انفجار قادم وفوهات متناثرة
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || إيهاب شوقي*/ العهد الاخباري
تحولت المنطقة إلى سوق كبير يبقى كل شيء فيه قابلا للشراء والمساومة والمقايضة، وتحول معها الجمهور الى مشاهد لا مشارك؛ فالأغلبية التي لا تملك مالا ولا قوة تتابع السوق وما يدور فيه دون تدخّل حيث تبتعد كثيرا تداولاته عن مجال قدراتها.
بالأمس القريب، كانت الجماهير طرفا يمكنها التأثير ومنح ومنع البضائع عبر قانون العرض والطلب وعبر منع اللصوص والإقطاعيين الاحتكاريين من التسلل للأسواق؛ إلا أن الفتنة الكبرى، والتي تمثلت في الخلط الخبيث بين ثورات حقيقية وثورات مصنوعة، قامت بتشتيت الجماهير وحولت شرفاءها وغيوريها إلى لصوص يمنع تدخلهم، واستدعت كل لصوص الأرض إلى السوق للتحكم في قوانينه وبضائعه وتداولاته.
واليوم ندخل إلى مفصل تاريخي جديد يمكن رصد بعض من ملامحه كما يلي:
* تسييد مفاهيم جديدة للوطنية تتوقف على توجهات الحاكم، والأدهى أنها تتميز بالمرونة والمطاطية التي تغيرها لتلائم حاكما آخر داخل ذات التحالف.
ومثال لذلك، الموقف من النظام السوري، فالعالم كله يعرف أن أعداء النظام هم دول الخليج وفي مقدمتها السعودية والإمارات وقطر ومعها تركيا، وأن الحرب التي شنت ولا تزال على سوريا تتم برعاية أمريكية وصهيونية، وبتدخل صريح أيضا وليس مجرد رعاية.
وفي بلد كمصر يتم تسييد مفهوم الوطنية في عهد الرئيس السيسي باعتبار عدم الاعتراض أو مجرد النقد لسياسات الرئيس، وبالتالي مسموح فقط بانتقاد تركيا وقطر، وغير مسموح، بل ويدخل في دائرة التجريم، انتقاد السعودية والامارات.
كما أنه مسموح بالانحياز للجيش السوري، لكن من المحرمات الانحياز لحلفائه باستثناء الروس، ومن المحرمات ايضا انتقاد اعداء الجيش السوري من الأنظمة الخليجية لكن مسموح بانتقاد التوابع والمرتزقة الموظفين لدى هذه الأنظمة!
* التخلي عن الأسلحة التقليدية والقاؤها كما تلقى المناديل الورقية.
ومثال لذلك، الوهابية، والتي تم توظيفها لعقود لمحاربة خصوم السعودية وتشويههم وتكفيرهم، والتي انفق على نشرها أكثر مما أنفق الاتحاد السوفياتي على نشر الشيوعية، واليوم يتم التخلص والتملص والتبرؤ منها والاعتراف بأن نشرها بهذه الصورة كان مجرد “وسوسة” وتحريض من الغرب الاستعماري كسلاح في الحرب الباردة، كما جاء على لسان ولي العهد السعودي.
والآن المراد هو التخلص منها بعد مزجها بالاسلام السياسي ككل، بوضع الجميع في سلة واحدة وتكريس مفهوم مخادع بأن الحركات التي لها طابع ديني كلها حركات متطرفة وارهابية لوضع فصائل مقاومة مع فصائل تكفيرية تحت ذات التصنيف ووسم التخلص منها بأنه عمل إصلاحي وتقدمي!
وهذا التوجه لم يكن ليحدث إلا بعد فشل محاربة المقاومة بالقوة والسلاح والفكر.
أي استخدمت الوهابية في نشرها للتخلص من حركات التحرر الوطني والمقاومة بالتكفير، ويستخدم اليوم وأدها أيضا للتخلص منهم!
* التعامل مع العدو الصهيوني باعتباره أمرا واقعا وباعتباره حليفا تقدميا ضد قوى التطرف التي تشمل التكفيريين والمقاومة.
* الوصول بالتبعية لأمريكا إلى مرحلة أقرب للتأليه والاعتماد الكلي على شرعية الحكم، دون أي جهد مبذول لقراءة الواقع والأوضاع الميدانية وموازين القوى الحقيقية.
لو أردنا تلخيص الوضع، يمكننا القول إننا أمام أنظمة أشبه بالعصابات التي تمكنت من الحكم والتي تفتقد أي آفاق سياسية واستراتيجية، وتتميز بالتواضع الشديد في الرؤى والمهارات، وتفتقد حتى أدبيات التضليل والتعمية الإعلامية، وتعتمد كليا على منطق القوة الغاشمة دون قراءة لقوتها الحقيقية وقوة خصومها.
وأمام شعوب منهكة مستسلمة لأقدارها، كافرة بقدرتها على التغيير.
هذا بلا شك وضع مثالي لتغييرات كبرى بالمنطقة، التي يمكن أن تشهد أحد أمرين:
– الأول: هو الانهيار التام والاستعمار العسكري التقليدي بسبب فقدان كافة أسلحة المقاومة والتي على رأسها المفهوم الوطني والذي تم تشويهه والتلاعب به.
– والثاني: هو اندلاع بركان غضب شعبي قادر على تصحيح الأوضاع وإعادة الأمور إلى نصابها.
وتقييم الاحتمالين من حيث ترجيح أحدهما على الآخر يصب في صالح الانهيار بكل أسف.
فاندلاع البركان يتطلب فوهة والانفجار يتطلب ضغطا مكبوتا في جانب بعينه، إلا أن الأوضاع الحالية شكلت عدة فوهات، ووزعت الضغط على أكثر من جانب، وهو ما يجعل أي تنفيس لهذا الكبت محصورا مداه في مجال الداخل وخادما لأعداء الخارج.
ولأن الأمل يبقى دائما فإن الانهيار تتبعه استفاقة وصعود، وكذلك يمكن منع هذا الانهيار لو تم تغيير قانون الانفجار بحصر منافذ تنفيس الضغط في منفذ واحد، وهذا مجاله فكري بالأساس بالإشارة إلى السبب الرئيسي لكل هذه التعقيدات والمصائب والتوجه بالانفجار إليه، حتى يكون انفجارا موجها محددا ناجحا.
لو شئنا أو جاز لنا أن نحدد سببا رئيسيا لنعمل على الإشارة إليه، فليكن هذا السبب هو.. التجارة.
التجارة بالدين…والتجارة بالوطنية… والتجارة بالجيوش…والتجارة بالسلام…والتجارة بالثورة…الخ.
إذا حاربنا التجارة بالمفاهيم فستكون هي الخطوة المبدئية للخلاص..فتسعة أعشار رزق الخراب والاستعمار في هذه التجارة!
*كاتب عربي من مصر