الصبر شيء أساسي في طريق الله للحصول علي الفَرَج
موقع أنصار الله || من هدي القرآن ||
{قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (الأعراف:128) هنا يبين كيف أنهم النوعية هذه ناس يقدمون أنفسهم وكأن الطرف الآخر الذين هم المصلحون في الواقع إنما يريدون إخراج الآخرين، يريدون الإفساد في الأرض بطريقة ليس هناك ما يدل عليها نهائياً. إذاً فعندما يصغي لهم الناس سيهلكونهم؛ لأن رسالة موسى ما كانت فقط إلى فرعون، إلى فرعون وإلى المجتمع بكله.
{قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} (الأعراف:129)، أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا، هنا يذكرهم موسى بأن نفس الأذية القائمة الآن عندما تصبروا ستنتهي إلى شيء عظيم جداً، {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}، هذا يبين بالنسبة لموسى أنه يعرف وضعية قومه، يعرف حالتهم، فبعد ما قالوا: {أوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا}، هي عبارة قاسية هذه، نحن ملان مشاكل من قبل ومن بعد، عارف بحالتهم قال لهم {اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا} ويعطيهم أملاً {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ .. }.
{وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} (الأعراف:130) كما قال سابقاً أنها سنة لديه أن يصيب الأمم ببأساء وضراء لعلهم يضرعون، كذلك بالنسبة لآل فرعون أرسل عليهم أشياء كثيرة، وبدوا على هذا النحو: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ} (الأعراف: من الآية131) نحن جديرون بها {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ} (الأعراف: من الآية131) ما أصابهم هو من عند الله، وأساسه وسببه من عندهم. {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين} (الأعراف: من الآية131) نعوذ بالله من الضلال كيف يصل، العبارة هذه سيئة جداً، اقنع لسنا مؤمنين بأي شيء تأتي به نهائياً، تعتبر خسارة كبيرة على أنفسهم.
{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائيلَ} (الأعراف:134) وهذا عهد، هو قال سابقاً: {وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ} (الأعراف: من الآية102).
{فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} (الأعراف:136)، عندما تلحظ بالنسبة لجماهير الناس الذي جعلهم على هذا النحو، كونهم منشدين إلى ماذا؟ إلى كبار الدولة فرعون وملئه، أما بالنسبة للمجتمع إذا فهم المسألة وما يتعلق بهؤلاء الكبار الذين هم مضلون فممكن يؤمنون، ممكن يستجيبون، لكن خنقوا نفوسهم بماذا؟ عندما ربطوا أنفسهم بكبار العشائر، مثلما ذكر بالنسبة لقوم نوح، ومن يخنقون أنفسهم بالملك، وملئه: كبار رجال الدولة.
قد يكون من مظاهر هذه التي تحصل عند الناس، وقد تناولناها في آيات سابقة، المقارنة، فهم يرون مثلاً الملأ كبار الشخصيات في المجتمع ناس لهم ثقلهم، وناس عندهم إمكانياتهم، فيكون عندهم أن هذا ربما إذا اتبعوه فيمكن يقعون في إشكاليات كبيرة، أو ربما ما عنده ما ينجذبون إليه من الناحية المادية، باعتبار ما يتعلق بالمقام الاجتماعي، وما يتعلق بالإمكانيات، كذلك المصريين يقارنون ما بين موسى بما هو عليه، ليس لديه جنود، ما عنده ملك، ما عنده إمكانيات مادية، وما عليه فرعون! هنا يبين في هذه القصة الأولى مما ذكر من الأمم هذه كلها، من كان مجتمعا عشائرياً، أو مجتمع دولة، أن هؤلاء ينتهون بأتباعهم إلى الخسارة، يخسرون، ينزل عليهم العذاب، ويكونون هم في مقدمة من يهلك.
هذه الحالة ما زالت قائمة عندما تتمعن الناس، قائمة في الناس إلى الآن، المقارنة بين من يدعونهم إلى الهدى، يكون عندهم ماذا يمكن أن يقدم، مع أنه في القرآن يقدم بأن أولئك الذين كانوا يدعونهم إلى الهدى، إتضح بأنهم كانوا ينجون هم ومن آمن معهم، والآخرين الذين كانوا يعتبرون أنهم يشكلون حماية، يشكلون وقاية لمكانتهم وممتلكاتهم أنهم الذين يؤدون بهم إلى الخسارة، ألم يتضح من خلال ما سرده من القصص هذه؟.
{فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} (الأعراف:137)، هذه ترد في إطار الصور التي تقدمها هذه السورة نفسها، قضية أولياء من دون الله، كيف يكونون في الأخير خاسرين، هم الجماهير الذي يتبعونهم، {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ} من بني إسرائيل الذين عانوا فترة طويلة من هذا العذاب الأليم، تقتيل الأبناء، واستحياء النساء.
لاحظ موسى ذكَّر بني إسرائيل لم يعطهم عبارة ـ يبدو ـ واضحة تماماً؛ لأنه مطلوب أن يبقى عند الإنسان ثقة بالله {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}، أليس هذا وقع في الأخير؟ فعلاً أورثهم الله مشارق الأرض ومغاربها، وآل فرعون انتهوا، فرعون، وملئه، وكل هؤلاء، كبار الدولة، الذين كانت تقع منهم قرارت سيئة، الذين جعلوه يتخذ هذا القرار فيما بعد: {أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ}، الله جعلهم في الأخير هم يهلكون ويورثهم أرضهم.
{وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ بِمَا صَبَرُوا}. ولاحظ هنا مع أن الله أنقذهم من طغيان شديد، من طغيان قد يكون عند الكثير منهم، ما كأن هناك أي بصيص أمل بأنه ينفك على الإطلاق، فيأتي بطريقة ما دخلوا حتى في مواجهة معهم، هم كانوا مساكين مستضعفين إلى آخر درجة، لم يدخلوا في مواجهة مع آل فرعون، لكن يقول لهم: اصبروا، يجلسون معه كقاعدة جماهيرية له، مؤمنون به، يصبرون، ولكل أمة أجل، كما قال الله سابقاً، وأعطاهم أملاً كبيراً {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}.
الصبر أساسي، الصبر في طريق الله هو الأساس في ماذا؟ في أن يحصل للناس فرج، وهذه هي تعتبر مثالاً واضحاً، فرعون وواقع بني إسرائيل، طغيان في القمة، استضعاف إلى أحط مستوى، حركة لا يوجد معها أي آلية سوى عصا، أليست عصا من البداية؟ عصا من البداية، وتنتهي إلى أنه فعلاً هذا الإنسان الذي كان يراه الفراعنة والمصريون إنسانا فقيراً ولا بيده شيء، أنقذ قومه أمامهم وهم يرونهم، ورأوا أنفسهم في أعماق البحر.
يخلص الإنسان من هذه القصة كلها بأن الناس يتولون الله، كما قرأنا في سورة [المائدة]: {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} (المائدة:56)، عندما يقول: {فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}، قد بين في هذه، ألم يبين كيف من تولوه نجوا، ومن اتخذوا من دونه أولياء كانوا يرونهم كأنهم يشكلون حماية، يشكلون وقاية، يقدمون هدى، وأشياء من هذه، كما كان يقول فرعون لقومه، انتهوا، ضربوا وخسروا في الدنيا وفي الآخرة.
دروس من هدي القرآن الكريم:
[الدرس السابع والعشرون]
ألقاها السيد / حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.
بتاريخ 27رمضان 1424هـ
الموافق 21/ 11/2003م
اليمن ـ صعدة