أبعد من العدوان الثلاثي: استمرار الغموض والتناقض الاميركي
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية ||سركيس ابو زيد/ العهد الاخباري
ماذا بعد العدوان الثلاثي على سوريا؟ سوف نحاول اعادة رسم المشهد حتى نبين ملامح ما بعد الضربة بعد استنفار عسكري حول سوريا بلغ ذروته قبل يومين من تھديدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بـ”صواريخ ذكية ولطيفة”، أضفى فيها ترامب غموضا وضبابية على الوضع وحول موعد تنفيذ تھديداته.
وهذا الغموض يعود إلى أن عملية الإعداد والتحضير لخطط التحرك العسكري المفترض ضد سوريا تتطلب وضع اللمسات الأخيرة عليھا واكتمال حركة قدوم الأسطول الحربي الى حوض المتوسط. كما يعود إلى وجود تباينات داخل إدارة ترامب بين الأمن القومي والبنتاغون حول حجم الضربة وأھدافھا واليوم التالي لھا .
وقد سبقت الضربة الأميركية اتصالات روسية مع واشنطن، والتي تمت على مستويين. اتصال بوتين مع ترامب واتصالات تنسيقية بين الجيشين الأميركي والروسي، لتنظيم الضربة ورسم إطارھا. يضاف إليها الوساطة التركية التي قام بھا الرئيس أردوغان بين ترامب وبوتين، فأردوغان مؤيد ضمنا للھجوم الأميركي ضد سوريا وملتزم التحالف مع واشنطن في نطاق حلف الأطلسي، ولكنه لا يريد فك عملية التعاون والتنسيق مع روسيا، ولا يريد أن يتدھور الوضع بين بوتين وترامب، ما يشكل إحراجا شديدا له.
في المقابل كان هناك ارتباك في الجبھة الأوروبية الحليفة لواشنطن، لكنه لا يصل الى حد التفكك، فرنسا منخرطة في الھجوم ولكن مع تحفظات وإيضاحات تطلبھا، بينما بريطانيا تتحجج بالحاجة الى إجازة من البرلمان للذھاب الى الحرب، فيما ألمانيا وإيطاليا قررتا عدم المشاركة إلا بطريقة رمزية وعبر مساھمات لوجستية.
أما كيان العدو الاسرائيلي، فقد كان أكثر الدول اھتماماً وقلقاً ازاء التأخر الطارئ في تنفيذ الضربات الأميركية. وغلب على تقدير المؤسستين السياسية والاعلامية في الكيان أن الھجوم الأميركي سيكون محدوداً في نتائجه ومفاعيله، ولا يجسّد الحد الأدنى من طموح “تل أبيب” ومصالحھا الاستراتيجية.
والسؤال هنا، ماذا بعد ھذه الضربة، وأي رسالة أوصلت ولمن؟ وكيف سيتطور الوضع في سوريا على المستوى الأميركي – الروسي؟!
صنّاع القرار السياسي والأمني في “تل أبيب”، يدركون المعاني الكامنة في اختيار الولايات المتحدة لھذا المستوى من التدخل الذي قد يسھم في تھشيم صورة الولايات المتحدة أكثر من كونه يسھم في تعزيزھا كقوة مھيمنة.
الأمين العام لحزب لله السيد حسن نصرلله قال في أول موقف له من الضربة الأميركية على سوريا:”إن ھذه الضربة لم تحقق أھدافھا المفترضة إن لجھة التھويل من أجل الخضوع والابتزاز وتقديم التنازلات، أو كسر معنويات السوريين وحلفائھم، أو رفع معنويات الجماعات المسلحة والإرھابية، أو خصوصا لجھة تغيير المعادلة لمصلحة “إسرائيل” أو لمصلحة بعض الدول الإقليمية”. ففي رأي السيد نصرلله، الضربة لن تؤدي إلا الى تأزيم العلاقات الدولية وتعقيد مسار جنيف إن لم يكن نسفه.
من جهة أخرى، استنتج الكيان الاسرائيلي أن الضربة لم تغيّر شيئا، وأنھا لم ترفع إلا بطاقة صفراء باھتة جدا ضد أعداء الكيان في سوريا، وأن ھذه الھجمات لم تضعف الرئيس الأسد وإنما زادته قوة وجرأة ويقينا من أن موسكو ستقف الى جانبه دائما.
وفي تقييم آراء خبراء أميركيين ومسؤولين سابقين ما يصب في ھذا الاتجاه أيضاً، فالضربات الصاروخية لن تترك أثرا يذكر على الموقف من سوريا بشكل عام، وإدارة ترامب لم تتحرك لإضعاف النظام وضرب قدراته الجوية، وليس ھناك من تغيير ملحوظ في السياسة الأميركية حيال سوريا، وإزاحة الرئيس الأسد لا تشكل أولوية والضربات قد توجه رسالة الى الرئيس الأسد مفادھا أنه لا يحق له شن ھجمات كيميائية.
لكن الرسالة الأميركية من وراء ھذه الضربة ھي واضحة في اتجاه روسيا أولاً، فترامب لا يھدف من وراء ضربات كھذه الى قلب موازين القوى، وإنما يھدف الى التأثير على ورقة القوة التي يتسلح بھا بوتين لمقارعة أميركا وأوروبا وتعديل النظام الدولي. وھو يريد تغيير قواعد اللعبة التي أرساھا بوتين عاملا على تقويض القرارات الدولية ومعوّلا على الحسم العسكري وعلى تحالف مع إيران وتركيا صاحبتي النفوذ على الأرض.
فيما يبدو أن الروس قلقون من ھذا المنحى الأميركي الاعتراضي على دور روسيا وابتعادھا عن تفاھمات سابقة خصوصا في ما خص ما يسمى بـ”التمدد الإيراني”، فالروس يحذرون من أن الضربة ھدفھا تدمير العملية السياسية برمتھا في سوريا ويقصدون بذلك خطة بوتين ومشروعه ھناك. وھم يتوقعون استمرار الغرب في دفع العلاقات مع موسكو نحو مزيد من التصعيد.
أما في سوريا، فكان واضحا من خلال العدوان الثلاثي عدم استعداد الأميركيين والأوروبيين لإخلاء الساحة السورية أو القبول بالتموضع خارج اللعبة، وعلى النحو الذي ظھر أخيرا في قمة بوتين – أردوغان – روحاني في أنقرة. فالأوساط القريبة من دمشق تفيد أن ما بعد الضربة مثل ما قبلھا، وأن النظام وحلفاءه سيواصلون تنفيذ الأجندة العسكرية المقررة. وبعد حسم معركة الغوطة سيكون تحرك في اتجاه ريف حمص لحسم الوضع في “بؤرة تلبيسة – الرستن”، ولاحقا التحرك صوب درعا، وفي المستقبل صوب إدلب.
بالنتيجة، إن الھجوم الأميركي كان مجرد عملية محدودة وحذرة من دون أي مخاطرة يمكن أن تدفع الى اشتباك مع الروس، والضرر الفعلي الذي نجم عنه كان على نقيض مع الخطاب المرتفع لترامب، فمن الواضح أنه ليس ھناك من استراتيجية أميركية واضحة في سوريا حتى الآن لإنھاء الحرب . من هنا بدأت واشنطن تسرب سيناريوهات عديدة متناقضة تتراوح بين الانسحاب واستبدال قواتها بجيوش عربية. وهذا ما سوف تكشفه المرحلة الآتية.