إلى أي درجة كانت الحرب في سوريا تحمل بعداً طائفياً؟!
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية ||الوقت التحليلي- شهر واحد فقط يفصلنا عن الذكرى الثامنة لبداية الانتفاضة السورية، التي تمزقت خيوطها على مدار السنوات الماضية وبالرغم من أن واشنطن وبعض الدول الاقليمية حاولت مرارا وتكرارا إعادة نسج خيوط هذه الانتفاضة عبر حقنها بجرعات تحريضية لا تخلو من استخدام نبرات طائفية كانت وراءها قنوات إعلامية ضخمة، إلا أنها فشلت في تحقيق مآربها ونبذها الشعب بكل أطيافه لكونه يعلم أن هذه الحالة غير مجدية في دولة مثل سوريا.
واليوم بدأت الصورة تصبح أكثر وضوحا بالنسبة للجميع حول ماهية مشروع المعارضة المسلحة وتبعيتها وماهية مشروع الحكومة السورية والجيش السوري، فالمشروع الأول وإن كان يحاول إنكار وجود بعد طائفي في ثورته لكي يمنع الحكومة السورية من استغلال هذا الموضوع لصالحها، إلا أن ما جرى في بانياس وحمص في بداية الثورة المزعومة أوضح للجميع إلى أين تتجه الأمور.
هذا الموضوع شكل نقطة ضعف للجماعات المسلحة مقابل إيجاد مبررات للجيش السوري بمواجهة هذا المشروع غير الوطني الذي لا يمت لما تحمله معاني “الثورة” بأي صلة، ولذلك رأينا أعداد كبيرة من الشخصيات الوطنية والعلمانية والتي تعاطفت مع “الثورة” في بدايتها تخرج من تحت عبائتها لتأخذ منحيين إما مع الدولة السورية أو الوقوف على الحياد، وبهذا بدأت تخسر هذه الجماعات المسلحة غطائها الشعبي، لأن التركيبة السورية معقدة جدا ولايمكن لأي طرف أن يتصرف من منطلق انعزالي عن البقية وهذا يمثل جوهر فشل الجماعات المسلحة وحتى الأكراد في جذب تعاطف شريحة واسعة من الناس معهم، مقابل توجه الشريحة الأكبر نحو الدولة السورية، التي وبالرغم من كل أخطائها تمكنت من الحفاظ على شريحة واسعة من الناس ومن جميع الطوائف إلى جانبها، خاصة بعد أن تمكنت بدعم الحلفاء من إعادة السيطرة على مساحات واسعة من البلاد، لدرجة أن الجماعات المسلحة لم تترك جهة إلا وتوسلت لها لانقاذها من الورطة التي وقعت بها، وبدأت هذه الجماعات تتهم بعضها البعض بالخيانة وببيع الثورة.
ومع دخول مصطلح “التخوين” إلى الجماعات المسلحة انهارت معنوياتهم، وشعروا بأنهم يسيرون في طريق مليء بالألغالم كانت الولايات المتحدة الأمريكية ودولا أخرى وعدتهم بأن تفرشه لهم بالورود وورق الغار، ونفس الطريق المعبد بالألغام فرشته واشنطن لحلفائها الأكراد، وتركتهم وسط هذا الطريق بعد أن حققت غايتها منهم في الشمال الشرقي من سوريا.
ومن كان يعتقد بأن ما يسمى “الربيع العربي” سيمزق دمشق كما فعل في عواصم عربية أخرى فهو واهم، لأن التركيبة السورية تختلف عن تركيبة جميع دول المنطقة، من ناحية التعدد الهائل للطوائف فيها وبالتالي فإن أي مشروع يبدأ من منطلق طائفي مصيره الانهيار مهما طال الزمن وهذا ما نراه اليوم في سوريا بأم أعيننا.
اللعب على الوتر الطائفي لم يكن برئيا وكان يتم التحضير له في الغرف المغلقة والعمل عليه على اعلى المستويات، وتسخير بعض المحطات الإعلامية لترويجه في المجتمع السوري وإظهار الحرب السورية بأنها مبنية على أسس طائفية، وذلك لتصفية الحسابات مع الدولة السورية من قبل بعض الدول وعلى رأسها “اسرائيل وأمريكا”.
ولايمكننا أن ننكر بأن الجماعات المسلحة نجحت في جذب شريحة مضللة واستفادت منها، إلا انها لم تتمكن من الاستمرار في تضليل هذه الشريحة، خاصة بعد أن تبين أنه يتم اضفاء بعد طائفي على الحرب ما تسبب في مقتل المزيد من المدنيين واثبت للعالم ان هذه الجماعات لا تريد بناء وطن، وللتأكيد فقد أصدر تنظيم “هيئة تحرير الشام” في وقت سابق حكماً بالإعدام على الدروز الذين انضموا إلى المعارضة، ليعطي بذلك العبرة بأن الولاء للطائفة هو الأهم وأن الخيار الآخر الوحيد المتوفر هو مغادرة سوريا.
في مقابل ذلك وجدنا واشنطن وأنقرة تحاولان الاستفادة من تعدد الطوائف في سوريا، والعمل على زيادة الشرخ داخل المجتمع السوري تمهيدا لتقسيمه فيما بعد، فالعثمانيون كانوا أوّل من قسّم المجتمع السوري على أسس طائفية، لذلك أرادو تكرار التجربة إلا أن الزمن اختلف والناس في سوريا أصبحت واعية لهذا المخطط، وفي الوقت الحالي نشاهد استياء شعبي للسكان العرب في شمال سوريا وشرقها من الأكراد الذين أطاحوا بالقيادة العشائرية واستحوذوا على العديد من المناطق وتجاهلوا إلى حد كبير توصيات المجالس القبلية في منبج وغيرها من البلدات، وكذلك الأمر في الرقة.
وللتذكير لم تشهد أي منطقة دخلها المسلحين في سوريا أي نوع من الأمان والاستقرار، وقد رأينا مظاهرات عديدة في الفترة الماضية على امتداد المناطق التي يسطير عليها المسلحون تطالب بخروج هؤلاء، بعد ان عاثوا فسادا في المناطق التي سيطروا عليها وحرموا أهاليها من حقوقهم الطبيعية فضلا عن انعدام وجود الكهرباء ولم يَسُد القانون وقد رأينا هذا في “منبج” خلال فترة سيطرة “الجيش الحر” عليها.
ختاماً؛ المشروع الأمريكي في سوريا يقترب من نهايته مع اقتراب الجيش السوري من السيطرة على أغلب الأراضي السورية وخروجه من أي معركة أقوى من أي وقت سابق، وما إسقاطه للطائرة الاسرائيلية اليوم إلا خير دليل على توجهات هذا الجيش ومن هو عدوه الحقيقي.