غضبة يمنية على الإمارات: سقطرى ليست للمزاد
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية ||لقمان عبد الله/ الأخبار اللبنانية
أثارت الدعوات الإماراتية إلى استفتاء سكان جزيرة سقطرى على الانضمام إلى الإمارات ردود فعل غاضبة في الأوساط السياسية والإعلامية والأهلية اليمنية. ردود لم تقتصر على حدود المعسكر المناوئ لأبو ظبي، بل امتدت لتشمل شخصيات من داخل الجزيرة نفسها، باتت ترى في ما تمارسه الإمارات داخل الأرخبيل «مصدر قلق، ومبعث خلاف»
لا تخفي وسائل الإعلام الإماراتية حقيقة مطامع أبو ظبي في الأراضي اليمنية، خصوصاً منها جزيرة سقطرى التي تدأب الإمارات منذ أشهر على تحويلها إلى «مستوطنة» تابعة لها. هذه المطامع تجاوز الجهر بها في الآونة الأخيرة حدود الحديث عن «تنمية» الجزيرة و«تأمينها» و«الاستثمار» في ثرواتها، ليبلغ حد المطالبة باستفتاء سكان الأرخبيل على الانضمام إلى الإمارات أو البقاء داخل اليمن، وفق ما دعا إليه باحثون إماراتيون عبر قناة «سكاي نيوز عربية».
جرأة يبدو واضحاً أن الإمارات تسعى من خلالها إلى جعل سيطرتها على الجزيرة أمراً واقعاً لا مناص منه، والتوطئة لمنع التباحث بشأنها على طاولة أي مفاوضات مستقبلية. يأتي ذلك بعدما تمكنت أبو ظبي، مُستغلةً انشغال اليمنيين بمتابعة العمليات العسكرية على الجبهات كافة، وبمعالجة تداعيات الحرب والحصار المفروضَين عليهم من قبل «التحالف» الذي تُعدّ الإمارات العضو الثاني فيه، من تثبيت موطئ قدم لها في سقطرى، تحت ستار قرار مجلس الأمن الدولي 2216، وخضوع اليمن للفصل السابع، وبذريعة عدم تحول هذا البلد إلى منطقة تهدد أمن العالم.
ومنذ سيطرتها على الجزيرة بعد انطلاق العدوان على اليمن مطلع 2015، بدأت معلومات تتسرب حول أعمال عبث ونهب يتعرض لها الأرخبيل. وكانت أصابع الاتهام تتوجه، في ذلك كله، إلى الإمارات، التي جرى الحديث عن قيامها بنقل النباتات والطيور والحيوانات النادرة على مستوى العالم من سقطرى إلى الحدائق الإماراتية. وقد تداول ناشطون يمنيون على مواقع التواصل الاجتماعي، قبل أشهر، صوراً لما قالوا إنها أشجار نادرة في حدائق دبي تم نقلها من سقطرى.
يُضاف إلى ذلك، أن وثائق معتمدة من وزارة العدل في حكومة الرئيس المستقيل، عبد ربه منصور هادي، كشفت عن عملية بيع أراض واسعة في إحدى محميات جزيرة سقطرى لمندوب «مؤسسة خليفة» الإماراتية. وبحسب الوثائق التي نشرتها قناة «بلقيس» الموالية لـ«التحالف» السعودي، فقد تم بيع أرض في منطقة دكسم لمندوب المؤسسة، خلفان بن مبارك المزروعي، بمبلغ 3 ملايين درهم إماراتي، من قبل المحافظ المعيّن من هادي.
وكانت أبو ظبي قد قامت، في وقت سابق من العام الماضي، بتدريب القوى العسكرية الشرطية المحلية، وتزويدها بالأسلحة الخفيفة والسيارات العسكرية، بالإضافة إلى اعتماد شبكة الاتصالات الخاصة بدولة الإمارات بعدما عمدت إلى إيقاف الشبكة اليمنية. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل إن عملية التجنيس وإغراء المواطنين بترك جزيرتهم والعمل في الإمارات، باتت الأسلوب الرئيس الذي تعتمده أبو ظبي لإفراغ الجزيرة من سكانها.
وبعدما أصدرت السلطات الإماراتية قراراً بمنع اليمنيين من زيارة الجزيرة أو التواصل مع سكانها الأصليين، وصل بها الأمر حد منع الوجوه المحسوبة عليها من ذلك. هذا ما تكرر حصوله لـ«المجلس الانتقالي الجنوبي» الذي طلب، أكثر مرة، موعداً لزيارة الجزيرة، إلا أنه كان يتم دائماً إلغاء المواعيد في اللحظات الأخيرة. ممارسات كانت كفيلة بمضاعفة الشكوك اتجاه دور أبو ظبي في الأرخبيل، حتى جاءت المطالبة بضم الجزيرة إلى الإمارات، لتوصل الغضب على سياسات الأخيرة إلى مستوى غير مسبوق.
قبل أيام، وقّع المئات من مشائخ جزيرة سقطرى عريضة تطالب بعزل شيخ مشائخها، المحسوب على الإمارات، سليمان عبد الله شلولها، الذي اتهمه المشائخ بأنه أضحى «مصدر قلق للجميع، ومبعث خلاف وانقسام». وتدور الكثير من علامات الاستفهام حول شلولها هذا، الذي تربطه علاقة وثيقة بالمندوب الإماراتي في الجزيرة، فضلاً عن أنه متهم باتخاذ خطوات من شأنها «إحداث تغيير ديمغرافي في سقطرى وتهديد هويتها». وعقب خطوة المشائخ، تتالت المواقف الجنوبية الرافضة لممارسات الإمارات في الأرخبيل، ومطامعها فيه.
حركة «تاج الجنوب العربي» طالبت الإمارات بتقديم توضيح رسمي حول الأنباء المتداولة بشأن سقطرى، رافضة في بيان لها «الوصاية على شعب الجنوب، أو تفويض أي كان باختزال إرادته». وأكدت أن كل ما يُشاع بشأن سقطرى «يُعتبر ملغياً، ولا يكتسب الشرعية الوطنية أو القانونية». ويوم أمس، علّق الرئيس الجنوبي الأسبق، علي ناصر محمد، على الأمر، رافضاً، في تغريدة على «تويتر»، «المزاد على جزيرتي سقطرى وميون، أغلى جوهرتين في العالم»، حاضاً القيادة والشعب اليمنيين على «إعلان موقف حازم وصارم» في ما يتعلق بالسيادة على الجزيرتين.
وفيما تلوذ حكومة هادي بالصمت بعدما أخلت نفسها من أي واجب أو مسؤولية إزاء سقطرى، تبرز مواقف لافتة على «المقلب الشمالي» ترفض أي محاولات لتغيير هوية الأرخبيل. في هذا الاتجاه، نددت وزارة الخارجية في حكومة الإنقاذ بـ«الممارسات والتجاوزات غير القانونية التي ترتكبها القوات الإماراتية على الأراضي اليمنية»، مُذكّرة أبو ظبي بـ«البيان الرسمي الصادر عن الوزارة بتاريخ 19 يونيو الماضي، والذي وزع على مجلس الأمن والمؤسسات الدولية، وتضمن تحذيراً من محاولات دولتي السعودية والإمارات احتلال أجزاء من الأراضي والجزر اليمنية خلال فترة العدوان والعمليات الحربية».
كذلك، وجهّ مثقفون وكتاب وصحافيون ونشطاء انتقادات لاذعة للإمارات و«الشرعية» على السواء، على خلفية ما يتم تداوله بشأن سقطرى. وإذ وصف بعضهم الدعوة إلى الاستفتاء بأنها «محاولة لتزوير التاريخ وتحوير الهوية»، ذكّر آخرون دولة الإمارات بأنها «لم تنشأ إلا كتعويض للاستعمار عن خسارته ما كان يسميه درة التاج البريطاني (عدن ومستعمراتها ومن ضمنها سقطرى)»، وأن «لسقطرى تاريخ بطولة، وليس لدى الإمارات غير تاريخ الصلاحية، فمَن ينضمّ إلى مَن؟» على حد تعبير الكاتب محمد عايش.
يُذكر أن سقطرى عبارة عن أرخبيل مكوّن من ست جزر قبالة سواحل القرن الأفريقي، تحظى بأهمية استراتيجية بالنظر إلى إطلالتها على المحيط الهندي، ووقوعها في الممر الدولي الذي يربط دول ذلك المحيط ببقية دول العالم، فضلاً عن احتوائها واحدة من أكبر المحميات الطبيعية في العالم. وقد أدرجت منظمة الـ«يونسكو»، في عام 2008، جزيرة سقطرى على قائمتها للمواقع الطبيعية التي تشكل إرثاً عالمياً.