لماذا تأخر الدخول السوري إلى عفرين حتى الآن وهل من دور روسي في ذلك؟
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية ||شارل أبي نادر / العهد الاخباري
لا يبدو حتى الآن أن دخول الجيش العربي السوري أو وحدات عسكرية شعبية موالية له إلى عفرين سيتحقق في الساعات القريبة كما أشيع، وحيث كان ذلك واردا ومحتملا في المرحلة الأخيرة، يبدو أن هناك بعض التأخير حتى الآن، على الرغم من إجماع أغلب السوريين من الأكراد، أبناء عفرين على ذلك، فما السبب؟ وهل من معطيات عسكرية أو استراتيجية فرضت هذا التأخير في الدخول حتى الآن؟
لقد صرحت تركيا غير مرة أنها لا تمانع دخول الدولة السورية إلى عفرين، وشرطها الأساس كان طرد أو توقيف “الإرهابيين” (بالمنظور التركي) من وحدات حماية الشعب الكردي أو حزب الاتحاد الكردستاني، وليس حمايتهم واحتواءهم، وحيث دأبت وحدات الحماية التركية في عفرين مؤخرا على الاعلان أن هناك اتفاقاً بينها وبين الحكومة السورية على قيام وحدات عسكرية نظامية بحماية عفرين من الأتراك، رأت انقرة ان ذلك لا يناسب مناورتها التي هدفت من خلالها -عبرعملية غصن الزيتون- الى إخراج “ارهابيي” حزب العمال الكردستاني وليس في سبيل حمايتهم وإحتوائهم.
هذه الحماسة التي يظهرها اكراد عفرين اليوم لدخول الدولة السورية لم تكن موجودة سابقا، والسبب أن عفرين اليوم اصبحت مهددة بشكل جدي من دخول الوحدات التركية والمجموعات المسلحة المتحالفة معها، من هنا يرى الروس، والذين فهموا جيدًا المسار الكردي حتى الآن، أن أغلب الاكراد في عفرين (ومن ضمنهم وحدات حماية الشعب الكردي) يدّعون اليوم، وتحت الضغط، أنهم مواطنون سوريون، وبالتالي يحق لهم الحماية والرعاية من دولتهم، بمعزل عن مشروعهم الهادف إلى إدارة ذاتية، والذي برأيهم لا يتعارض مع احترامهم للسيادة السورية، كما الكثير من الدول ذات الأنظمة الفدرالية أو ما يشابهها من أنظمة سياسية.
من ناحية أخرى، لم تكن روسيا بعيدة عن فكرة دخول الدولة السورية إلى عفرين، وذلك في بدايات مراحل عملية “غصن الزيتون”، وقد حاولت جاهدة قبل شروع تركيا بتلك العملية، إقناع اكراد عفرين بذلك وتجنيبهم تداعيات وويلات الدخول العسكري التركي، الأمر الذي رفضوه حينها، معولين على حماية الولايات المتحدة الاميركية لهم من الدخول التركي، الأمر الذي لم يتم وبرره الأميركيون بأن عفرين خارج اهتمامات ومهمات التحالف.
الآن، من الواضح أن روسيا لم تعد متحمسة لذلك الدخول، وحتى يبدو أنها تقترح تأخيره، او على الاقل لا تشجع الدولة السورية على تحقيقه فورا، وربما قد يكون ذلك للأسباب التالية:
– بعد الخسائر الكبيرة التي سقطت لمجموعات حليفة للجيش العربي السوري، كانت تعمل على تحقيق أهداف ميدانية شرق دير الزور، وحيث تبين لاحقا – برغم النفي الروسي بداية – أن من بينها عددًا كبيرًا من المتطوعين الروس، المقاتلين من غير العسكريين النظامين، اعتبرت روسيا أن للاكراد من قوات سوريا الديمقراطية، وغير البعيدين عن وحدات حماية الشعب الكردي، دورًا كبيرًا في الإيقاع بهؤلاء المتطوعين الروس وغيرهم من السوريين، خاصة وأن الوحدات الجوية الأميركية استشرست في استهدافهم بناء لمعلومات دقيقة من مصادر محلية، ليست بعيدة عن قسد أو عن وحدات كردية اخرى.
ولقد تبين لروسيا، ومن خلال أكثر من واقعة أو مناسبة ميدانية أو سياسية، أن الاكراد بشكل عام (قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب الكردي)، سيمضون في تحالفهم مع الاميركيين بعيدا، وهم (الاكراد) غير مستعدين لاستبدال ذلك التحالف بآخر، خاصة وانهم يعتبرونه الوحيد الذي قد يدعمهم في الانفصال وتحقيق الحلم الكردي التاريخي.
يبدو أيضا أن الروس، اختاروا عدم إغضاب الأتراك، لأنهم يرون فيهم مشروعا لحليف استراتيجي، ويحلمون بسلخهم عن الاميركيين وعن حلف شمال الأطلسي (مع صعوبة هذا الحلم طبعا)، وهم (الروس) يجدون أيضا أن لتركيا دورًا فاعلًا وأساسيًّا في إكمال التسوية السورية تبعا لمخرجات مؤتمر استانة واهمها اتفاق مناطق خفض التصعيد، وكما اقترحوا على الجيش العربي السوري تخفيف اندفاعته الأخيرة نحو عمق ادلب بعد تقدمه الناجح في ريفها الجنوبي، تجنبا للصدام مع الوحدات التركية، خاصة بعد مسارعة الأخيرة لتثبيت نقاط المراقبة على مداخل منطقة خفض التصعيد (ادلب الكبرى)، فإنهم (الروس) يمكن أن يكونوا قد اقترحوا أيضا على الجيش العربي السوري تخفيف اندفاعته نحو عفرين، وذلك لتحقيق:
– ضغط اكبر على الاكراد، يدفعهم لقبول ما لم يقبلوه بداية وخاصة تسليم اسلحتهم الثقيلة الى الجيش العربي السوري، وتفكيك منظومتهم الادارية في عفرين.
– إظهار حسن نية لتركيا، تدفعها أيضا للضغط أكثر على مسلحي ادلب والغوطة الشرقية، الأمر الذي سيسهل مهمة وأهداف الدولة السورية في تنفيذ اتفاق خفض التصعيد، والذي طالما عارضته وعرقلت تنفيذه الولايات المتحدة الاميركية لأنها خارجه.
في النهاية، يبقى للجيش العربي السوري المناورة الأنسب كما يراها، والتي تؤمن استكمال توسيع سيطرته وتحرير ما تبقى من الجغرافيا السورية، وحيث ترى الدولة السورية، وكما كانت دائما ترى، ان الافضلية تبقى في السير بأية تسوية مع اية مجموعة مسلحة تظهر عن حسن نية في العودة الى حضن الوطن، فهي (الدولة السورية) تعتبر ان عفرين منطقة سورية بامتياز وستعمل ما هو مناسب لحمايتها وإعادتها الى حضن السيادة السورية.