ولي العهد السعودي وإنكار الوهابية; فرصة لإنهاء النسخة البريطانية للإسلام
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || الوقت التحليلي
يدّعي ولي عهد المملكة العربية السعودية، وعلى الرغم من أوهامه العدوانية تجاه إيران، أنه يجري إصلاحات في بلاده، والتي إذا نُفذت، بإمكانها أن تكون منطلقاً لإنهاء الوهابية والابتعاد عن النسخة الإنجليزية للإسلام والتطرف.
فمنذ أن وطأت قدمه الساحة السياسية في السعودية، قام محمد بن سلمان بإجراءات مزدوجة ومثيرة للجدل في هذا الشأن خلال السنوات الثلاث الأخيرة، التي لا تتناسب أيٌّ منها مع آخرها.
وعلى الصعيد الخارجي، اجتاحت السعودية الأراضي اليمنية عن طريق التدخل العسكري في الشؤون الداخلية لليمن، والتي استهدفت البلاد من خلال شنّ عملية عسكرية أسفرت عن مقتل الآلاف من اليمنيين. بالإضافة إلى ذلك، اتبعت الرياض سياسات عدوانية ضد إيران وخلقت توترات في العلاقات مع جيران آخرين وحلفائها مثل الكويت وقطر وعمان وحتى لبنان.
ومع ذلك، فقد أصدر ابن سلمان برنامج إصلاح داخلي في مجال الحقوق المدنية والمواطنة حيث إن هذه الإصلاحات المرنة من شأنها، في حال تم تنفيذها، أن توفر إصلاحاً كبيراً في النسيج السياسي والاجتماعي والاقتصادي للبلاد والتأثير على العالم الإسلامي، خلافاً لسياسته الخارجية العدوانية وغير المفيدة.
تبدو هذه الإصلاحات أكثر وضوحاً في مجال حقوق المرأة، إذ يُشاع حالياً أنه تم السماح للنساء بقيادة المركبات والحضور في الملاعب الرياضية، وفي المجال الثقافي، سيتم بناء العشرات من قاعات الحفلات الموسيقية والسينما في هذا البلد وعشرات المشاريع الأخرى.
من الملاحظ أن هذه الأفعال والإجراءات تتناقض مع التعاليم التي تروّج لها الطائفة الوهابية ودار الإفتاء السعودي، حيث يقوم أساس هذا الدار على التكفير، كما تأخذ الأسرة السعودية شرعيتها منه للحفاظ على سلطتها وقوتها.
لم يكتفِ ولي عهد السعودية في إجراء مثل هذه الإصلاحات فحسب، بل إنه ينكر حالياً الوهابية، كما لو أنه لم يكن هناك محمد بن عبد الوهاب في هذا البلد الذي أسس هذا المذهب، والذي اعتمدت عليه بريطانيا للقضاء على الإمبراطورية العثمانية.
لكن إن قَبِل المذهب الوهابي أو رفضه، يدرك أن المعتقدات الوهابية وصلت الآن إلى طريق مسدود وانتهى تاريخ صلاحيتها، وعلى الرغم من أنه اتخذ موقفاً عدوانياً ضد إيران والدول المجاورة، إلا أنه أدرك أن الترويج لأفكار راديكالية كهذه لن يجلب سوى الدمار والإقصاء للسعودية وعائلتها.
ونتيجة لذلك، خلال زيارته إلى الولايات المتحدة، أجرى ابن سلمان مقابلتين مع مجلتي “ذا اتلانتيك” و”التايم” حاول فيها جاهداً التهرب من سؤال رئيسي حول الوهابية ودور السعودية في الترويج للتطرف في المدارس الدينية التي أسسها في جميع أنحاء العالم والتي خرّجت جماعات إرهابية مثل “القاعدة”، “بوكو حرام”، و”سباه الصحابة”، “جيش الصحابة”، واعتمد ولي العهد على طريقة الإنكار، وقال إن الطريقة التي يُطبّق بها الإسلام في بعض البلدان القليلة، بما فيها السعودية، ليست الطريقة “الحقيقية” للإسلام، فهو ينكر الوهابية بجرأة، ومن خلال تشويه التاريخ وتحريفه، حيث يدعي أن الوهابية طريقة أولئك الذين أخذوا الإسلام رهينة بعد عام 1979.
ويضيف ابن سلمان: “لا يوجد شيء يسمى الوهابية، هذه هي إحدى الأفكار التي خلقها المتطرفون بعد عام 1979 لجعل السعوديين جزءاً من شيء ليسوا جزءاً منه، لذلك أحتاجُ إلى شخص يشرح لي ما هي تعاليم الوهابية. لا يوجد شيء يسمى الوهابية، لدينا في السعودية طوائف سنية وشيعية ويمارسون حياتهم الطبيعية في المملكة.”
ويواصل ولي العهد السعودي التأكيد على “أن هذا هو ما نحاول القيام به، أن نظهر الإسلام الحقيقي لشعبنا وأن نتحدى هؤلاء الناس بأسلوب النبي (ص). لذلك، إذا جاء من يقول ليس للنساء حق المشاركة في الألعاب الرياضية، فنحن نقول له ما رأيكم في مشاركة النبي (ص) الرياضة مع زوجته؟ وإذا قالوا لا يمكن للنساء ممارسة التجارة، فستكون زوجة الرسول أفضل مثال كامرأة تاجرة حيث كانت تساعد الرسول (ص) من خلال عملها، لذلك أعتقد أنه يمكننا القيام بذلك بسرعة كبيرة، نحن لا ننوي تضييع الوقت، لا أريد أن أضيع وقتي فأنا شاب، أنا لا أريد أن يضيع وقت 70٪ من سكان السعودية في التخلص من هذه المعتقدات، نحن نريد أن نفعل هذا الآن، نريد أن ننفق 70 في المئة من وقتنا على تحسين الوضع، وتحسين اقتصادنا، وخلق فرص عمل، وخلق أشياء جديدة وتحسين الوضع في البلاد.”
هذه هي أجزاء مهمة من تصريحات ابن سلمان التي في حال تم تطبيقها (بغض النظر عن تحريفاته التاريخية)، يمكن مقارنة تأثيرها على السعودية والعالم الإسلامي مع عصر النهضة في أوروبا.
واليوم، لم يؤثر المذهب الوهابي البريطاني المزيف على السعودية فحسب، بل قام القادة السعوديون، بمساعدة من البترودولارات، بإظهار وجه قبيح عن الإسلام والمسلمين بترويج هذا المذهب، الذي تسبب بخجل حتى المسلمين من هذا الفهم السيء عن الإسلام.
لذلك، وبغض النظر عن السلوك التافه لمحمد بن سلمان في عدوانه على الدول المجاورة واتهاماته الباطلة ضد إيران، والتي ليست سوى غطاء لإخفاء عقود من السعي السعودي لتعزيز العنف والظلام في العالم، هناك ما يبعث إلى الأمل من خلال هذه الإصلاحات التي ستضع السعودية على طريق دحر الطائفة الوهابية وتوفير فرصة لمعرفة الإسلام الحقيقي للعالم، وهذه هي الفرصة التي يجب فيها الجلوس ومشاهدة ما إذا كان ابن سلمان بإمكانه تنفيذ هذه الإصلاحات أم لا.