لا تطلب العلم وأنت ترى نفسك أنك تحمل نفسية ضعيفة

موقع أنصار الله || من هدي القرآن ||

نحن نقول: هذه حالة سيئة حتى عند من يحملون الدين، واسم الدين أنه إذا كنت تطلب العلم وأنت ترى نفسك أنك تحمل نفسية ضعيفة، لا تقـرب العلم، لا تتعلم لتصبح في نظر الآخرين رجل دين، وحامل علم يُقتَدَى به؛ إنك حينئذٍ من سيصبغ دينه بضعفه، من سينعكس ضعفه على مواقفه الدينية، لا يجوز هذا حتى في العمل لله.

الذين يحملون رسالات الله هم نوعية معينه من قال الله عنهم: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ} (الأحزاب: من الآية39). وكم عانت الأمة قديمًا وحديثًا ممن حملوا اسم الدين، وحملوا العلم علم الدين ولكنهم بأنفسهم الضعيفة انعكس ضعفهم كله على الدين فأضعفوا الدين في نظر الأمة، وأضعفوا الدين في واقع الحياة، وأضعفوا الأمة أيضًا بضعف نفوسهم، وكل ذلك بسبب ماذا؟ بسبب أن نفوسهم ضعيفة.

بل نحن نقول أحيانًا: أنه لا ينبغي لك أيضًا أن تجامع زوجتك في فترة يحتمل أن تحمل منك وأنت في حالة تحس بأن نفسيتك ضعيفة وهزيلة، ستنجب مولودًا ضعيفًا هزيلًا في روحيته ونفسيته وسينشأ نسخة منك، الضعف يترك أثره في كل شيء، والله أراد لأوليائه أن يكونوا أقوياء، حينئذٍ من تكون مواقفهم قوية من يكون أولادهم أقوياء، ينجبون أقوياء ويقفون مواقف قوية، ويقولون قول الأقوياء، ويتحركون بقوة في كل مواقعهم؛ لأنهم ماذا؟ لأنهم أولياء للقوي العزيز، وكيف يكون الضعيف وليًا للقوي، ويـبقى على ضعفه.

أوليس أي شخص منا إذا ما رأى نفسه أنه أصبح مقربًا عند شخص قوي، عند محافظ أو عند وزير أو عند رئيس أنه يرى نفسه قويًا؛ لأنه يرى نفسه ماذا؟ أنه أصبح وليًا مقربًا من رجل قوي.

الضعيف لا يصدق عليه بأنه من أولياء الله؛ لأن هذا هو شاهد من واقع الحياة، شاهد من واقع الحياة، لو كنت وليًا لله فإنك لا تضعف أبدًا؛ لأنك ولي للقوي العزيز، ولهذا قال في هذه الآية: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحج: من الآية40) وأنتم تسمون أنفسكم أولياء للقوي العزيز، وأنتم تستمدون قوتكم من القوي العزيز. فعندما تضعف فإنك فعلًا بعيد عن الله سبحانه وتعالى.

لاحظ نفسك وجرب نفسك أنك أنت من ضعفت وأنت تدعي أنك من أولياء الله لو جاء رئيس الجمهورية، لو جاء رئيس الوزراء، لو جاء حتى قائد أو محافظ محافظة يقول لك: نحن معك، و تحرك ولا تخف شيئًا نحن سنقف معك بكل ما نملك، ألست سترى نفسك حينئذٍ قويًا، وتنطلق بقوة وتتحدى الآخرين؛ لأنك هنا وثقت بشخص تراه قويًا، لو كانت ثقتك بالله على هذا النحو لكنت قويًا، وعندما تكون قويًا ستكون مواقفك قوية، سيكون قولك قويًا، ستكون رؤيتك قوية، سيكون تحركك كله مصبوغًا بالقوة، بل ستنجب أولادًا أقوياء؛ لأنك تحمل روحيةً قوية، تحمل نفسًا قوية.

أما الضعيف فإنه من يصبغ الحياة كلها بضعفه، ويصبح كل شيء تلمس فيه آثار ضعفه: منطقه ضعيف، مواقفه ضعيفة، إسهاماته ضعيفة، مشاركاته ضعيفة، وكلما يخرج منه ضعيف.

وحينما نُخدع، وتُخدع الدولة، ويُخدع الكبار كما خُدِع الآخرون سنرى أنفسنا في وضع محرج، سنرى أنفسنا في وضع محرج، وحينئذٍ نرى أنفسنا لا نستطيع أن نعمل شيئًا، وإذا ما أردنا أن نعمل شيئًا نكون قد كشفنا واقعنا للآخرين ضعافًا، ويكونون هم من رأوا أنفسهم بأنهم قد غزونا إلى عقر دورنا “وما غُزي قوم في عُقر ديارهم إلا ذلوا”. ما الذي يمكن أن يصنع الناس حينئذٍ؟ لا شيء، ثم من الذي يمكن أن يقف معك حينئذٍ؟ لا أحد.

إن المواقف هي من بداياتها، والناس يفهمون هذا، لو أننا نتصرف مع أعدائنا الكبار كما يتصرف الواحد منا مع عدوه من أسرته أو من أصحابه، ترى كيف التصرفات هنا تكون مبنية على المبادرة والحذر، والاحتمالات كلها لها أثرها، أليس الواحد منا إذا ما دخل في خصومة مع صاحبه يحاول أن يريه وجهه قويًا، وصفعته قوية من أول يوم؟ لماذا؟ قال: [لو أضعف أمامه ويرى أن كلامي رطيب، ويرى أنني هكذا أدَّاراه با يشتحنْ عليّ وما عاد يخاف مني من بعد] ما الناس يقولون هكذا؟ [فمن أول يوم أقلب وجهك له وخليه يراك قوي، وخليه يراك بأنه لا يمكن أن يقهرك].

أليس هذا هو التفكير الذي يحصل عند كل واحد منا في مواجهة خصمه على [مَشْرَب] أو على قطعة أرض أو على أي قضية من القضايا البسيطة؟ لكننا في مواجهة أعدائنا الكبار نقبل الاحتمالات،[عسى ما بَهْ خلة]. والتبريرات أيضًا نركن إليها؛ لأننا لا نحب أن نعمل شيئًا، والتبرير الذي يعزّز قعودي سيكون هو المقبول.

لكن لاحظ أنك ستصل إلى حالة تتحسر فيها، يصل الشعب إلى حالة يتحسر فيها، وحسرة النادم هي حسرة من ضيع نفسه، ضياعًا أصبح يرى نفسه أنه ليس بإمكانه أن يتلافى ما فرط.

لكن إذا ما انطلق الناس ليعملوا فكما قلت سابقًا: العمل هو الضمانة الحقيقية، هو الضمانة لأمن الناس، هو الضمانة لسلامة الناس. ولا أن يترك الناس أنفسهم حتى يصل الوضع إلى أن يصبحوا كالفلسطينيين يستجدون السلام من هنا وهنا، ثم يتأسفون أن العرب لم يعملوا شيئًا، وأمريكا تنكرت لهم، ألم يجدوا العالم كله تنكر لهم؟ ألم يجدوا أنفسهم في وضع لم يستطيعوا أن يؤمِّنوا أنفسهم، ولم يستطيعوا أن يحافظوا على دُوَيْلَة صغيرة كانوا قد فرحوا بها.

الناس سيصلون إلى أوضاع كهذه، تكون كلها حسرة، وسترى أنه لا أحد يقف معك، ثم ترى أنت أنك أصبحت لا تستطيع أن تقف مع أخيك، أن تقف معه بشكل مجاميع، أولسنا نرى الفلسطينيين الآن بشكل أفراد يتحرك فرد واحد فقط وبسرية بالغة من أجل أن يعمل عملًا ما، الناس ضيعوا الفرص التي هي مواتية لأن يتحركوا كمجاميع كبيرة حينها سيرون أنفسهم لا يستطيعون أن يتحركوا إلا أفرادًا قليلين، وبأعمال تبدوا منهكة بالنسبة لهم، وضعيفة النكاية في أعدائهم، هكذا يجب أن نحذر من الحسرة.

فالقرآن الكريم رَبَّانا على أن لا نكون من أولئك الذين يسمحون لأنفسهم وهم يفرطون ويتوانون أن يكونوا من يقولون: [لو أن لنا، لو أن لنا] ألم يأتِ هذا في القرآن الكريم يتحدث عن مواقف المتحسرين النادمين؟ وحتى قد يصل لديهم وعي على درجة عالية {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ} (السجدة: من الآية12) حينها حتى الوعي العالي لا ينفع، تصبح وضعيتك لا يمكن أن تعمل فيها شيئًا.

فرعون ألم يؤمن؟ لكنه آمن في عمق البحر داخل أمواج البحر المظلمة، ألم يحصل لديه وعي عالي {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ} (يونس: من الآية90) ألم يقل هكذا؟ وعي حصل لديه وإيمان حصل لديه لكنه في غير وقته. هكذا القرآن الكريم يعلمنا أنه من يضيع العمل في وقته، أنه من لا يَعِيَ في الوقت الذي ينفع فيه الوعي، أنه من لا يفهم في الوقت الذي يُجْدِي فيه الفهم سيصل به الحال إلى أن يرى نفسه يَعِي، ويُؤمن، ويفهم في الوقت الذي لا ينفع فيه شيءٌ، لا إيمانه، ولا وعيه، ولا فهمه.

يجب أن نفهم الأمور، وأن نقول لكل شخص يريد أن يقول [اسكتوا]: هذه الشواهد من داخل بلادنا، ومن خارجها ماثلة أمامكم يا من يقولون: [اسكتوا] إن واجبكم أن تنطلقوا أنتم، إن واجب الناس الآن هو أن يتحركوا وأن لا يخدعوا.

وأكرر أن لا يصبح الناس كثيري التحليلات، التحليلات يجب أن نتركها، تحليل واحد فقط هو: أن الأمريكيين دخلوا بلادنا من الذي سمح لهم، وأننا نرفض أن يدخلوا، وأننا سنقاوم وجودهم هنا، يجب أن نقول هذا، وهذا هو التحليل الصحيح.

وكل تبرير لوجودهم مرفوض سواء يأتي من عالم، أو من رئيس، أو من قائد، أو من كبير أو من صغير؛ لأن الله تعالى علمنا في القرآن الكريم كل شيء، وهو من يعلم السر في السماوات والأرض وهو العليم بذات الصدور، أما هؤلاء فإنهم من يُخدعون دائمًا، هم من يُخدعون دائمًا، فنحن لا يجوز أن نُخدع، ولا أن نكون أبواق دعاية لتبريرات تنطلق منهم فيقول واحد منا: [ما سمعت التلفزيون أمس، ما رأيت الأمريكيين أمس وهم مشاركين مع جنود يمنيين اقتحموا بيت فلان، وهابي ملعون]. قد نقول هكذا ونفرح، [شفت أنهم جاءوا يساعدونا].

كل عمل يبرر تواجدهم كن أنت من يقف ضده، كن أنت من يفضحه أمام الناس، كن أنت من يقول أنه خداع.

هذا هو الكلام الذي أريد أن أقوله في هذه الليلة باعتبار أننا سمعنا – كما يقول بعض الإخوان – من إذاعة إيران، وإيران فعلًا لا تنشر خبرًا على هذا النحو إلا ولديها مصادر تؤكد لها هذا، وأن هذا هو المحتمل أيضًا.

قد يعجبك ايضا