كيف قاد ابن سلمان السعودية إلى صدارة الدول الأكثر بؤسًا في العالم؟

موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || IUVM Arabic

حلت المملكة العربية السعودية ضمن قائمة الدول العشرة الأولى الأكثر بؤسًا في العالم هذا العام حسب “مؤشر البؤس” السنوي الصادر عن وكالة “بلومبيرغ” العالمية الذي يقيس مدى البؤس فيما يقرب من 66 دولة وفق عدد من المحددات والمعايير على رأسها مدى شعور مواطني تلك الدول بجودة الحياة ورضاهم عن السياسات المتبعة.

 

المملكة تراجعت في مؤشر هذا العام بمعدل أربع مراتب لتحتل المركز العاشر بعدما كانت في المرتبة الرابعة عشر العام الماضي، محققة بذلك قفزة كبيرة في التراجع في مستوى البؤس قياسًا بما كانت عليه قبل ثلاث سنوات وبالتحديد في 2014 حين احتلت المركز السابع والأربعين عالميًا.

 

تساؤلات عدة فرضتها نتائج هذا المؤشر عن الدوافع التي قادت السعوديين إلى هذه الحالة غير المسبوقة في تاريخهم، ودور سياسات ولي العهد محمد بن سلمان، في الوصول إلى هذه المرحلة الحرجة التي تنافس فيها المملكة الدول الأكثر فقرًا في العالم.

 

الاقتصاد الضاغط

 

التراجع الملحوظ في تصنيف السعودية وفق مؤشر “بلومبيرغ” اعتبره الكثير من المحللين دلالة واضحة على أزمة الاقتصاد السعودي الذي بات أحد أبرز الاقتصادات الضاغطة على المواطنين والمقيمين على حد سواء في محاولة للخروج من عنق الزجاجة بعد التدهور الذي شهده خلال السنوات الأخيرة، وذلك رغم وعود الإصلاح التي حملتها رؤية 2030 وما أثارته من جدل.

 

عاد الاقتصاد السعودي للانكماش مرة أخرى بعد ركود قطاع النفط وتأثر الحكومة بسياسات التقشف التي تهدف إلى تقليص العجز في ميزانية الدولة بسبب انخفاض أسعار النفط، وذلك وفق تقديرات الوكالة الاقتصادية الأمريكية، حيث أظهرت النتائج أن الناتج المحلي الإجمالي الذي تم تعديله لمواجهة التضخم، تقلص بنسبة 2.3% عن الربع السنوي السابق في الفترة من أبريل/نيسان إلى يونيو/حزيران بعد أن تراجع 3.8% في الربع الأول.

 

وفي تقرير للوكالة نشرته في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أشارت إلى أن التغيير الذي يقوم به ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لن يتماشى مع القدرات الاقتصادية للمملكة، وقد يصطدم مع بيئتها الاجتماعية، وكذلك مع الأسرة الحاكمة التي تخشى من تهمشيها مع هذا التغيير.

 

البعض قد يرى ضرورة ملحة للتغيير الذي يقوده ابن سلمان إلا أنه في المقابل هناك حاجة ماسة لتوخي الحذر في الوقت ذاته، بحيث لا يؤدي هذا التغيير الذي يهدف إلى تحقيق الاستقرار على المدى الطويل إلى فقدان الاستقرار وإثارة عدم التوازن في المدى القصير، حسبما أشار لويد بلانكفين الرئيس التنفيذي لمجموعة “غولدمان ساكس”، في منتدى الأعمال العالمي بلومبيرغ في نيويورك، سبتمبر/أيلول الماضي.

 

الأرقام لا تكذب

 

تعكس الأرقام الرسمية الصادرة عن المؤسسات الحكومية السعودية عن الحالة الاقتصادية والمعيشية للمواطنين السعوديين حقيقة ما وصلت إليه الأوضاع بصورة واقعية خلال الآونة الأخيرة، حيث تشير التقديرات إلى أن نحو مليون شاب سعودي يبحثون عن وظيفة، فيما ارتفعت معدلات البطالة من نحو 11.5% في عام 2015 إلى 12.3% في 2016، وبلغ 12.8% في 2017.

 

كما توقعت مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي) ارتفاع معدل التضخم في البلاد خلال الربع الأول من العام الحاليّ، مشيرة إلى أنه ارتفع بنسبة 0.1% بالربع الرابع من عام 2017 مقارنة مع الفترة المناظرة من 2016، مرجعة ذلك إلى تطبيق بعض برامج الإصلاح الاقتصادي ممثلة بضريبة القيمة المضافة بواقع 5%، وتعديل أسعار الطاقة المباعة بالسوق المحلية.

 

للعام الرابع على التوالي، تعاني المملكة من عجز واضح في ميزانيتها المالية، حيث وصل العجز خلال العام الماضي إلى 32.4 مليار دولار، حسبما أعلنت وزارة المالية السعودية التي أشارت في تقريرها الصادر عن مؤشرات أداء الميزانية العامة للمملكة، أن الإيرادات المالية للعام الماضي حتى نهاية سبتمبر/أيلول الماضي بلغت 450.1 مليار ريال (120 مليار دولار)، بزيادة 23% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، بينما بلغت المصروفات 571.6 مليار ريال (152.4 مليار دولار)، مسجلة ارتفاعًا طفيفًا بنسبة 0.4% مقارنة بالعام السابق، ومثلت المصروفات ما نسبته 64% من إجمالي الإنفاق السنوي.

 

كما أنه وللمرة الأولى تعتمد السعودية سياسة الاقتراض من الخارج كإستراتيجية للخروج من الأزمة الاقتصادية التي تواجهها خلال السنوات الأخيرة، حيث توقّع “بنك أوف أميركا ميريل لينش” الأمريكي أن تتصدر السعودية قائمة إصدارات أدوات الدين السيادية عالميًا خلال 2018، ووفقًا لتقرير أصدره البنك فإن أكبر الإصدارات في 2018 ستكون من جانب السعودية بقيمة 20 مليار دولار.

 

التقشف.. الحل الأسرع

 

دفع ارتفاع العجز في الميزانية العامة للمملكة خلال السنوات الأربعة الماضية، الناجم عن تراجع عائدات النفط بسبب انخفاض أسعاره، الحكومة السعودية، إلى إطلاق حزمة من الإجراءات التقشفية الواسعة في بعض القطاعات بهدف تقليل الإنفاق إلى حد ما، حيث اعتمدت السياسة التقشفية الجديدة على تخفيض الدعم للمحروقات والكهرباء والماء وبعض السلع الأساسية الأخرى، وربما إلغاؤه كليًا، بالإضافة إلى دراسة إمكانية فرض ضرائب على الدخل والتحويلات الخارجية بالنسبة للأجانب، وزيادة بعض الرسوم على تجديد الإقامات ورخص القيادة والخدمات البيروقراطية الرسمية الأخرى.

 

البداية كانت مع زيادة أسعار الوقود، وفق خطة تم اعتمادها في 29 من ديسمبر/كانون الأول 2016 ليبدأ تطبيقها الفعلي الأول من يناير/كانون الثاني 2017 في إطار سياسة مراجعة الدعم الحكومي للمشتقات النفطية والكهرباء والمياه التي راعت التدرج في التنفيذ خلال 5 سنوات ثم تلتها زيادة أخرى في 12 من ديسمبر/كانون الأول 2017، تلك التي كانت الأكبر في تاريخ المملكة، إذ تخطت المراحل الانتقالية السابقة التي كانت تلجأ فيها السعودية إلى فرض زيادات بين الحين والآخر، حيث تراوحت نسبها ما بين 82% في بعض المشتقات لتصل إلى 126% في مشتقات أخرى.

 

في أكتوبر/تشرين الأول 2016 كانت الإرهاصات الأولى لسياسة التقشف التي اعتمدها محمد بن سلمان، وذلك حين أصدر مجلس الوزراء السعودي قرارًا بتخفيض مزايا موظفي الدولة البالغ عددهم مليون و250 ألف موظف من إجمالي عدد الموظفين السعوديين البالغ 5 ملايين و600 ألف موظف، حيث قرر إلغاء بعض العلاوات والبدلات والمكافآت، وخفض رواتب الوزراء ومن في مرتبتهم بنسبة 20%، كما خفض مكافآت أعضاء مجلس الشورى بنسبة 15%.

 

وبخلاف طرح المملكة لمجموعة من سنداتها الدولية للبيع في محاولة لسد العجز، لم تترك الحكومة بابًا يخفض من نفقاتها أو يزيد من دخولها إلا وطرقته، حتى وصل الأمر إلى استهداف العمالة الأجنبية لديها، من خلال ما سمي بـ”المقابل المالي” على الوافدين، هذا بخلاف استهداف بعض أعضاء الأسرة المالكة وكبار رجال الأعمال لمساومتهم للحصول على بعض أرصدتهم المالية.

 

ففي 16 من ديسمبر/كانون الأول 2017 كشفت وزارة المالية السعودية تنفيذ خطة جديدة تستهدف تحصيل ضريبة مالية على العمالة الوافدة تتراوح بين 300 و400 ريال (80 إلى 106.7 دولار) شهريًا، اعتبارًا من أول 2018، تهدف من خلالها إلى تحقيق عائد يصل إلى 65 مليار ريال (17.5مليار دولار) تقريبًا خلال أربعة أعوام من الآن.

 

كذلك ساهمت الخسائر التي تتكبدها السعودية في جبهاتها المفتوحة خارجيًا على رأسها اليمن وسوريا، في تعميق الأزمة وإجهاد ميزانيتها بصورة كبيرة، انعكست بشكل أو بآخر على المواطن السعودي الذي بات يتحمل كلفة وضريبة أجندة ولي العهد الخارجية.

 

وقد خلص التقرير إلى أن الاقتصاد السعودي والمصري الذي يحتل المركز الرابع عالميًا في “مؤشر البؤس” باتا من أكثر الاقتصادات في العالم ضغطًا على مواطنيها، وهو ما انعكس بصورة سلبية على نظرة مواطني الدولتين للأنظمة الحاكمة وسياساتها المتبعة من جانب، ومدى رضاهم عن واقعهم المعيشي من جانب آخر، وهو ما كشفه المؤشر السنوي هذا العام

قد يعجبك ايضا