عن المناورة الدبلوماسية الشرسة بمواجهة الهيمنة الأميركية على منظمة الأمم المتحدة
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || العهد الاخباري
لم تكن المناورة الدبلوماسية التي خاضتها سوريا وحليفتها روسيا مؤخرا، وحضنت المباحثات والنقاشات الحساسة التي رافقت التحضير لدراسة وإقرار مجلس الأمن الدولي لقراره الأخير رقم 2401، حول هدنة انسانية لمدة شهر على الأقل في كافة المناطق السورية، مختلفة كثيرا عن المناورة العسكرية والميدانية التي يخوضها الجيش العربي السوري، مدعوما ايضا من روسيا وحلفائها في معركة مواجهة الارهاب وتحرير سوريا منه، منذ اكثر من سبع سنوات تقريبا.
من خلال متابعة حيثيات ووقائع تأخير التصويت على القرار المذكور، لناحية ما وضعه مندوبا الدولتين السورية والروسية من نقاط على الحروف، في مواجهة ومهاجمة وتشريح حيثيات ومعطيات القرار بنسخته البدئية قبل التعديل، تستطيع ان تستنتج، وكما في الكثير من القرارات الأممية، حجم الانحياز الدولي للمشاريع التي تخطّها الولايات المتحدة الأميركية في كل مكان تقريبا.
عندما تستمع الى مقاربة السيد فاسيلي نيبينزيا مندوب روسيا الدائم في الأمم المتحدة، حول البروباغندا الدولية الموجهة غربيا وتحديدا اميركيا، من التمييز في معايير استغلال المدنيين واستهدافهم في الحروب عامة وفي سوريا بشكل خاص أيضا، الى تجاوز القانون الدولي لناحية التدخل في شتى أصقاع العالم دون موافقة الأمم المتحدة، او دون موافقة الدولة المُتَدَخَل فيها صاحبة السيادة، كما يفترض هذا القانون وشرعة الأمم المتحدة، تستطيع أن تستنتج خطورة الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة الاميركية، في إدارة واستغلال وتوجيه النزاعات في العالم خدمة لسياساتها ولمصالحها.
عندما تتابع بدقة وبموضوعية منهجية الدكتور بشار الجعفري مندوب سوريا الدائم في الامم المتحدة ايضاً، في مقارنته واستنتاجه للازدواجية الأميركية بين منطقة وأخرى او بين دولة وأخرى، في استغلال المدنيين لتنفيذ ضغوط ديبلوماسية وسياسية وعسكرية، تستنتج الانتقائية البغيضة التي تمارسها الادارة الأميركية في خلق ومقاربة النزاعات في العالم، وحيث أحرج ممثل الدبلوماسية السورية وكعادته، مندوبي الدول الاخرى المعروفين بعدائيتهم للدولة السورية وبانحيازهم الدائم لمشروع استهدافها، منذ دعموا الارهابيين وسمحوا باستباحة الارض السورية لجحافل المجموعات الارهابية من كافة اقطار العالم، لم يستطع احد من هؤلاء المندوبين ان يرد او ان يواجه، لا بالمنطق المفترض ولا بالحجة القانونية او الطبيعية، ما اورده من نقاط ووقائع، اظهرت وثبتت التجاوز الواضح للقانون الدولي وللمنطق السيادي الذي يقاربون فيه باغلبهم الازمة السورية.
كيف يفسر هؤلاء المندوبين، او حتى مسؤولي الامم المتحدة ومجلس الامن، سقوط الالاف من المدنيين من الاطفال والنساء في اليمن، وبطريقة متعمدة ومقصودة من التحالف العربي الدولي، دون اي تحرك ولو تحت شعار “ادانة انسانية”، ان لم نقل قرار اممي من مجلس الامن، يدين او يمنع او يتحفظ، بالحد الادنى، على تلك المجازر؟
كيف يفسر هؤلاء المندوبين، والحريصين كما يفترض، على المدنيين في كل مكان، سقوط عشرات الآلاف من المدنيين بقذائف التحالف الاميركي وبصواريخه الموجهة والذكية في الرقة، عند معركة مهاجمة داعش فيها، في الوقت الذي انتهت تلك المعركة بتدبير أميركي – أممي، لسحب عناصر التنظيم وتأمين حمايتهم وإيصالهم الى مناطق آمنة، ليتمددوا منها ولينتشروا لاحقا كما تقضي مناورة التحالف المذكور؟
كيف يفسر هؤلاء المندوبين أيضا، سقوط عشرات الآلاف من المدنيين في منبج، وايضا بصواريخ التحالف الذي “يحارب داعش” كما يُفترض استنادا لتسميته، لتنتهي المعركة بخروج آمن لعناصر التنظيم وبآليات غربية، نقلتهم الى شرق دير الزور، في الميادين وغيرها، وتجهيز خط مدافعة قوي تحت انظار طائرات التحالف “الذي يحارب الارهاب” ايضا، لمواجهة وتأخير تقدم الجيش العربي السوري وحلفائه لتحرير تلك المناطق من سيطرة التنظيم الارهابي المذكور؟
كيف يفسر ايضا مندوبي تلك الدول المتواطئة في الحرب على سوريا، سقوط عشرات الاف المدنيين في العاصمة السورية، ومن مختلف الانتماءات السياسية والمذهبية والطائفية، بقذائف مسلحي وإرهابيي الغوطة الشرقية، دون أي تحرك أو قرار أو متابعة من مجلس الامن ومن الأمم المتحدة؟
طبعا، لن يجد هؤلاء المندوبين الدائمين تفسيرا منطقيا وواقعيا لتلك التساؤلات، وهم في الحقيقة لا يبحثون في قانونية او عدم قانونية تلك الوقائع المذكورة، لأن ما يهمهم فقط هو تكوين ملف يضغطون به على روسيا وعلى سوريا، ملف تستطيع الولايات المتحدة الاميركية من خلاله ان تعرقل او تعيق التقدم الذي يحرزه الجيش العربي السوري وحلفائه في معركتهم المفتوحة ضد الارهاب.
واخيرا، هؤلاء المندوبين ومن يمثلون، لا يرون من الغوطة الشرقية، او من العاصمة دمشق، او من ادلب، او من عفرين، او من الكثير من المناطق السورية، ومن معاناة ابنائها، الا وسيلة للتصويب على سوريا الدولة والجيش والنظام، وهم لا يبحثون الا في ابقائها ثغرة بوجه التفاوض والتسويات، ولا يحبذون ان تكون مثل غيرها من المناطق التي سلكت فيها المفاوضات وانتجت حلولا واقعية، لكي يعيش أبناؤها بسلام وبامان بانتظار التسوية الكبرى النهائية في سوريا، والتي سوف تحصل عبرها جميع مكونات الشعب السوري على حقوقها الصحيحة.