تركيا والاستنزاف العسكري في ’عفرين’
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية ||سركيس أبوزيد/ العهد الاخباري
العملية العسكرية التركية في عفرين لم تحقق أھدافھا حتى الآن. وبدل أن يتجه الوضع ھناك الى الحسم، فإنه يتجه الى مزيد من التعقيد في ظل اشتباك وتداخل الصراعات والمصالح الإقليمية والدولية، فتركيا باتت في مأزق لا يمكنھا التقدم الى الأمام بعدما تعثرت عمليتھا العسكرية وواجھت عقبات سياسية وميدانية، ولا يمكنھا التراجع الى الوراء، وأي خطوة من ھذا القبيل ستكون بمثابة انسحاب من الملف السوري الحدودي وھزيمة سياسية لأردوغان.
وبعدما واجھت تركيا مشكلة في الدعم الأميركي للكرد ووصلت في تھديداتھا الى حد التلويح بتوسيع العملية باتجاه منبج حتى لو أدى الأمر الى مواجھة مع القوات الأميركية التي لھا “وجود رمزي” في ھذه المدينة، فإن تركيا تواجه حاليا مشكلة ثانية في دعم النظام السوري للكرد.. ھذا الدعم بدأ من خلال سماح النظام بمرور المساعدات الكردية (مقاتلون، أسلحة، أغذية، وأدوية) الى عفرين عبر مناطق سيطرته وانتھى الى اتفاق على دخول قوات تابعة للنظام الى عفرين لتسلمھا، فتصبح المواجھة إذ ذاك سورية – تركية.
ھدف تركيا من ھجومھا العسكري ھو إنشاء في القطاع الكردي السوري “منطقة آمنة” يصل عمقھا إلى حوالى 30 كلم، لتجنّب إنشاء “فدرالية المناطق الكردية المستقلة”. وتحارب أنقرة المشروع الكردي الذي يستهدف ربط “كانتون” عفرين بكانتون كوباني وإقليم الجزيرة.
الھجوم التركي خلط الأوراق مجددا
من جهة يضع الأكراد أمام خيارين بين أن يقبلوا التعاون مع الحكومة السورية أو الرضوخ لأردوغان، ومن جھة ثانية يمد النظام السوري بجرعة انتعاش وھو يتلقى العروض من الجھتين: من الأكراد الذين يعرضون عليه دخول مناطقھم، ومن تركيا التي تعرض عليه صفقة الاعتراف به مجددا مقابل التعاون ضد الأكراد.. حيث شرعت أنقرة في مد جسور التواصل مع الرئيس الأسد بعدما نمي إلى علمھا معلومات عن تفاھمات يتم التحضير لھا بين الأسد وموسكو وواشنطن وطھران، بغرض دعم الأكراد عسكرياً في مواجھة الھجوم التركي، بما يتيح إطالة أمد عملية “غصن الزيتون” على النحو الذي يفضي إلى استنزاف القوات التركية عسكرياً داخل الأراضي السورية.
في الواقع، دفع أردوغان الاكراد باتجاه أحضان النظام السوري ووضعھم أمام ثلاثة خيارات كلھا صعبة وسيئة:
الأول ھو المقاومة والقتال حتى النھاية، مما يدخل تركيا في حرب مكلفة ومدمرة و”انتحارية”.
والثاني ھو الاستسلام لتركيا.
والثالث ھو التفاهم مع النظام السوري.. وطبيعي أن يعتمد الاكراد الخيار الثالث وأن يفضلوا الرئيس الأسد على أردوغان، ليكون الاتفاق المبرم بين الأكراد ودمشق مفاجأة معركة عفرين ونقطة تحول فيھا، في وقت كانت تركيا منھمكة بإبرام اتفاق مع الأميركيين حول منبج. لكن ھذا الاتفاق ما زالت ملامحه غير واضحة وغير مكتملة.. من جهة قُوبل برفض أنقرة لأنه يساھم في تقويض الحملة التركية وإفشالھا، ومن جهة اخرى واجه معارضة روسية لأنه يطيح عملية التنسيق القائمة بينھم وبين الأتراك.
بعد التجارب المرّة يبدو أن كرد سوريا ثبت لھم، بما لا يدع مجالاً للشك، أن موسكو وواشنطن لا يمكن أن تضحيا بالحليف التركي من أجلھم.
لكن في الواقع الخلاف التركي – الأميركي مستمر وقد تجلى في اكثر من مسألة منها: أزمة قطر، الاستفتاء في شمال العراق، نقل السفارة إلى القدس، الدعم العسكري الأميركي لحزب الاتحاد الديمقراطي. وھناك اعتقاد بأن العلاقات الأميركية التركية دخلت أرضا مجھولة، وربما وصلت الى مرحلة يستحيل فيھا إصلاحھا. صحيح أن واشنطن أبدت قلقھا من العملية التركية في عفرين، ولكنھا تسعى الى الموازنة بين دعم الأكراد وبين إنقاذ العلاقات مع تركيا.
ھامش المناورة يضيق، وھي الآن أمام مفترق طرق.
تشكل التطورات في عفرين رسما جديدا لحدود الصراع على سوريا وفي سوريا، وسط تقاطع للنفوذ والأدوار بين جميع اللاعبين الدوليين والإقليميين. إلا أن الولايات المتحدة في ظل الإدارة الحالية متمسكة بلعب دور متقدم في الصراع السوري، بحجة تلافي الأخطاء والتراكمات التي حدثت إثر الانسحاب من العراق مع ما استتبعه ھذا القرار من تراجع الدور الأميركي، وتقدم النفوذ الإيراني بشكل واضح
من جهة اخرى، وردا على التخبط الاميركي، وجدت تركيا نفسھا قبل سنتين مرغمة على الانجرار نحو موسكو وطھران بعيد اً من علاقاتھا التاريخية مع دول “الناتو”، فأكبر المستفيدين من مواجھة أميركية – تركية ھو فلاديمير بوتين الذي ينتظر بفارغ الصبر انفجار العلاقات بينھما وتقويض الناتو.
لكن رغم التوتر في الشراكة التركية – الأميركية، ورغم قلق دول الناتو من انتھاك الحكومة التركية حقوق الإنسان وتقويض القضاء والإعلام، ليس في مقدور واشنطن التفريط بتركيا وخسارتھا، والمصلحة الاستراتيجية الأميركية تقضي في بقاء تركيا في حلف شمال الأطلسي. ولكن يبقى أن أبرز الأھداف الاستراتيجية الأميركية في المنطقة، ما عدا دعم “إسرائيل”، ھو صون العلاقات مع تركيا.. لذلك، هل تتمكن واشنطن وأنقرة من إيجاد تفاھم حول عفرين؟ هذا ما سوف نشهده قريبا.