متى تفهم السعودية الدرس؟
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية ||دعاء سويدان / الأخبار اللبنانية
عند الثانية من فجر الـ26 من آذار/ مارس الجاري، ينهي العدوان على اليمن عامه الثالث، فاتِحاً باباً رابعاً من الحرب والحصار و«اللا نتيجة». تمضي السعودية في «مغامرتها» التي لم تؤدّ، إلى الآن، سوى إلى آلاف من القتلى والجرحى وأضرار مهولة على المقلب اليمني، ودوّامة استنزاف متواصلة على المقلب السعودي، لا تفتأ الدول الغربية تمعن في الاستثمار فيها. تحوّلت الجغرافيا اليمنية ومعها مناطق الحدّ الجنوبي، على مدار ثلاث سنوات، إلى «ثقب أسود» للقوات السعودية والإماراتية والسودانية ومن لفّ لفيفها من اليمنيين. على الحدود الجنوبية للمملكة، أضحت مناطق عسير ونجران وجيزان أشبه بمصيدة للجنود السعوديين، يواصلون فيها عمليات الكرّ والفرّ من دون أن يتمكنوا من استعادة ما خسروه، فيما يحافظ مقاتلو الجيش واللجان بشكل ثابت على مكتسباتهم هناك.
الحال نفسه، إن لم يكن أسوأ، يتجلّى على بقية جبهات الشمال، حيث باتت صحراء ميدي «حمّام دم» لجنود نظام عمر البشير، في حين تعجز القوات الموالية للرئيس «المُحتجَز» عبد ربه منصور هادي في محافظة الجوف عن الظفر بأكثر مما سيطرت عليه من مساحات صحراوية. على الضفة الغربية، ليس وضع التشكيلات التابعة لـ«التحالف»، والتي تلعب الإمارات دوراً رئيساً في قيادة عملياتها، أفضل مما تقدم. منذ أشهر، تحاول تلك التشكيلات الوصول إلى أبواب مدينة الحديدة، إلا أنها كلّما تقدمت خطوة كلّما لمست صعوبة الثبات أمام مقاتلين متمرّسين يألفون الأرض وتألفهم. وانتقالاً نحو الوسط، دونما حاجة إلى الإفاضة في الحديث عن تعز التي يحكمها «ستاتيكو» لا يزال «التحالف» غير قادر على كسره، يظلّ المشهد على ما هو عليه. بضعة مقاتلين يرزحون منذ أشهر طويلة في مديرية نهم، على أمل النفاذ إلى صنعاء، لكن ذلك الأمل لا يفتأ يضعف يوماً بعد يوم مع استعادة الجيش واللجان زمام المبادرة هناك.
هكذا هو إذاً المشهد الميداني. «إنجازات» محدودة لـ«التحالف» توازيها خسائر كبيرة على الحدّ الجنوبي، وإنفاق يومي على عمليات لا تؤتي ثمارها. ومع ذلك، تستمرّ السعودية، بقيادة أميرها محمد بن سلمان، في عقد صفقات التسلح مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، اللتين لا تجدان ضيراً في استدرار مزيد من الملايين من المملكة، وبالتالي في إطالة عمر الحرب بقدر ما تستطيعان. هذا الانقياد «السلماني» الغريب لحالة «الاستغباء» الغربية يرافقه تشتت لم يسبق له مثيل في معسكر القوات المحلية الموالية لـ«التحالف». الرمز السياسي لهذه القوات، والذي قيل إن الحرب خيضت بناءً على طلبه، يقبع في الرياض تحت ما يشبه «إقامة جبرية»، فيما يتوالى وزراؤه على تقديم استقالاتهم، بعدما استشعروا أن «ريع» 3 سنوات من التبعية والتواطؤ على قتل اليمنيين وإفقارهم لن يعود إليهم، فجاءتهم على حين غرّة «نوبة» التحسّس من «جمهوريات الموز»، رافعين البطاقات الصفراء بوجه السعودية.
«إنذار» متأخر لم يكن ليحدث لو لم يلمس هؤلاء جدية الرياض، بدفعٍ من أبو ظبي، في توليد كيان جديد بديل من «الشرعية»، يأمل ابن سلمان ومعه ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، في أن يمنحهما «الإنجاز» المطلوب لإنهاء الحرب. لكن تلك المساعي لا يبدو، إلى اليوم، أنها ستؤول إلى خلاف ما أدت إليه الخطط السابقة، إن لم يكن أثرها السلبي أكثر من نفعها. إذ إن عملية استقدام ضباط موالين لنجل شقيق الرئيس السابق، طارق محمد عبد الله صالح، والتي تُعدّ مدماكاً رئيساً في الخطة الجديدة، لا تزال تواجِه عقبات، سواءً من قبل التشكيلات الموالية لهادي، أو القوى الجنوبية الرافضة لأصل وجود آل صالح في محافظات جنوب اليمن.
هذا التنازع ليس سوى وجهٍ بسيط من وجوه تبعات «الاحتلال» الإماراتي – وبالدرجة الثانية السعودي – للجنوب. بعد أكثر من سنتين ونصف سنة من سيطرة «التحالف» على المحافظات الجنوبية، تظهر الأخيرة، في معظمها، مسرحاً لـ«الجاسوسية» المرعية إماراتياً وأميركياً، وعمليات الاعتقال والترهيب التي تنفذها ميليشيات أبو ظبي بحق النشطاء والمواطنين المعارِضين للتواجد الإماراتي، والانفلات الأمني الذي يواصل حصد ضحاياه مفسِحاً في المجال أمام تنظيمَي «القاعدة» و«داعش» لإعادة رصّ صفوفهما وتجديد نشاطهما، واستباحة المواقع ذات الأهمية الاستراتيجية أو تلك المشتملة ثرواتٍ ومواردَ وحرمانِ «السكان الأصليين» من إمكانية الاستفادة منها على نحو حقيقي لا في صورة «إعاشات» يوزعها عليهم «الهلال الأحمر الإماراتي»، والتسلط على المؤسسات والمصالح المحلية وإخضاعها لكلمة الحاكم العسكري الإماراتي. مظاهر يصاحبها «تفريخ» في الانقسامات بين الجنوبيين، الذين لم يأت تشكيل «المجلس الانتقالي»، الموالي لأبو ظبي، إلا ليزيدهم خلافات فوق خلافاتهم السياسية والمناطقية والجهوية وغيرها.
اليوم، تتعالى الأصوات الرافضة لـ«الاحتلال» الإماراتي، فيما يجد أزلامه أنفسهم محصورين في دائرة ضيقة لن تفضي بهم، في نهاية المطاف، سوى إلى نيل «حصة من الكعكة»، بعدما بالغوا في إغراء «البسطاء» بـ«الاستقلال واستعادة الدولة» المنشودة. هذا العرض الذي تقيّدهم به أبو ظبي والرياض مقابل الدفع بأبنائهم إلى «محارق» جديدة على الجبهات الشمالية، تقابله دعوة موجّهة إلى «الحالمين والواهمين بتحقيق خياراتهم السياسية من خلال الأجانب» على حد تعبير السيد عبد الملك الحوثي، في مقابلته مع «الأخبار»، إلى «شراكة» جادة، لا تلعب على المتناقضات ولا تستثمر في الانقسامات. وهي دعوة موجّهة، كذلك، إلى «الإصلاحيين»، الذين وصل استهدافهم إلى «حالة طرد بكل ما تعنيه الكلمة»، حتى «يراجعوا حساباتهم»، ويدركوا أن «مصلحتهم الحقيقية هي في العودة إلى حضن الوطن… ليكونوا شركاء»، وفق ما قاله السيد الحوثي أيضاً. فهل تصل دعوته إلى مسامع الجنوبيين و«الإصلاحيين»، الذين اكتشفوا، بالتجربة، أن «عسف» ابن سلمان وابن زايد لا يوفر حتى «الأشقاء الخليجيين» و«أهل البيت الواحد»، فكيف إذا كان الأمر متعلقاً باليمن وأهله، مع ما يعنيه اليمن للسعودية والإمارات؟
أما في اتجاه الخارج، فلا موقف إلا التذكير بعبثية المضي في الحرب، ولا جدوى المراهنة على إخضاع «أنصار الله» بمرور الوقت. ذلك أن الحركة ماضية في تعزيز قدراتها «حتى بلوغ مستوى الردع»، من دون أن تعيقها الأعمال العدائية بوجوهها كافة عن مسعاها. ولو كانت المجازر، ومعها سياسة الإفقار التي شكّل قرار نقل البنك المركزي اليمني «كارثتها» الأكبر، يمكن أن توصل إلى نتيجة لصالح السعودية، لكانت فعلت منذ زمن. تحدٍّ يلازمه، في كل مرة، التشديد على «بطلان» الذرائع التي أُعلن العدوان تحت ستارها. فليس التطلع إلى «عودة الإمامة» إلا جزءاً من الدعاية المضادة التي أثبت انخراط «أنصار الله» مبكراً في الحوار اليمني غَلَطها، وليس «التمدد الإيراني» إلا سبيلاً للهروب من الاعتراف بأن السعودية لا تحتمل بلداً مستقلاً في جوارها. وفي ما عدا ذلك، فليس لدى الحركة، وفقاً لما أكد الحوثي، مانع من «الشراكة» التي كان ادعى الوزير السعودي عادل الجبير أن بلاده تسعى لإعادة اليمنيين إليها. فما المشكلة إذاً؟ ولماذا لم تنتهِ الحرب إلى الآن؟ تبقى «كلمة السر» في واشنطن، التي لا مؤشرات حتى الساعة على رغبتها في إطفاء اللهيب المشتعل منذ ثلاث سنوات.