابه وعلى لسان رسوله (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) هذه هي الأعمال الصالحة.

 

فإذا ما وقف الآخرون منك وقالوا: لا، العمل الصالح هو أن تسكت لتحافظ على مصالح فلان أو فلان، لتحافظ على مصالح الدولة الفلانية، أو يوهمونك أن سكوتك حفاظ على مصلحة الشعب وأنت ترى أن السكوت هو عمل سيء وباطل، وإنما يريدون منك أن تضحي بالدين من أجل مصالح الآخرين، سترى أمامك قائمة من الأعمال هم يخطونها بأيديهم، ثم يقولون لك: التزم بها إنها أعمال صالحة؛ من منطلق الحفاظ على مصلحة كذا على كذا… الخ.

 

الأعمال الصالحة هي التي تضمنها القرآن الكريم ودعانا إليها، ودعانا إليها الرسول (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) ودعانا أهل البيت إليها، هي الأعمال الصالحة.

 

[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

 

دروس من هدي القرآن الكريم

 

معرفة الله – وعده ووعيده

(الدرس الثالث عشر)

ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي/ رضوان الله عليه.

 

بتاريخ: 23من ذي القعدة 1422هـ

 

الموافق: 5/2/2002م

 

اليمن – صعدة.

 

قد يعجبك ايضا