رسائل ’مسيرة العودة’ تدوي في تل أبيب
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية ||جهاد حيدر/ العهد الاخباري
لم تنجح كافة محاولات المؤسسة الامنية والسياسية الإسرائيلية في ثني الجمهور الفلسطيني وفصائل المقاومة في قطاع غزة، عن تنظيم “مسيرة العودة” التي بدا أن وقعها كان صادما للقيادة الإسرائيلية ولكل من راهن على خضوع الشعب الفلسطيني، الذين عاشوا امالا كاذبة حول امكانية نجاح مخطط تصفية القضية الفلسطينية. قبل المسيرة استخدم القادة الإسرائيليون والامنيون كافة مفردات التهويل، والتلويح باستخدام القوة ضد الحشود الفلسطينية… وتنوعت أساليب محاولة قطع الطريق على تنظيم هذا الحشد التي وصلت إلى حد الاتصالات بالجهات المسؤولة عن الباصات التي يفترض أن تنقل المحتشدين، تحذيرا وتهديدا. وبالموازاة شهد محيط القطاع ايضا استنفارا كبيرا لقوات جيش الاحتلال، كما لو أن عملية التحرير الشعبية ستبدأ من الجبهة الجنوبية.
لم يقتصر نجاح فصائل المقاومة في قطاع غزة على كسر ارادة قيادة الاحتلال ومؤسسته الامنية، بل سجلت الحشود الفلسطينية ايضا، على حدود القطاع، انتصارا مدويا في معركة الارادات. على مستوى الوعي، يكشف الحشد الفلسطيني تحت عنوان “مسيرة العودة” عن فشل المخططات التي هدفت إلى شطب هذا العنوان من وجدان الاجيال الفلسطينية الشابة، على أمل أن يساهم ذلك في شطب هذه القضية المحورية من ساحة التجاذب والاشتباك المتواصل بين الاحتلال والشعب الفلسطيني وفصائله المقاومة. وأظهرت أنه بعد سبعة عقود من التهجير، ما زال شعار العودة متجذراً في الواقع الفلسطيني، على مستوى قضاياه الحية وشعاراته وادبياته، وما زال ايضا يسكن وجدان للجماهير الفلسطينية. وهو ما سيكون له مفاعيله على صناع القرار المتربصين بالقضية الفلسطينية، وينبغي أن يدفعهم إلى اليأس من امكانية اخماد شعلة القضية الفلسطينية، لكن من دون أن يعني ذلك ثنيهم عن مواصلة التآمر والاستهداف.
سجل الحشد الشعبي الفلسطيني ضربة قاصمة ايضا، لمخطط سياسة القضم الممنهج لقضايا الشعب الفلسطيني. اذ كان يفترض أن يكون سقف طموح الشعب الفلسطيني بعد عقود من الجراح والالام، وعقود من المقاومة ايضا، قد انحدر وبات محصوراً بازالة مستوطنة هنا وهناك، وإلى الاكتفاء بحكم ذاتي، كسقف للطموح الفلسطيني (حتى لو تمت تسميته لاحقا دولة أو حتى امبراطورية). لكن اعادة احياء قضية العودة وفرضها على المسرح من جديد، مكللة بدماء الشهداء، سوف يساهم في اعادة خلط الاوراق بشكل جذري. خاصة وأن عنوان العودة يحاكي بشكل مباشر أغلب الشعب الفلسطيني، فرداً فرداً، بل وكل الشعب الفلسطيني كونها قضية وطن وشعب بأكمله.
ينبغي ايضا، تسجيل حقيقة أن ما جرى يشكل انجازا مرحلياً هاما لمستقبل المقاومة، من عدة زوايا، من أهمها أنه في الوقت الذي يتم العمل فيه على محاولة اغراق الشعب الفلسطيني في صراع داخلي يشغله عن قضاياه المصيرية ويستنزف قواه بعيداً عن مواجهة الاحتلال، أتت هذه المسيرة لتعيد تصويب البوصلة، في ذروة الاحتقان الداخلي. وفرضت على الجميع الانتظام في مسار موحد – حتى لو كان ظرفياً – بما يؤكد على أن الرد على كل هذه المحاولات يتم بتزخيم الانتفاضة والمقاومة.
شكلت مسيرة العودة محطة فارقة في حركة الصراع بين الشعب الفلسطيني والاحتلال. وعامل تزخيم لحركة الانتفاضة الشعبية ضد الاحتلال، وهو مسار بدأ يأخذ منحى تصاعدياً منذ إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، القدس عاصمة للكيان الإسرائيلي. ويعزز الانتفاضة الشعبية السلمية كخيار مواز ومواكب للمقاومة المسلحة التي تستهدف جنود الاحتلال والمستوطنين، في مسار تكاملي على قاعدة توظيف كافة الإمكانات لمواجهة التحديات التي تمرّ بها القضية الفلسطينية. وفي نفس السياق، جسَّدت “مسيرة العودة” مرحلة متقدمة من الرد الشعبي الفلسطيني على مخطط تصفية القضية الفلسطينية، الموسوم في هذه المرحلة بعنوان “صفقة القرن”، ودوت مفاعيله في تل ابيب الامر الذي يفسر مستوى التوتر الإسرائيلي الذي عبرت عنه تصريحات قادته، كونهم يدركون المؤشرات والرسائل والمفاعيل، أكثر من بعض العربي، الكامنة في هذا الموقف الشعبي ودلالاته التي تتصل بمستقبل الصراع.