من الكيان إلى الفرد: السعوديّة بحلّتها الجديدة
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || الوقت التحليلي
يتعمّد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حرف مسار السياسة السعودية التي انتهجت سياسة واضحة المعالم نوعاً ما منذ تأسيسها حتى وصول الملك سلمان بن عبد العزيز إلى كرسي الحكم، ومع وصول الملك الجديد فتح الباب على مصراعيه لطموحات ابنه الشاب محمد ليقود السعودية نحو “خط سياسي جديد” لا أحد يعلم مدى صحّته، ولكن دعونا نتعرف على السياسة التي رسمها الأمير الشاب لبلاده ونتائجها الأولية وبعدها نترك الحكم لكم.
سياسة كسر التوازنات
منذ تأسيس السعودية في 23 سبتمبر من العام 1932 وحتى وصول الملك سلمان إلى كرسي العرش، والسياسة السعودية تعتمد تقسيم المهام بين الأمراء في إدارة ملفات البلاد الداخلية والخارجية، ولكن هذا الكلام بدأ يتغيّر بعد وصول ابن سلمان إلى ولاية العهد، فقد انتهج الأمير الشاب سياسة إقصائية لم ترحم أحداً لا من الأمراء ولا من الدعاة ورجال الدين ولا حتى الشعب السعودي نفسه الذي بدأ يعاني اقتصادياً بعد أن كان فرحاً بالإصلاحات التي أجراها ابن سلمان داخل البلاد والتي تبين فيما بعد بأنها وهمية إلى حد بعيد.
ولي العهد أقدم على إجراء انقلاب على سياسة السعودية وحوّلها برمتها إلى مصلحته الشخصية ليتفرد بالحكم لوحده عبر إبعاد كل من يقف في طريقه بوسائله الخاصة التي لا يخلو العنف منها حتى لو كانت بحق أبناء عمومته، فالمهم هو أن يصل إلى كرسي العرش.
مراكز الدراسات الإسرائيلية والتي أشادت بإصلاحات ابن سلمان خلال الأشهر القليلة الماضية، بدأت اليوم تنتقض سياسته وتعتبرها “ذاهبة نحو المجهول”، علماً أن الأمير الشاب أعلن العلاقة مع “إسرائيل” بشكل واضح تقريباً وامتدحها في عدة مناسبات، ولكن لم تستطع مراكز الأبحاث هذه غضّ الطرف عن مستقبل سياسة ابن سلمان، وحول هذا الموضوع نشر مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي مؤخراً دراسة جديدة تثبت فشل محمد بن سلمان في قيادة البلاد وأخذها نحو المجهول.
إذ تقول الدراسة إن “هناك شكوكاً عميقة حول قدرة الحاكم الفعلي للسعودية ولي العهد محمد بن سلمان على إخراج ما أطلق عليه “الثورة المجتمعية” التي أعلنها للخروج ببلاده إلى آفاق جديدة من المدنية والتعددية الفكرية”، ويضيف مُعدّ الدراسة والباحث في المركز يوئيل غوجانسكي، أنه وبخلاف ثورات الربيع العربي التي انطلقت منذ نهاية 2010، فإن الثورة السعودية المزعومة بدأت من رأس الهرم وليس قاعدته كما في الدول الأخرى، وهو ما يجعل نجاحها أو فشلها مرهون بشخص ابن سلمان فقط، وهنا مكمن الخطورة.
دكتاتورية ناعمة
حاول ابن سلمان تخفيف حدة الديكتاتورية التي يمارسها على شعبه عبر إعلانه حزمة إصلاحات جديدة تفتح آفاقاً واسعة للشباب السعودي وتشعرهم بنوع من الطمأنينة نحو مستقبل بلادهم صاحب الصورة النمطية القديمة، وبالتالي كسر هذه الصورة وتحسين سمعة البلاد من خلال إعطاء المرأة المزيد من الحريات وتقديم وسائل ترفيهية كان الشعب محروماً منها لعقود طويلة.
هذا الكلام جيد وجميل ويبشر بالخير، ولكن هل يمكن أن يحقق الطمأنينة للشعب وهو يتعرّض لأسوأ وضع اقتصادي شهدته السعودية منذ سنوات طويلة، أسبابه كثيرة ولكن نتائجه أرهقت الميزان التجاري وأصابته بعجز غير مسبوق تحدثت عنه وزارة المالية في نوفمبر الماضي، حيث أعلنت في تقرير لها وصول العجز في ميزانية السعودية خلال الشهور الـ 9 الأولى من العام الماضي إلى 32.4 مليار دولار، وهو العجز المستمر للعام الـ 4 على التوالي، مضيفة إن الإيرادات المالية للعام 2017 حتى نهاية سبتمبر/أيلول الماضي بلغت 450.1 مليار ريال (120 مليار دولار) بزيادة 23% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، بينما بلغت المصروفات 571.6 مليار ريال (152.4 مليار دولار)، مسجلة ارتفاعاً طفيفاً بنسبة 0.4% مقارنة بالعام السابق، ومثّلت المصروفات ما نسبته 64% من إجمالي الإنفاق السنوي.
يضاف إلى الكلام السابق فرض المزيد من الضرائب على المواطنين، نظراً للسياسة الخارجية العدوانية التي يتبعها الأمير الشاب بحق جيرانه في الشمال والشرق والجنوب والتي كلفت السعودية مليارات الدولارات دون أي مكسب حقيقي على الأرض، وهذا سيخلق لولي العهد المزيد من الأعداء ويجعل السعودية على فوهة بركان قد ينفجر في أي لحظة.
الغرب والتسلح غير المبرر
أنفق ابن سلمان مليارات الدولارات على شراء الأسلحة مقتطعاً قيمتها من ميزانية بلاده التي تتهاوى ومن قوت شعبه الذي بدأ يعاني اقتصادياً، ولن تخفف موجة الإصلاحات الوهمية نار الأسعار التي ترتفع هناك.
صفقات الأسلحة تريدها أوروبا وأمريكا قبل أن يريدها ابن سلمان نفسه، فالغرب يريد أن يملأ خزائنه بالمال السعودي لتحسين وضع بلاده الاقتصادي ولا يجد مانعاً في ذلك حتى لو كان على حساب تدمير شعوب أخرى، فقد اعتاد الغربيون العيش على حساب دمار بقية الشعوب لتأمين الرفاهية لشعوبهم، وبالتالي قرار الكونغرس الأخير برفض إيقاف الحرب على اليمن قد يوضح جانباً مما نقول.
مقابل هذا المال وهذه الصفقات سيصمت الغرب أمام جرائم ابن سلمان في اليمن وسوريا وسيتغاضى عن حصار قطر طالما أن الرجل يدفع بسخاء، ولكن إذا كانت مغامراته في الداخل تشبه مغامراته في الخارج فعلى السعودية السلام.