عابد حمزة… الشهيدُ الذي كتب تقريرَه الأخيرَ بالرصاص

موقع أنصار الله || صحافة محلية || المسيرة: إبراهيم السراجي

 

“لن نتخلّى عن هذه المسيرة أَوْ نستسلمَ للعدوان حتى لو اضطررنا لأكل التراب”.. في نهاية المطاف لم يأكل صاحبُ هذه العبارة الترابَ، بل روى تربةَ الأرض بدمائه، فالرجلُ لم يكن مهموماً أَوْ خائفاً من الجوع، بل كان يواعِدُ الشهادةَ ويطلُبُها من ربه، وضعها مقياساً وحيداً لمستوى رضا الله عنه، لطالما نقل عنه أصدقاؤه تعلُّقَه اللامحدود بالشهادة، حتى أن بعض من نقلوا عنه سبقوه إلى الشهادة فضاعفوا حنينَه إليها حتى عانقها، فلم يختلفْ أحد على أنه نال أكثر ما كان يتمناه ولم يستثنِ الحزن على رحيله أي ممن عرفوه عن قرب أَوْ التقوا به في مناسبات عابرة أَوْ ممن سمعوا عنه أَوْ قرأوا له مقالاتٍ وتقاريرَ ومنشوراتٍ.

 

إنَّه الشهيدُ المجاهدُ والصحفي “عابد حمزة” الذي انتقل، الثلاثاء الماضي، إلى حياة أُخْــرَى، حيث الشهداء “أحياء عند ربهم يُرزقون”، التقى رفاقه ممن سبقوه إلى الشهادة “فرحين بما آتاهم الله من فضله” لكنه ترك حزناً كبيراً وفراغاً يصعب تعويضُه في الحقل الصحفي، فهو رئيس تحرير صحيفة “الحقيقة” الذي غادر العاصمةَ صنعاءَ متجهاً نحو الساحل الغربي، حاملاً معه قلمَه وكاميرا وبندقية، والسردُ هنا ليس روائياً مزيّناً بالعبارات الأدبية بل حقيقةٌ وواقعٌ للحظات الأخيرة للشهيد عابد في هذه الدنيا، فقد شَدَّ رِحالَه بعدَ ما سمع عن تصعيد العدو في جبهة الساحل، فقصد أمرين، الأول أن ينجزَ تحقيقاً ميدانياً للصحيفة التي يرأسُ تحريرَها، لما يسطّره الأبطال في جبهة الساحل، والثاني أن ينخرِطَ في المعركة مساندةً للأبطال إنْ لزم الأمر.

 

كان الشهيدُ عابد فورَ وصوله جبهةَ الساحل الغربي يعاينُ الوضعَ هناك؛ ليقرر ما إذا كانت مهمتُّه ستقتصرُ على التقاط الصور والكتابة عنها، أَوْ أن يصبح هو محور الكتابة وعلى كاميرا أُخْــرَى أن تنقلَ ما سيفعلُهُ هو في الميدان، لكن المشهدَ كان واضحاً، فالعدوُّ يقومُ بزحف واسع مدعوماً بكل أنواع الطيران، هناك قرَّرَ الشهيد عابد أن يفارق الكاميرا وأن يلتقط البندقية، انخرط في المعركة وبدأت بندقيته تكتب ما كان يُنتظَرُ من قلمه، دارت رحى المعركة فغاص فيها مع المجاهدين، فأوقعوا في الأعداء خسائرَ جسيمةً، فمشاهِدُ الإعلام الحربي التي وُزِّعت مؤخَّراً لتدمير أكثر من 20 آلية ومدرعة شمالي يختل والقضاء على عشرات المرتزقة، كان الشهيدُ عابد حمزة أحد أبطال ذلك المشهد البطولي.

 

انتقل الشهيد عابد من ميدان “الحقيقة” الصحفية وصدق الكلمة إلى ميدان “الحق” والبطولة ذلك الميدان الذي شهد معركةً ضاريةً لم يبارحه “عابد” إلا شهيداً، هناك انتصَرَ على الأعداء، وهناك أيضاً التقى بأُمنيته التي ما برح يتحدث عنها لكل من عرفوه وجالسوه فلاقى الله شهيداً كما تمنى وكما ظل يدعو ربَّه أن يرزقَه بها.

 

 

 

في عيون من عرفوه

فورَ إذاعَةِ نبأ استشهاد الشهيد عابد حمزة، ثارت أقلامُ ومشاعرُ أصدقاء ورِفاقٍ قضوا فتراتٍ مع الشهيد عرفوه عن قُرب، عرفوا إيمانَه العميق، ونقاءَه الصافي، وإخلاصَه اللامحدود، في تلك اللحظة يكتُبُ رئيسُ مركَز الدراسات الاستشارية عبدالملك العجري، أنه “لو كانت هناك ملائكة يمشون في الأرض لكنت يا عابد حمزة أحدهم”.

 

من جانبه، أحد رفاق الشهيد يُعيدُ نشْرَ ما كتبه الشهيدُ نفسُه عن صديقه الشهيد “عبدالملك أبوطالب”. فقبل عشرة أيّام فقط من استشهاده كتب عابد حمزة معلقاً على صورة رفيقه الشهيد “ليتني يا ولي الله كنتُ معك فأفوزُ فوزاً عظيماً” ذلك الحنين الفياض، أباح به الشهيدُ وهو لا يعرفُ أنه بات قابَ قوسين أَوْ أدنى من بلوغ المراد.

 

ويكتُبُ الإعلامي جمال الأشول وهو الذي قضى الفترة الأخيرة إلى جانب الشهيد حتى ساعات قليلة قبل استشهاده، قائلاً “قال لي ذات يوم، با تكتب عني حين استشهد؟، بتلك الكلمات البسيطة والعفوية سألني، فأجبته سأكتب عليك بعد أن أخذ وقتي في البكاء عليك.. وهذا ما فعلت فأخذت يوماً كاملاً أبكي على رحيلك، واليوم أكتب عنك”.

 

أما عضوُ المكتب السياسي لأنصار الله وصديق الشهيد فيرثيه قائلاً “قلمُك كان يفرز المؤمنين من المنافقين، ولسانُك سوطاً يجلد المستكبرين”، ويضيف مخاطباً الشهيد “هذا كله وأنت كنت تشعرنا أنه ليس معكم مني سوى الجسد وكنت تقولها إن سألناك (أين ذهنك شارد أستاذ عابد.. ؟!) فكنتُ تقول (أفكر في من سبقونا وقدّموا أرواحهم ماذا نقول لهم وماذا قدمنا نحن؟!).

 

ويقول الإعلامي عرفات الحاشدي عن الشهيد إنه “نذر حياتَه لله منذُ بداية المسيرة سائحاً في ميادين الجهاد”، مضيفاً أن “الجبهة الإعلامية تشهد لعظمتك، فلقد كان لك فن صحفي نادر، وحدَك من عملت على إصدار صحيفة (الحقيقة) بقالب قرآني بحت ينطلق من قاعدة (عينٌ على الأحداث وعين على القرآن)؛ ولأن روحَك لم تكتفِ بجهاد الكلمة فقد عرفتك ساحاتُ الوغى فارساً ضرغاماً، جرعت بندقه قوى الإجرام الموتَ الزعافَ مثلما كان قلمك سيفاً مُصْلَتاً على أبواق الزيف والتضليل”.

 

ويورد الكاتبُ زيد البعوة في مقالٍ جزءاً من سيرة الشهيد عابد المهنية والجهادية فهو “عابد حمزة رئيسُ تحرير صحيفة الحقيقة أحد أبناء منطقة فوط بمران الشامخة من محافظة صعدة الإباء والشموخ والتضحيات، لمع اسمُه في ميدان الإعلام المناهض للعدوان منذ زمن طويل منذ بداية المسيرة القرآنية، عمل بكل تفانً وإخلاص في أكثر من عمل، كان عبارة عن كتلة من النشاط والعمل والجهاد في مختلف المجالات ليس فقط في الإعلام فحسب، بل في الجانب الثقافي والعسكري والأمني والاجتماعي وغير ذلك، غلب عليه الصدق والإيمان فكانت كُلّ أعماله ولا تزال وستبقى مؤثرةً ما بقي الدهر”.

 

 

 

حقيقة أُخْــرَى في محراب الشهادة

لم تقتصرْ خسارةُ الوسط الصحفي والإعلامي خلال الأسبوع الماضي على الشهيد عابد حمزة، فثمة حقيقةٌ أُخْــرَى كانت طائراتُ العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي تبحَثُ عنها لتقتلها، ففي الساحل الغربي كانت طائرات العدوان تثخن القرى والمزارع بالقصف الهيستري وترتكب مجازرَ جماعيةً، هناك كان الإعلامي “عبدالله المنتصر” مصور قناة الساحات الفضائية أحد عُشّاق الشهادة وأحد الذين ضحَّوا بحياتِهم كي ينقلوا للعالم حقيقةَ العدوان الإجرامي وينقلوا جرائمه لشعوب العالم.

 

خلال ثلاث سنوات من العدوان عرضت قناة الساحات آلافَ التقارير لانتصارات الأبطال في وجه قوى الغزو والعمالة ولمظلومية شعب يمارس العالم صمتاً مدفوعَ الثمن تجاه ما يحدث له، تلك التقارير ساهمت في كسر حالة الصمت، ونقلت للعالم حقيقة الغزاة المجرمين، وكانت كاميرا “عبدالله المنتصر” ترسل آلاف المشاهد وتعرض الحقيقة للعالم، الحقيقة التي يقف خلفها كثيرٌ من الجنود المجهولين الذين لم ينشدوا جزاءً أَوْ شكوراً، فانتصر “المنتصر” للحقيقة وسقط شهيداً بغارات العدوان الهمجي على سكان مديرية حيس بمحافظة الحديدة، هناك في الساحل الغربي.

 

ويودِّعُ نائبُ وزير الخارجية حسين العزي شهيدَ الصورة والحقيقة قائلاً “سلامُ الله على الشهيد السعيد عَبدالله المنتصر وسلامُ الله على أُسرةٍ ربتك على الحرية، وسلامُ الله على قناة الساحات محراباً جهادياً خدمت فيه رسالةَ الإعلام الوطني الحُرّ والشريف.. موجعٌ رحيلُ الكرام يا عبدَالله”.

قد يعجبك ايضا