لماذا لا تكف الإمارات أذاها عن الصومال؟

موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || IUVM Arabic

لم تتوقف ماكينة العبث الإماراتي عن التدخل في شؤون هذا البلد الفقير اقتصاديا والمهمش سياسيا، لكنه ذو أهمية إستراتيجية بالغة من الناحية الجغرافية، التي جعلت منه مطمعا ومسرحا لصراعات النفوذ بين القوى العالمية والإقليمية.

بين الحين والآخر تتكشف فصول جديدة من امتدادات الأيادي الإماراتية القذرة في الصومال، فبعد نحو شهر على واقعة الرشوة المقدمة لاثنين من أعضاء البرلمان لزعزعة استقرار البلاد، يتهم آخر أبو ظبي بتدبير محاولة لاغتياله.

 

تورط المخابرات الإماراتية

 

عضو مجلس الشيوخ الصومالي “عبدي حسن عوالي قيديد”، اتهم المخابرات الإماراتية بمحاولة اغتياله، وقال في مؤتمر صحفي بالعاصمة مقديشو حيث قال: إن “الاستخبارات من دولة الإمارات حاولت قتلي عن طريق قوات حكومية صومالية تم تدريبها في المعسكرات التي تشرف عليها دولة الإمارات”.

 

وأضاف البرلماني الصومالي الذي يترأس لجنة مراجعة الدستور البرلمانية، أنه نجا من هذه “المحاولة الفاشلة التي نفذتها الأجهزة الاستخباراتية لدولة الإمارات، لكنها خلقت الذعر في نفوس عائلتي”.

 

وعلى الرغم من أن النائب لم يقدم تفسيرات دقيقة حول سبب استهدافه أو الاتهامات التي أطلقها، إلا أن محاولة الاغتيال تأتي بعد أن اتهم النائب ذاته في 30 ديسمبر الماضي، قوات الأمن الحكومية باقتحام منزله في حي “هدن” بالعاصمة.

 

وعقب المداهمة، شكلت الحكومة الصومالية لجنة حكومية للكشف عن الجهات التي تقف وراء استهداف منزل “قيديد”، دون الإعلان عن أي نتائج حتى الآن، فيما أدان رئيس البلاد محمد عبدالله فرماجو، عبر تغريدة على حسابه في تويتر، عملية المداهمة.

 

كما اعتقلت السلطات الأمنية الصومالية آنذاك، أكثر من 15 جنديا بالشرطة بتهمة التورط في مداهمة منزل النائب، دون إصدار أي قرار ضدهم حتى اليوم.

 

وتشرف الإمارات على مراكز تدريب عسكرية أنشأتها في حي “هدن” بمقديشو، للمساهمة في إعادة بناء القدرات العسكرية الصومالية.

 

فضيحة الرشوة

 

ولعل كل من المداهمة ومحاولة الاغتيال، لم تكونا أول التدخلات الإماراتية المباشرة بحق البرلمانيين الصوماليين، حيث سبقها محاولة أخرى كشفت مصادر موثوقة أن دولة الإمارات ضالعة فيها.

 

ففي ديسمبر الماضي، اتهم النائب العام الصومالي “أحمد علي طاهر” اثنين من أعضاء البرلمان بتلقي مبالغ مالية ضخمة من جهة أجنبية (لم يسمها)، بهدف خلق حالة من عدم الاستقرار السياسي.

 

ودعا النائب العام رئيس البرلمان إلى رفع الحصانة عن النائبين بهدف تقديمهما للمحاكمة، وقال في مؤتمر صحفي الأحد: “قدمنا إلى البرلمان وإلى رئيس البرلمان رسالة توضح انخراط نائبين متهمين بتنظيم حملات وأعمال غير قانونية تهدف إلى تقويض أركان الدولة الصومالية”.

 

وأوضح أنه “تم الانتهاء من جمع الأدلة والقرائن المثبتة لهذه الاتهامات، وطلبنا من البرلمان رفع الحصانة عنهما لتتم محاكمتهما؛ النائب له حصانة، لكنه ليس معصومًا من الخطأ، وقد يقترف النائب ذنوبا جنائية”، وذكر أن الأمر يتعلق بالنائبين “حسن معلم محمود” و”عبد صابر نور شورية”.

 

اتهامات أخرى طالت الإمارات بالسعي المسلح إلى السيطرة على ثروات الصومال والتحكم في سياساته، حيث طالبت الفيدرالية الدولية للحقوق والتنمية، بفتح دولي عاجل في الاتهامات الموجهة إلى أبو ظبي بالتورط في جرائم حرب في جمهورية الصومال والعمل للنيل من وحدتها وتقويض استقرارها.

 

وقالت صحيفة “ديلي صباح” التركية، في تقرير نشرته مؤخرًا، إن التفجيرات الضخمة التي طالت العاصمة الصومالية مقديشو في أكتوبر الماضي، كانت بأموال إماراتية، منوهة إلى أن الصحف الغربية ألقت باللوم على حركة الشباب، لكنها تجاهلت تعرض الصومال لهجمة جيوسياسية بغيضة تسعى للسيطرة عليها وإبادة شعبها عبر الحروب والإرهاب.

 

قطر والقدس وصراع النفوذ

 

وتبدو محاولة تفسير الموقف الإماراتي المناوئ للصومال يسيرة، إذا نظرنا لها من 3 أبعاد وقضايا مختلفة، ربما تقدم تحليلا منطقيا لسلوك أبو ظبي.

 

الأزمة الخليجية أولى القضايا، حيث كان الموقف الصومال منها واضحا بالحياد، وقالت تقارير إن الإمارات حاولت دفع أموال للصومال، نظير قطع علاقتها مع قطر لكنها فشلت، بينما أصرت مقديشو على موقفها ببيان صدر في سبتمبر الماضي، يؤيد ضرورة إنهاء الخلاف بطرق سلمية تتسم بالأخوة والدبلوماسية.

 

المحطة الثانية، كانت بشأن أزمة القرار الأمريكي اعتبار القدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي، حيث شارك الرئيس الصومالي في القمة الاستثنائية لمنظمة التعاون الإسلامي التي عقدت بمشاركة متواضعة من الإمارات ديسمبر الماضي، في مدينة إسطنبول التركية، على خلاف الهوى الإماراتي.

 

ليس هذا فحسب، بل إن الرجل طار من القمة إلى العاصمة القطرية الدوحة للقاء الأمير تميم بن حمد آل ثاني، الذي غادر هو الآخر في أعقاب انتهاء أعمال القمة.

 

أما البعد الثالث والأكثر أهمية، فيكمن في صراع النفوذ الذي تخوضه الإمارات مع تركيا في الصومال، برغبة كل طرف في تعزيز تواجده بتلك البقعة المتحكمة في سواحل إستراتيجية على خليج عدن ومضيق باب المندب.

 

ووفق تقارير إعلامية بدأ التنافس التركي الإماراتي الناشئ حول الصومال خلال الأشهر الأخيرة، لدرجة حضوره في القلب من انتخابات الصومال الرئاسية أواخر العام الماضي، حيث استثمرت أبو ظبي في عدد من المقربين منها، وعلى رأسهم الرئيس الأسبق “حسن شيخ محمود” الذي سهل بشكل ما سيطرة الإمارات على الموانئ الصومالية، كما استثمرت في مرشحين آخرين على رأسهم رئيس الوزراء الصومالي السابق “عمر عبد الرشيد شارمارك” المقرب من الإمارة.

 

فاز عبدالله فارماجو في النهاية بالرئاسة على غير رغبة الإماراتيين، وبدا أن الرئيس الجديد يحمل حساسية أكثر من سلفه تجاه سعي بعض القوى الأجنبية لإضعاف الحكومة الفيدرالية من خلال إبرام اتفاقات خاصة مع الحكومات الإقليمية.

 

ورغم أن الرئيس الصومالي الجديد اختار الرياض كمحطة أولى لزيارته الخارجية بعد انتخابه، فإنه طلب من الرياض الضغط على أبو ظبي لوقف بناء القاعدة العسكرية ببلاده.

 

ورغم معارضة الحكومة الصومالية، بدا أن أبو ظبي ماضية في سياستها التوسعية، خاصة بعد أن قامت مواني دبي بتوقيع عقد جديد مع منطقة بونتلاند، أي أرض النبط، شبه المستقلة شمال شرقي الصومال، تدير بموجبه الشركة الإماراتية ميناء “بوصاصو”، مع الحديث عن تواجد عسكري محتمل في الميناء.

 

وفيما يبدو أن التحركات الإماراتية السريعة لتعزيز أصولها الصلبة في الصومال قد نجحت في رفع مستوى القلق لدي أنقرة لحده الأقصى، ما دفعها لتسريع وتطوير وتيرة البناء في منشأة التدريب العسكرية المعلن عنها قبل عامين، والتي افتتحت بالفعل.

 

وعلى خلاف القواعد العسكرية الإماراتية، ستخصص القاعدة التركية لتدريب الجنود الصوماليين، حيث سيقوم 200 خبير تركي بتدريب ما يصل لـ 10 آلاف من أفراد الجيش الصومالي، في غياب أي خطط لنشر وحدات تركية قادرة على القيام بعملياتٍ عسكرية، وفيما يبدو فإن أنقرة قررت تعزيز تواجدها في فضاء تدريب وتشكيل القوات الأمنية الصومالية، بعد أن سيطرت الإمارات على هذا الفضاء بشكل ملحوظ في الأعوام الماضية.

 

ويتوسع نطاق المنافسة التركية الإماراتية في الصومال من الأمن والسياسة إلى الاقتصاد والتجارة، ففي حين تدير شركة البيرق التركية ميناء مقديشو، وقدمت الشركات التركية عطاءات للقيام بنفس الشيء في مدينة كيسمايو على الساحل الجنوبي، فإن شركة “إس كيه إيه” الإماراتية للطيران والخدمات اللوجستية تدير مطار مقديشو.

 

في حين تتنافس الشركات الإماراتية على عقود تطوير الميناء والمطار في كيسمايو، وستدير موانئ دبي بالفعل كلا من ميناء “بربرة” وميناء “بوصاصو” بعقود طويلة الأجل تم توقيعها مؤخرًا، على الرغم من اعتراض الحكومة الفيدرالية.

قد يعجبك ايضا