حقائق وأدلة تُسقِط مقولة “شكراً سلمان” بعد ثلاثة أعوام من ترويج الأكاذيب
موقع أنصار الله || صحافة محلية || المسيرة: إبراهيم السراجي
موّلت قوى العدوان حملةً دوليةً استهدفت مشرِّعين في بريطانيا وأمريكا وشركات علاقات عامة في البلدين؛ لتحسين سُمعة السعوديّة والإمارات، بحسب تقرير نشرته وكالة أنباء دولية، لمواجهة الانتقادات المتصاعدة ضد جرائم الحرب في اليمن، بالترويج لحملات إغاثة شاملة ورفع للحصار ومساعدة البنك المركزي، غير أن الواقع أَكَّـدَ أن الأموالَ ذهبت لتلك الشركات، فيما حصل اليمن على التصريحات الكاذبة.
قبل نحو أسبوعين تقدمت بريطانيا بمشروع بيان بشأن اليمن إلى مجلس الأمن يدعو للإشادة بالسعوديّة لإعلانها دعمَ البنك المركزي في عدن بوديعة قدرُها مليارَي دولار؛ للمساهمة في إنقاذ العُملة الوطنية من الانهيار، متزامنةً مع إعلان السعوديّة والإمارات ما يسمى “خطة إغاثة شاملة” في اليمن وتقارير مدفوعة الثمن في وسائل إعلام غربية تحدثت عن تلك الخطة، وفي نهاية المطاف لم تُودِع الرياض دولار اً واحداً، أمّا خطة الإغاثة فلم تتمخضْ إلا عن دعاية إعلامية امتصت الانتقادات الحقوقية للحصار المفروض على اليمن والجرائم البشعة بحق المدنيين.
إنقاذ سُمعة السعوديّة: انتهت مسرحية الوديعة
في 17 يناير الماضي أعلنت السعوديّة أنها ستقدِّمُ وديعةً بملياري دولار للبنك المركزي في عدن لوقف تدهور الريال اليمني وقيمته مقابل العملات الأجنبية، ولم تمر سوى أيام حتى اندلعت أحداث عدن بتحَرّك المجلس الانتقالي المدعوم إماراتياً ضد حكومة الفار هادي وسيطر على معظم مناطق عدن، وفي حينه خرج المرتزق أحمد عبيد بن دغر رئيس حكومة المرتزقة، متهماً المجلسَ الانتقالي والاحتلال الإماراتي بالوقوف وراء انهيار الريال اليمني؛ بهدف إسقاط حكومته، مضيفاً في ذلك الحين أن الاحتلال الإماراتي تحَرّك عسكرياً لإسقاط حكومته بعد فشل الخيار الأول.
وإذا كان تدهور الريال اليمني وفقاً للمرتزق بن دغر “مخططاً إماراتياً” فإن إنقاذَه سعوديّاً بواسطة الوديعة اتضح في نهاية المطاف أنها “مسرحية” جنت الرياض من ورائها بيانات الشكر من المرتزقة وحلفائها الأمريكيين والبريطانيين بشكل غير مسبوق ساهم في تراجع الانتقادات من قبل المنظمات الحقوقية للحصار المفروض على اليمن والجرائم التي يرتكبها العدوان بحق المدنيين.
وبعد مرور قرابة 50 يوماً على إعلان الوديعة، ووسط التساؤلات عن سر استمرار تراجع قيمة الريال في ظل وجود تلك الوديعة، أعلن مصدر بالبنك المركزي في عدن أن الرياض أجّلت تسليم الوديعة لعدة أسباب، أما النظام السعوديّ الذي سبق وأرسل سفيره محمد آل جابر إلى عدن وأعلن أنه رافق تسليم الوديعة، فقد عاد أمس الأول ليعلن أنه سيسلم الوديعة قريباً، متناسياً أنه سبق وأعلن إتمام تسليمها.
كما نقلت وسائل إعلام المرتزقة وقناة الجزيرة القطرية عن المصدر في البنك المركزي في عدن أن الرياض اشترطت في البداية تغيير محافظ البنك لتسليم الوديعة وعندما تم لها ذلك قالت إنها بحاجة لبعض الوقت لإتمام بعض الإجراءات القانونية لصرف المبلغ.
مركز الملك سلمان يوزّع الأكاذيب
خلال يناير الماضي روّج نوابٌ أمريكيون وبريطانيون وشركات العلاقات العامة الأمريكية والبريطانية، التي تعاقدت معها الرياضَ لتحسين صورتها، لحملة إغاثة واسعة ينفذها ما يسمى “مركز الملك سلمان” في اليمن وحظيت بتغطية واسعة من قبل إعلام العدوان والمرتزقة.
ورغم أن الحملة ذاتها أقرت أن عمليات الإغاثة للمركز تتم في مناطق واقعة تحت سيطرة مرتزقة العدوان، وهو ما يبعدها عن الحاجة للإغاثة، إلا أن تلك المناطق ذاتها لم تتلقَّ المساعدات التي ظلت محصورة في النطاق الدعائي والإعلامي.
ففي الوقت الذي أعلنت وسائل الإعلام السعوديّة تدشين مركز سلمان لحملة الإغاثة في مناطق شرقي اليمن، أي في مأرب والجوف، كان أمين العكيمي محافظ الجوف الموالي للعدوان يؤكد أن حملة الإغاثة مجرد دعاية لم تخرج عن نطاق القنوات الفضائية السعوديّة.
وبثّت قناة الجزيرة القطرية في 23 يناير المضي تسجيلاً مصوّراً للعكيمي يتحدَّثُ عن حقيقة توزيع مساعدات لسكان الجوف ومأرب عبر مركز سلمان.
وفي التسجيل المصور قال العكيمي “إن حملة الإغاثة المعلنة في الجوف من قبل مركز الملك سلمان عن طريق منفذ الخضراء، لم نلمس منها إلا الإعلان عبر قناتَي الحدث والعربية أن الإغاثة وصلت إلى الجوف وتوزّعت، وهذا غير صحيح”.
وأضاف “لم يصل الجوفَ من هذه الإغاثة المعلَن عنها أي شيء، فقد كنا وعدنا بها المواطنين لكن لم يصل شيءٌ سوى أننا نسمع إعلانات كثيرة في وسائل الإعلام”.
ولم يكتفِ العكيمي بنفي المساعدات عبر مركز سلمان، بل نفى كُلّ ما يجري الإعلان عنه من حملات إغاثة، حيث قال “نسمع إعلانات كثيرة عن الإغاثة لكنها لم تصل اليمن، وما يزال اليمن مظلوم حتى من مركز الملك سلمان وما يزال هناك في وسائل الإعلام ما يذاع عن وصول مساعدات وإغاثة وهي غير صحيحة” بحسب قوله.
وفيما لم يحصل اليمن ولو عبر سلطة المرتزقة على وديعة البنك المركزي ولا حصلت مناطق سيطرة المرتزقة على المساعدات الإنْسَانية، إلا أن السعوديّة حصدت التقارير الدولية عن أعمالها “الإنْسَانية” تلك التي صرفت عليها ملايين الدولارات لشركات العلاقات العامة الأمريكية والبريطانية، ليؤكد العدوان أن يمول الصمت الدولي على جرائمه ويموّل التقارير الدولية ويمن بها على اليمنيين الذين لا يطالهم إلا القصف والحصار.
الإغاثة كغطاء للسيطرة على المنافذ
لم تكتفِ قوى العدوان بالدعايات الكاذبة حول عمليات الاغاثة لامتصاص الغضب المتصاعد من جرائمها وحصارها لليمن، بل تحولت لاستراتيجية استخباراتية للسيطرة على منافذ اليمن وتأمين منافذها من الهجمات العسكرية بحجة تخصيصها لعمليات الإغاثة.
في هذا السياق أعلنت قوى العدوان مؤخراً ما أسمته “خطة الاغاثة الإنْسَانية الشاملة في اليمن”، وقالت إنها خصّصت لها مبالغ كافية وحدّدت المنافذ البرية والبحرية والمطارات التي ستخصص لتنفيذ تلك الخطة، لكن لجنة الإنقاذ الدولية المتخصصة ومقرها في نيويورك نشرت تقريراً في 22 فبراير الماضي حمل عنوان “خطة الإغاثة السعوديّة ليست سوى تكتيك حربي للسيطرة على منافذ اليمن” وقدم الكثير من الأدلة والاستنتاجات التي تؤكد أن قوى العدوان أعلنت تلك الخطة للسيطرة على المنافذ تحت غطاء الإغاثة.
وقالت “أماندا كاتانزانو”، مديرة السياسات في لجنة الإنقاذ الدولية: إن “الاسم في حد ذاته مضلل، فالخطة ليس شاملة ولا إنْسَانية على وجه الخصوص”. مضيفةً أن ” التحالف الذي تقوده السعوديّة يقدم تمويل استجابة لمعالجة أثر الأزمة التي ساعدت هي نفسها على خلقها لكن الأزمة الحادة في اليمن تحتاج إلى أكثر مما يبدو بأنه خطة عمليات لوجستية، مع إيماءات رمزية للمساعدات الإنْسَانية”.
وأكدت اللجنة أنها ترى في الخطة المعلنة العديد من الإشارات الحمراء التي ستتسبب في مشاكلَ ليس فقط للمجتمع الإنْسَاني، ولكن للمجتمع الدولي بأسره وبشكل كبير.
وحدّدت اللجنةُ الأسبابَ التي تجعل الخطة السعوديّة تهديداً وليس إنقاذاً، أولها أن الخطة لا تنهي الحصار على اليمن وتبقي الحظر على ميناء الحديدة وميناء الصليف، معتبرة أن الخطوة الصحيحة هي رفع الحصار، وثانياً أن الخطة السعوديّة تهدد بشدة وصول المساعدات الإنْسَانية، مما يعرض حياة الملايين من المدنيين للخطر، حيث ستحول الخطة المحور الرئيسي للاستجابة الطارئة من ميناء الحديدة إلى ميناء عدن.
وأشارت اللجنة إلى أن ميناء عدن يفتقر للإمكانات والبنية التحتية التي يتمتع بها ميناء الحديدة، إضَافَةً إلى أن ميناء عدن غير مهيأ لخدمة السكان وخصوصاً في الشمال اليمني، كما ان المساعدات ستخضع لأكثر من 70 نقطة تفتيش من عدن حتى وصولها للشمال، وهو ما يؤخّر العملية ويعرضها للمصادَرة.
كما يؤكد تقريرُ اللجنة أن الخطة السعوديّة تقوّض أصلاً نظامَ التفتيش الذي أقره مجلسُ الأمن لمنع دخول السلاح إلى اليمن والتي تزعم السعوديّة أنها تنفذه الخطة السعوديّة لا تعالج التحديات الاقتصادية للاقتصاد المنهار، والحرمان الحاد في اليمن هو أحد نتائج الحصار كما هو الحال في غياب الخدمات العامة الأساسية.
وخَلُصَ التقرير إلى أن الخطة السعوديّة ستساهم في تسييس عملية الإغاثة، بالإضَافَة إلى شرعنة حصار اليمن وسيطرة السعوديّة على المنافذ اليمنية التي عجزت عن السيطرة عليها عسكرياً لتسيطر عليها بغطاء الإغاثة الإنْسَانية.
نظامُ تتبُّع التبرعات يقودُ إلى كذبة الإغاثة السعوديّة
لا يفتأ المسؤولون السعوديّون والإماراتيون، في كُلّ مؤتمر صحفي، يؤكّدون أن بلدانَهم قدمت مليارات الدولارات للأمم المتحدة لتمويل عملية الإغاثة في اليمن خلال الثلاث سنوات الماضية التي يتعرض فيها اليمن للعدوان والحصار، ورغم تأكيد الأُمَم المتحدة عبر منظماتها أن الدول التي التزمت بتمويل عمليات الإغاثة في اليمن لم تفِ بالتزامها، وقال أحد المسؤولين الأمميين: إن المنظمةَ الدولية لم تتلقَّ إلا أن أقل من 10% من إجمالي ما تعهدت به الدول لتمويل الإغاثة في اليمن، بالإضَافَة إلى أن تلك النسبة الضئيلة قدّمتها دولٌ أُخْرَى وليس السعوديّة والإمارات.
ففي 9 فبراير الماضي نشرت وكالة إيرن الإخبارية المختصة بالشؤون الإنْسَانية تحقيقاً كشف عن أن خطط الإغاثة التي يعلن عنها في اليمن تهدفُ إلى تلميع صورة السعوديّة أمام المجتمع الغربي فيما يتعلق باليمن.
وأشار التحقيق، إلى أن موقع الأمم المتحدة الخاصّ بتتبّع التبرعات لليمن أظهر أن ما قدمته السعوديّة عبر المنظمة الدولية أقل من مليون دولار، أما ما يتعلق بباقي المبلغ فلا توجد وسيلة للتحقق من صحته.
وختمت الوكالة تقريرها بالقول إن المليارات التي تصرفها السعوديّة للنواب الأمريكيين والبريطانيين شركات العلاقات العامة لتحسين صورتها قد تعمي البصرَ لوهلة بسيطة لكنها لن تطمس شمس الحقيقة التي تؤكد أن اليمن بلد أعيته أسوأ كارثة إنْسَانية في العالم صنعها التحالفُ السعوديّ الإماراتي المدعوم أمريكياً.
استقبال لاجئين أم ترحيل المغتربين؟
لم تتعلم الرياضُ من أخطائها وإخفاقها في سوريا، بعد أن أسهمت في تمويل وتسليح المجاميع المسلحة وأرسلت آلاف المقاتلين الأجانب والسعوديّين لتدمير سوريا وتهجير الملايين من شعبها الذين استقبلتهم الدول الأوروبية ودول أمريكا اللاتينية، فيما أُوصدت بوجوههم أبوابَ دول الخليج على رأسها السعوديّة التي ظل وزير خارجيتها يصرُّ أن بلادَه استقبلت ثلاثة ملايين لاجئ، فيما تؤكد الأمم المتحدة أن الرياض لم تستقبل أيَّ لاجئ سوري؛ لتقوم الرياض مرة أُخْرَى بترويج المزاعم ذاتها عن استقبال لاجئين يمنيين.
واختار وزيرُ الخارجية السعوديّ، عادل الجبير، توقيتَ قرار سلطات بلاده ترحيل عشرات آلاف اليمنيين المغتربين، الذين يتم اعتقالُهم بصورة مهينة ومصادَرة أموالهم، تمهيداً لترحيلهم إلى بلدهم المحاصر، ليخرج بتصريح يزعم أن بلاده استقبلت مليون لاجئ يمني ووفّرت لهم وظائف.
لم يتجاهل الجبير أن العالم تغيّر وأن المعلومات لا يمكن حجبها فحسب، بل تجاهل أن بلاده تنشر بيانات رسمية كُلّ شهر لأعداد مَن تم ترحيلُهم من السعوديّة من الأجانب يظهر فيها المغتربون اليمنيون وهم يمثلون النسبة الأكبر ممن يتم ترحيلهم، علاوةً على ذلك أصر الجبير على زعم استقبال لاجئين اليمنيين بشكل لم يقنع حتى المرتزقة أنفسهم، في وقت تعج مواقع التواصل الاجتماعي بمقاطع الفيديو لعمليات اعتقال ومطارَدة اليمنيين وسجنهم بصورة مهينة تمهيداً لترحيلهم إلى اليمن.
في هذا السياق وتعليقاً على تصريحات الجبير باستقبال مليون لاجئ يمني قالت القيادية بحزب الإصلاح توكل كرمان “وزير الخارجية السعوديّ يواصل ترويج الأكاذيب ويمُنُّ بها على شعبنا الذي هو تحت القصف والحصار والتجويع والتدمير والتشريد من قبل بلده وحلفها الظالم ولكن عاقبة الظلم دائماً وخيمة”.
ما لم تستوعبْه السعوديّةُ وقوى العدوان على اليمن أن تفنيدَ أكاذيبهم وافتراءاتهم بشأن اليمن لم يعد حكراً على مناهضي العدوان فحسب، بل إن الشهورَ الأخيرةَ شهدت تكذيبَ ادّعاءات العدوان من قبل أتباعه المحليين على غرار محافظ الجوف الموالي للعدوان أَوْ توكل كرمان التي ناصرت العدوان أَوْ كذلك المؤسسات الدولية التي موّل صمتَها النظامُ السعوديّ على رأسها الأمم المتحدة التي أكدت أن العدوانَ يستخدم الحصارَ والتجويع كورقة حرب؛ لتحقيق مكاسبَ عجز عنها بالطرُق العسكرية.