“الموساد” يتذاكى على الشعوب؛ هل ولى زمن الثعالب؟!
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية ||
الوقت التحليلي- تعتمد أجهزة المخابرات عموما أنظمة سرية وأساليب ذكية في إخفاء عملياتها خاصة تلك التي تنفذها ضد أعدائها في الخارج، وقد يكتب لبعض العمليات المخابراتية النجاح وفي أحيان أخرى تفشل فشلا ذريعا وتتحول العملية إلى فضيحة مدوية خاصة إذا كانت تستهدف شخصية بارزة لها حساسية خاصة في مجتمعها.
وبرز نجم جهاز المخابرات الإسرائيلي “الموساد” كواحد من أكثر أجهزة المخابرات تنفيذا لعمليات إجرامية بحق العدو والصديق معا، وبحسب الصحفي والمؤلف الإسرائيلي رونين بيرغمان، فإن جهاز الموساد اغتال ما لايقل عن 3000 شخص، لم يكن بينهم فقط الأشخاص المستهدفون بل العديد من الأبرياء الذين تواجدوا في الوقت الخطأ في المكان الخطأ، وذلك في لقاء أجرته معه صحيفة “شبيغل” الألمانية.
جاء كلام الصحفي الإسرائيلي في معرض تسويقه لكتابه الجديد ” حرب الظل، إسرائيل وعمليات القتل السرية للموساد”، الذي تصدره شبيغل، سيتم طرحه في الأسواق اعتبارا من يوم الاثنين المقبل، وأوضح بيرغمان أنه تحدث في أبحاثه مع نحو 1000 شخص، بينهم ستة من الرؤساء السابقين للموساد وستة من رؤساء الحكومات الإسرائيلية مثل إيهود باراك وإيهود أولمرت وكذلك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو. ويحكي الكتاب على نطاق زمني واسع، تطور جهاز الاستخبارات الإسرائيلية حتى خريف 2017، وخلال ذلك يتحدث بيرغمان عن مهام الموساد وعمليات صنع القرار السياسي وراءها.
الواضح من هذا الكلام أن الصحفي بيرغمان لا يسوق لكتابه فقط بل ويقوم في الوقت نفسه بالتسويق لـ “الموساد” وإظهار حجم تأثيره في الشرق الأوسط والعالم وذلك بهدف خلق حالة من الرعب والخوف في نفوس أعداء إسرائيل التي لطالما سوقت لنفسها بأنها تملك جيش لا يقهر وتمكنت من تمرير هذه الكذبة الكبيرة على مدى عشرات السنين السابقة إلى أن كسر شوكتها “حزب الله” اللبناني في مطلع الألفية الثالثة، ليكشف للعالم على وجه العموم والعرب على وجه الخصوص بأن قوة إسرائيل عبارة عن وهم تم تضخيمه عبر وسائل الإعلام العالمية بشكل ممنهج ومدروس وقع ضحيته العرب أنفسهم في ظل غياب دور فعال لوسائل الإعلام يكشف للناس بكل صدق من هي إسرائيل بعيدا عن العواطف التي لا تخدم دائما.
واليوم وبعد تحطيم صورة الجيش الإسرائيلي في أذهان الناس بقي لدى إسرائيل فرصة اللعب على أجهزة المخابرات لديها وتعظيم دورها عبر الاعلام بكافة أشكاله في إطار حرب ناعمة ذكية تهدف لخلق قوة ردع للكيان الإسرائيلي تمنع استهداف شخصيات إسرائيلية بارزة من خلال الحرب النفسية التي تقودها ماكيناتها الإعلامية الضخمة ضد أعدائها، وتحذير الجميع بأن أي فعل سيكون له رد فعل سريع، ومن هنا تبدأ بجذب الدول إليها عبر عدة أساليب:
الأولى: تقديم خدمة أمنية ما لإحدى الدول التي تربطها بها علاقات أمنية، وقد تكون هي سبب الخلل الأمني وهي من يكشفه، ولكن هذا ليس مهما، المهم أن تظهر للدولة التي تقيم معها علاقة أمنية أنها تعمل للحفاظ على أمنها وسلامة مواطنيها وأن عملائها السريين ليسوا إرهابيين كما يروج عنهم، خاصة وأن “الموساد” لديه تاريخ أسود في اغتيال الأبرياء فشل في بعض العمليات السرية والتي خففت من ثقله الذي بناه المؤسسون في أذهان الناس.
وإذا أردنا أن نحضر مثالا حيا عن هذا الأسلوب الإسرائيلي، فإن المعلومات التي نقلها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى نظيره الهندي، ناريندرا مودي، يوم الثلاثاء الماضي، حول خلايا “إرهابية” تعمل في الأراضي الهندية، هو خير دليل عن آلية عمل الموساد.
وبهذا الأسلوب يستطيع نتنياهو أن يحقق ثلاثة أمور:
إظهار قوة جهاز الأمن الإسرائيلي “الموساد”
الاستفادة من هذه المعلومات لتعزيز العلاقات مع الهند على جميع الأصعدة
الحصول على ثقة الهند وبالتالي سيفتح هذا الباب على مصراعيه لدول أخرى لكي تتعاون مع إسرائيل أمنيا ومن ثم سياسيا
الثانية: ترويج ما سبق ذكره في الاعلام بكافة أشكاله، مع ذكر أمثلة عن نجاح هذه الشبكة الأمنية في تحقيق أهدافها بدقة وتمكنها من اغتيال عدد كبير من أعدائها، وبهذا تضمن لنفسها النجاح بابعاد الخطر عنها والتعاون معها عبر أسلوب “الترغيب والترهيب”، والمعلومات التي كشفتها صحيفة “شبيغل” في تقريرها اليوم حول اغتيال إسرائيل لكل هذا العدد من الناس الأبرياء أو الشخصيات البارزة سياسيا وعسكريا ماهو إلا خير دليل على أسلوب إسرائيل القذر في ترهيب الناس.
وقد يكون نشر كتاب ” حرب الظل، إسرائيل وعمليات القتل السرية للموساد” في هذه المرحلة التي يتعرض فيها الشعب الفلسطيني لكل هذه الضغوط الخارجية والداخلية للقضاء على قضيته وإجباره على القبول بشروط إسرائيل، ما هي إلا أحد أساليب إسرائيل في إخافة الفلسطينيين من الإقدام على أي عملية فدائية داخل صفوف الصهاينة.
أنشطة الموساد
لا تقتصر أنشطة الموساد على تنفيذ عمليات الاغتيال بل تتعدى ذلك إلى إقامة علاقات سرية خاصة خارج البلاد مع العمل على الحفاظ عليها، كما يمتلك الموساد العديد من الشركات التجارية الوهمية حول العالم، ذات أرقام تسجيل تجارية، وكشوف ضريبية سليمة، رغم أنها في حقيقتها أماكن تستخدم كغطاء أمني لأنشطة الموساد.
وعمل الموساد أيضا في بداياته على تهجير اليهود من بلدانهم الأصلية إلى إسرائيل وحدث هذا الأمر في عدة دول نذكر منها مصر وتونس والسودان ومؤخرا اليمن، وكشفت وثيقة “إسرائيلية” عن شبكة واسعة داخل تونس لفرع التهجير التابع للموساد، والتي كانت تنشط في الفترة الممتدة بين 1949 و 1956 وقد قام فرع “الموساد” هذا بتنظيم عملية تهجير حوالي 6200 يهوديا إلى الكيان الصهيوني خلال تلك الفترة.
وقبل عامين كشف كتاب تحت عنوان “مهمة الموساد في جنوب السودان”، الذي نشره موقع (ميدا) الإسرائيلي بشكل ملخص، عن خبايا وخفايا التدخل الإسرائيلي في جنوب السودان، والدور الذي أداه “الموساد” في تقسيم السودان، حيث أوضح أن الإسرائيليين يرون ذلك إنجازا ونجاحا باهرا لجهاز استخباراتهم، ووجد الصهاينة في السودان لقمة سائغة للتقسيم كونه يتشكل من ديانات وإثنيات متعددة، موزعة بين الشمال العربيّ المسلم، والجنوب المسيحيّ، الأمر الذي يسهل عملية تقسيمه، وكان لإسرائيل هدف آخر من هذا التقسيم الذي بدأت بالعمل عليه منذ ستينيات القرن الماضي، فقد أردات منع الترابط بين وحدات الجيشين السوداني والمصري.
وبالعودة لموضوع الاغتيالات وبالرغم أن “الموساد” نجح في اغتيال العديد من الشخصيات البارزة أمثال الكاتب الكبير غسان كنفاني ا والقيادي الفلسطيني المعروف بتفجير سيارته في بيروت سنة 1972، وعدد من ضباط منظمة أيلول الأسود الفلسطينية كانتقام على عملية أسر وقتل الرياضيين الإسرائيليين في ألعاب ميونيخ الأولمبية 1972، ثم الرجل الثاني في فتح خليل الوزير أبو جهاد بعملية نوعية نفذتها فرقة كوماندوز إسرائيلية في تونس سنة 1988، وأيضا الأمين العام السابق لحزب الله اللبناني عباس الموسوي بقصف سيارته سنة 1992، وغيرهم.
ولكن “الموساد” ارتكب الكثير من الحماقات في عمليات أخرى أدت لكشفه ومعاقبة منفذي تلك العمليات وشوهت صورة هذا الجهاز الذي كان يدعي بأنه لا يقهر وأظهرت ضعفه في أماكن كثيرة أبرزها:
فشلها في اغتيال القيادي في حركة فتح حسن سلامة عام 1972 بعد مقتل 11 رياضيا إسرائيليا في الألعاب الاولمبية في ميونيخ من العام نفسه، واغتالت عوضا عنه عن طريق الخطأ والاشتباه شاب مغربي يعملل كنادل في مقهى النرويج، تموز/يوليو 1973. وتمكن القيادي سلامة من كشف أخطر جاسوسة إسرائيل في السبعينات وهي أمينة المفتي فتم اعتقالها في عام 1975.
فضيحة لافون، هي عملية سرية إسرائيلية فاشلة كانت تعرف بعملية سوزانا كان من المفترض أن تتم في مصر، عن طريق تفجير أهداف مصرية وأمريكية وبريطانية في مصر، في صيف عام 1954، ولكن هذه العملية اكتشفتها السلطات المصرية وسميت باسم ” فضيحة لافون ” نسبة إلى وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك بنحاس لافون الذي أشرف بنفسه على التخطيط للعملية.
في عام 2004 ألقي القبض في لبنان على شبكة تجسس تعمل لفائدة الموساد ، وعرفت هذه الشبكة التي كانت تعد وتخطط لاغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ب”شبكة تونس”
والقائمة تطول في هذا المجال وكان آخرها فضيحة اغتيال محمود المبحوح، والتي اعتبرها موقع “قضايا مركزية” الإسرائيلي، أفشل العمليات في تاريخ “الموساد”.