واقع أردني وحلم سعودي… لمن ستكون الوصاية على القدس؟!
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || الوقت التحليلي
القدس عاصمة فلسطين الأبدية، والقبلة الأولى للمسلمين ورغم كل هذه الأهمية الدينية التي تحتلها في العالمين العربي والإسلامي، تحلم القدس بأن تُمدّ لها يد العون من العرب والمسلمين ليساهموا في إيقاف نزيف دمائها الذي يزداد يوماً بعد يوم بسبب تراخي الكثيرين من العرب وتقاعسهم عن نصرة القدس وأبنائها وذلك بسبب وقوعهم تحت تأثير وتخدير “غاز التطبيع السام”، الذي يستهدف إضعاف الصوت المقاوم الحامي للحقوق الدينية والتاريخية لمدينة القدس.
وتعيش الأوساط المقدسية حالة من الجدل الكبير هذه الأيام حول قضية القدس والوصاية الإسلامية عليها، فمن المعروف أن الأردن (الهاشميون) هو الوصي على المقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين منذ عام 1924 إلى يومنا هذا، وهو ما لم يرق للملوك السعوديين المتعاقبين، الذين يعتقدون أنهم الأحق بأن يكونوا الأوصياء الأساسيين للأوقاف الإسلامية في المنطقة بحكم وجود الكعبة الشريفة ومرقد النبي محمد (ص) في السعودية، ومن هذا المنطلق حاول ملوك آل سعود نقل الوصاية لهم بشتى الطرق الملتوية لكنهم فشلوا في تحقيق ذلك، إلى أن أتى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ” محيي الشريعة الوهابية” كما يصفه السعوديون وأعاد طرح هذه المسألة من جديد مجرياً اتصالات مكثفة مع زعماء الطوائف الإسلامية والمسيحية وشخصيات قيادية من حركة فتح للقائه في الرياض بغرض البحث في وصاية السعودية لمدينة القدس.
خطة بن سلمان للاستيلاء على القدس
وفي هذا السياق قالت أوساط دينية في مدينة القدس إن السعودية قد قامت بالفعل بالاتصال بشخصيات إسلامية ومسيحية (غير معروفة في أوساط المقدسيين)، وقامت بدعمها بالأموال من أجل فرض نفسها كرموز دينية مهمة ستلعب دوراً في المستقبل عبر إقناع الشارع المقدسي بقبوله الوصاية السعودية على القدس، إضافة إلى دعمها لهيئات ومؤسسات دينية فلسطينية جديدة تحمل شعار الوصاية للـ “السعودية أو السعودية”.
ويقول محللون سياسيون في الشأن الفلسطيني إن السعودية تسعى إلى فرض الوصاية على القدس وذلك من أجل توثيق العلاقات مع الجانب الإسرائيلي خاصة بعد وصول محمد بن سلمان إلى ولاية العهد في السعودية وتحكمه بزمام الأمور في البلاد، كما تهدف من ذلك إلى تصفية القضية الفلسطينية ضمن ما بات يعرف بصفقة القرن.
ومن أجل تحقيق ذلك تستغل السعودية المعاناة الاقتصادية التي تعاني منها الأردن لسحب وصايتها عن مدينة القدس بالقوة، حيث من المعروف أن السعودية تمتلك استثمارات تجارية كبيرة في الأردن تقدر بأكثر من 13 مليار دولار.
مطالبات إسرائيلية بوصاية سعودية
وما بين موقفي السعودية الغامض والأردني المتريث حول الوصاية الإسلامية للقدس، دخل الإسرائيلي على الخط بشكل كبير داعياً إلى نقل الوصاية على القدس للسعودية، وجاء ذلك على لسان إسحاق هرتسوغ، زعيم المعارضة وعضو الكنيست الإسرائيلي عن حزب العمل، أمس الثلاثاء، قائلاً إنه “يمكن للسعوديين أن يأخذوا جزءاً من المسؤولية عن المسجد الأقصى”، واصفاً محمد بن سلمان بـ “الملك الذي يصنع مجداً جديداً في المنطقة”.
وفي هذا السياق، يقول محللون فلسطينيون إن اليمين الإسرائيلي يعتبر الوصاية الهاشمية على المقدسات من أكبر التحديات التي يواجهها الكيان الإسرائيلي، وتم طرح التخلص من هذه الوصاية منذ حكومة نتنياهو الثالثة. ويضيف المحللون إن اليمين الإسرائيلي يسعى لتحقيق ذلك عبر اعتماده على 3 نقاط، هي المماطلة في المفاوضات وفرض الأمر الواقع، ودق الأسافين، واعتبار أن الفرصة سانحة لإثارة خلاف بين الأردن والسعودية مستغلين التقارب السعودي-الإسرائيلي.
صراع قديم متجدد
إن الصراع السعودي الهاشمي ليس وليد اللحظة فكما ذكرنا سابقاً، فقد طرد الملك عبد العزيز آل سعود الهاشميين من الحجاز وقضى على طموح جدهم الحسين بن علي الذي وعدته به إنجلترا وهو أن تقوم بتعيينه ملكاً على العرب إن هو ساعدها في القضاء على الخلافة الإسلامية. ولم يكتفِ ملوك آل سعود بذلك بل كرّسوا قوتهم في سبيل توسيع نفوذهم في المنطقة والتحكم بالدول “السنية” التي من حولها، وفي سبعينيات القرن الماضي، عرضت السعودية مبلغ 100 مليار دولار؛ مقابل أن يرفع العلم السعودي على المنطقة، لتأتي بعدها كلمة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في القمة الإسلامية التي عقدت في الرياض العام الماضي، لتثير حفيظة ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز والتي صلى فيها العاهل الأردني على النبي قائلاً:” والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي العربي الهاشمي الأمين”، ما دفع الملك سلمان لمقاطعته بالقول “محمد صلى الله عليه وسلم”، قائلاً: “هكذا تكون الصلاة عليه”. ليأتي بعدها اعتقال عماد الاقتصاد الأردني، رجل الأعمال “صبيح المصري” كنوع من الرد على العاهل الأردني وتوجيه رسالة قوية للأردن مفادها أن الوصاية على القدس تحول دون منح القدس بعداً إسلامياً بغية تقديمه كوجبة جاهزة لترامب.
ختاماً، يطمح بن سلمان بأن تصبح السعودية الدولة الأولى والوحيدة الممثلة لحقوق المسلمين أجمع في المنطقة خصوصاً الدول السنية منها، كما يريد ضبط إيقاع هذه الدول بمواجهة محور المقاومة من اليمن إلى إيران فالعراق مروراً بسوريا وصولاً إلى لبنان، ويرى بن سلمان أن الأردن بقدراته العسكرية وموقعه الجغرافي بين سوريا وفلسطين الأقرب إلى أن يقود هذه المعركة تحت لواء السعودية، ومن أجل تحقيق ذلك يجب عليه إحكام الوصاية بقوة على جميع مقدسات المسلمين لينال تأييد جميع المسلمين في أي معركة مقبلة مع إيران ومحور المقاومة في المستقبل.