السعودية: من حُكم “وليّ الأمر” الى الحاكم بأمره.. وبعد،
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || أمين أبوراشد “موقع المنار”
“مقامرة الأمير”، عبارة استخدمتها وكالة “بلومبرغ” الأميركية في توصيف الإجراءات التي يقوم بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، سواء في موضوع “مكافحة الفساد”، أم في تهيئة المملكة لمقاربة “رؤية 2030” التي ابتدعها لتعبيد طريقه نحو العرش، بينما ذهبت وكالة “فوكس نيوز” الى اعتبار، أن المملكة ستكون بخطر إذا فشل بن سلمان في مهامه، ونقلت الوكالة عن “جيرال فيرستين”، مدير شؤون الخليج في معهد الشرق الأوسط، والسفير الأميركي السابق لدى اليمن: “هناك الكثير من النجاحات التي حققتها رؤية 2030، لكن الخطر كله إذا فشل المشروع، وفي هذه الحالة، سترى السعودية نوعاً من الضغوط الديموغرافية والإجتماعية، التي أدت إلى انفجارات الربيع العربي 2011”.
ويُخشى أن تكون رؤية بن سلمان وبعض أفراد حاشيته المُراهنين على “ثورته”، بمستوى رؤية النعام الغارقة رؤوسها في الرمال للأسباب التالية:
أولاً: المواجهة مع المؤسسة الدينية في السعودية ليست سهلة، وإذا نجح بن سلمان بكسب معارك جانبية معها مرتبطة ببعض الإصلاحات، فإنه حتماً لن يكسب حرباً، لأن التشدًّد الوهَّابي لدى رجال الدين هؤلاء في تطبيق اجتهاداتهم على السلطة السياسية وعلى الشعب، هو علَّة وجود هذه الطبقة التي تستقوي بإرث محمد بن عبد الوهاب، وتعتبر نفسها ذات فضلٍ على آل سعود في إنشاء وديمومة مملكتهم.
ثانياً: دور هيئة البيعة التي تُسمِّي الملك / وليّ الأمر، والتي كانت تختار من بين أبناء عبد العزيز دون أي إحراجٍ يُذكر، هذا الدور دخل مرحلة الإختيار من بين الأحفاد، وتأجيل تنصيب بن سلمان الذي كان يتردد أنه سيكون في نهاية العام 2017، يعكس عدم انسجام بين رغبة الملك سلمان في تثبيت إبنه على العرش، وبين عدم موافقة الهيئة على هذا الإختيار، وقد تكون سياسة القمع التي انتهجها بن سلمان مع الأمراء المعتقلين بتهمة الفساد، هي إحدى السُبُل الناجعة للمواجهة مع هيئة البيعة.
ثالثاً: تداعيات احتجاز الأمراء وكبار رجال الأعمال، بدأت نتائجها بالظهور، من خلال الدعوى التي أقامها رجل الأعمال السعودي الذي يحمل الجنسية الأميركية أحمد العسراوي ضد محمد بن سلمان أمام المحكمة الإتحادية الأميركية، عبر مكتب “أبراهام شتايمز” الشهير في نيويورك، متهماً بن سلمان بتوقيفه في السعودية، وتعذيبه وضربه واحتجاز حريته دون أية تهمة، وإجباره على التنازل عن 90% من ثروته والإبقاء على 400 مليون دولار من أصل 11 مليار دولار، التي تتضمن أبراجاً وعقارات وشركات له في السعودية، مُطالباً باستعادة ثروته والتعويض عليه ومعاقبة من قام بتعذيبه وضربه وحجز حريته، وهذه الدعوى هي بداية مسلسل من النقمة الجماعية للنافذين في السعودية على بن سلمان.
رابعاً: الإعتبار الخاطىء، أن بن سلمان كَسِب رضا نصف الشعب السعودي، بعد السماح للنساء بقيادة السيارة ومشاهدة مباريات كرة القدم، وكَسِب تأييد جيل الشباب من خلال بعض القرارات، لأن للنساء السعوديات مطالب إجتماعية وسياسية طموحة أبعد مما تحقق، والشباب السعودي غير مُندفعٍ لملاقاة بن سلمان، والكثير منه اعتاد على التقديمات والهبات دون أن يبذل أي مجهودٍ إنتاجي، مما يعني أن هذا الإنفتاح، جاء نتيجة الحاجة الى مواجهة الرأي العام الدولي الذي يُضيىء بصورة غير مسبوقة على مسألة حقوق الإنسان في السعودية، وتغطية لما يرتكبه بن سلمان لتعبيد طريقه الى العرش.
خامساً وأخيراً: كان متوقعاً أن تُلامس السعودية مرحلة الخطر، خلال المرحلة الإنتقالية من جيل أبناء عبد العزيز الى جيل أحفاده، لكن ما ارتُكِب بحق مقرن ونايف بن عبد العزيز من عزلٍ وإقصاء وإقامة جبرية على يديّ الملك سلمان وولده، وما لَحِق بالأمراء من إجراءات مادية ومعنوية، يجعل من مسألة انتقال السلطة تصفيات شخصية، وتَغِيب السلاسة عن عملية انتقال العرش من وليّ أمر الى آخر، وتدخل المملكة في حقبة الحاكم بأمره، بحيث أن بلوغ العرش يغدو للأقوى في قمع سواه، وتبدأ كما توقعت وكالة “فوكس نيوز” الضغوط الديموغرافية والإجتماعية، التي أدت إلى انفجارات “الربيع العربي” …