’كامب ديفيد’.. طريق الغرق

موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية ||أحمد فؤاد* / العهد الاخباري
تقف مصر، قرب تاريخ استحقاق الانتخابات الرئاسية، في أزمة غير مسبوقة، بعد نفاد البخار تمامًا من نتائج إصلاح اقتصادي جديد-قديم، جاء على هوى المؤسسات الدولية، ودفع المواطن وحده الثمن الباهظ لسياسات اتخذت –أساسًا- انطلاقًا واستلهامًا من “كامب ديفيد”.
الواقع المصري المُعاش، والمتمثل في تبعية كاملة، وعجز وتراجع اقتصادي، وضيق الخيارات، ليس بالضبط نتيجة فشل طريق إصلاح جزئي، تم اللجوء إليه من أعوام أربعة، لكنه نتيجة منطقية لطريق اختارته الأنظمة المصرية المتعاقبة منذ سيرها في طريق إتباع توصيات –أو أوامر- مؤسسات السيطرة المالية الدولية.
كامب ديفيد لم تكن مجرد ورقة، أو مجموعة أوراق، وقعها أنور السادات، مع الصهيوني مناحم بيجن بالولايات المتحدة، لكنها تعبر بالضبط عن تتويج لطريق اختاره السادات، مدفوعًا برغبة في إلحاق مصر بركب التبعية الكاملة للغرب، بدءا بتفريغ وتقزيم الدور المصري، وانكفائه داخل حدوده الجغرافية الضيقة، مرورًا بخنق إمكانيات النمو، نهاية بالاعتماد الكامل على الخارج، وتحويل الاقتصاد المصري إلى اقتصاد ريعي، قائم أساسًا على تحويلات العاملين بالخارج، والسياحة، والخدمات، والمضاربة في الأراضي.
كانت الحكومات المصرية، التي تلت انتصار تشرين أول/أكتوبر العربي العظيم، بدءا من السادات نفسه، مرورًا بعبد العزيز حجازي، ثم ممدوح سالم، تمهد الطريق لفرض واستدامة تبعية كاملة ونهائية للولايات المتحدة، ونوقشت في هذا الوقت المبكر توصيات صادرة من صندوق النقد الدولي، خلال زيارة قام بها “جون جنتر” في أيار/مايو 1974، تتعلق بـ”تحرير سعر صرف الجنيه”، وهو ما تم قبل عام واحد، نهائيًا.
نجح المخطط الأمريكي، في محاولته لإخضاع القرار المصري، وفرض ما يسمى بالإصلاح الاقتصادي على الدولة المصرية، والذي أدى في نهاية الطريق إلى تخلي النظم التابعة المتتالية عن كل خطوط دفاعها أمام الحكام الجدد من واشنطن، وتم بيع القطاع العام، تحت لافتة الخصخصة، والانسحاب تدريجيًا من حقل النشاط الاقتصادي، وتركه بالكامل أمام رجال أعمال مرتبطين بالمصالح الغربية، ومعبرين عنها، إلى حد أن قطعت الدولة “لسانها”، الممثل في إعلامها، وباعت شعبها فريسة لرأس المال، حتى فيما يخص وعيه وثقافته.
منذ البداية، احتاج دخول مؤسسات السيطرة الدولية، صندوق النقد والبنك الدوليين، إلى طبقة من الوكلاء المحليين، تكفل بتأسيسها وشرعنتها القانون رقم 93 لسنة 1974، للترخيص للأشخاص بالحصول على تمثيل “الشركات” الأجنبية في مصر، وبالتالي خلق الطبقة التي مهدت طريق كامب ديفيد.
تكونت الطبقة الجديدة من مسؤولين سابقين، ومن طبقة طردها التأميم من مصر، وعادت مع رياح جديدة في أشرعتها، ومن مستشارين، استمر عملهم في مفاصل الدولة، ووكالتهم مع الشركات الأجنبية، ونظرة الآن على المتنفذين في المجتمع المصري كفيلة بتبيان حقيقة الاختراق الغربي الواسع لكافة أطياف وشخوص النظام والمعارضة على السواء.
سعت الطبقة الجديدة إلى كسر تأميم عمليات الاستيراد، التي اتبعت في الستينات، للسيطرة على موارد الاقتصاد المصري، طبقًا لقواعد الاقتصاد الاشتراكي (أو المخطط)، فيما يشبه في كثير من أدواته تخريب شركات القطاع العام الباقية، وصولًا لبيعها، وهو ما مثل انسحابًا للدولة من ممارسة الواجب المنوط بها، قبل أن يكون دورًا في إطار سياسة اقتصادية.
وتمثل أرقام العجز في موازنة مصر للنصف الثاني من عقد السبعينيات، الدليل الحي على أزمة الاقتصاد الحقيقية، وبعدها اضطرت الحكومة لعقد اتفاقيتين مع صندوق النقد الدولي، للحصول على قروض لمواجهة أعباء تمويل استيراد السلع، التي ارتفعت فاتورتها، دون زيادة موازية في الصادرات.
وإذا كان التاريخ المصري مع البنك الدولي يحمل الدم، كون رفض البنك في 1956 تمويل مشروع السد العالي، دفع الزعيم الراحل جمال عبد الناصر إلى تأميم القناة، وخوض غمار العدوان الثلاثي، فان اتفاقيات مصر مع صندوق النقد الدولي تزامنت مع “العار”، حيث وقعت مصر اتفاقيتها الأولى مع زيارة السادات المشؤومة للقدس، في مارس 1977 في أعقاب انتفاضة الخبز، ثم أعقبها الاتفاق الثاني في يونيو عام 1978، وتلت الاتفاقيات والقروض الجديدة تعثر مصر في سداد فوائد وأقساط الديون الخارجية، التي ارتفعت من 4.8 مليار دولار فقط عام 1975، إلى 22 مليار دولار عام 1980.
ومع المضي في طريق “كامب ديفيد”، وتعميق التبعية، انتقل الاقتصاد المصري إلى “اقتصاد الريع”، منطلقًا من المضاربة على العقارات، وارتفاع أسعار الأراضي، دون قيمة مضافة، أو عمليات اقتصادية حقيقية، تمكن البلد من الحصول على النقد الأجنبي، خلقت طبقات مستفيدة، وأخرى طفيلية، تجد رزقها في استمرار الوضع الحالي، وتسعى بكل قوة لمحاربة أي تغيير في بنية الدولة.

ما تفعله هذه الطبقات هو الضغط على النقود، وبالتالي زيادة عرضها، دون أي زيادة في إنتاج السلع أو الخدمات، ما يزيد السيولة النقدية بالسوق، ويدفع بالأسعار للارتفاع، ويضغط بصفة مستمرة على قيمة العملة الوطنية، وصولًا إلى قرار التعويم، الذي ضرب الأغلبية الساحقة من مواطني البلد.
*صحافي مصري

قد يعجبك ايضا