ضجيج أحداث “المصارعة في السعودية”… هل انقلب السحر على الساحر؟
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || الوقت التحليلي
نشاطات ولي العهد السعودي الشبابية داخل السعودية تفتح أبواباً جديدة على الأمير الشاب، كان يتمنى أن تقوده نحو المزيد من كسب الثقة والمزيد من الشعبية ولكن ما حصل يوم الجمعة الماضية في ملعب الجوهرة بمدينة جدة عكّر صفو المدينة والسعودية بأكملها.
الحدث غني عن التعريف لانتشاره كالنار في الهشيم في قنوات الإعلام العالمية والعربية، والجميع يتحدث بلغة متقاربة لا عن إقامة السعودية لأول عروض المصارعة الحرّة بل عمّا حدث داخل العرض الأول الذي حمل شقين الأول: أثار جدلاً كبيراً نظراً لظهور نساء يرتدين ملابس غير محتشمة ويرقصن أمام عدسات المصورين والأغرب من هذا أن قناة التلفزيون السعودي الرياضيّة نقلت هذه المشاهد التي أثارت ضجة كبيرة داخل أسوار السعودية.
الشق الثاني: ارتبط بشكلٍ يدعو للغرابة بمسألة سياسية بحتة خرجت للعلن بطريقة مبتذلة عبر إجراء مسرحية مفبركة هدفها استفزازي بحت ولا يمكن اعتبارها بريئة تحت أي مسمى، حيث رفع المصارعون علم إيران داخل صالة المصارعة، وعلّقت وسائل إعلامية سعودية محلية على الحدث بأن المشهد تمثيلي ويعبّر عن قضاء الرياض على مغامرات طهران، إذ يلقي أحد المصارعين السعوديين الهواة المصارع الأمريكي عن الحلبة.
وعلّقت صحيفة “عكاظ” السعودية على حضور الإخوة دايفاري الأمريكيين من أصول إيرانية إلى حلبة المصارعة ورفعهم العلم الإيراني بأنه تصرف استفزازي الأمر الذي أغضب الجمهور السعودي، ما دفع المُصارعين السُّعوديين الهُواة إلى التعاون، بهدف هزيمة وإقصاء نجمي المُصارعة المُحتَرِفَين من حلبة المُصارعة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا كيف وصل العلم الإيراني إلى داخل صالة العرض دون أن تعلم الاستخبارات السعودية بذلك ونحن هنا نتكلم عن حدث غاية في التنظيم والإدارة وبحضور ولي العهد نفسه، وبالتالي يعتبر الحدث اختراقاً أمنياً وضعفاً مخابراتياً خطيراً في حال ثبت أن دخول العلم لم يكن مفبركاً، ولكن نستبعد ذلك لأن الوقائع وما حصل لا يظهر براءة الموقف ولكن لمَ هذه المصارعة التمثيلية الرخيصة والتي حملت أبعاداً سياسية لم يكن لها أي داعٍ في ظل أجواء سياسية مشحونة بين البلدين، مع العلم أن فعله ابن سلمان سينعكس عليه سلباً سواء أكانت النية إظهار قوته في حلبة الصراع أو إهانة الطرف الإيراني.
الجواب الأول على ما حصل جاء من المتضامنين مع جنوده الذين يرابطون على حدود المواجهة جنوب البلاد، حيث عبّر هؤلاء عن غضبهم من رفع العلم الإيراني على مواقع التواصل الاجتماعي مشيرين إلى أنه في الوقت الذي يقاتل فيه السعوديون في الحدّ الجنوبي “الحوثيين” المدعومين من طهران، يرفرف علم مَن تعتبرهم السعودية عدوّاً في سماء مدينتهم. واعتبر المغرّدون ما حدث إهانة يجب ألّا تمرّ، حتى وإنْ كانت ضمن التسويق لهذه الرياضة وللمصارعين السعوديين.
أما بالنسبة لمشاهد النساء غير المحتشمات واللاتي ظهرن على شاشة التلفزيون السعودي الرسمي، ونظراً لخروج موجة غضب عارمة في الشارع السعودي بعد ظهور هذه المشاهد على شاشات تلفزتهم، اضطرت هيئة الرياضة لتقديم اعتذار للشعب السعودي عن هذه المشاهد، ناشرة على حسابها على تويتر بياناً أكدت فيه رفضها القاطع لذلك المشهد، “في ظل التزامها باستبعاد كل ما يسيء أو يتعارض مع قيم المجتمع”.
وكان لافتاً موقف رئيس تحرير صحيفة “كورة” عبدالعزيز العتيبي من مشاهد النساء الشبه عاريات حيث غرّد قائلاً: “قمّة السخافة والعار، وعدم المُروءة والأدب، عرض مثل تلك اللقطات على شاشة حُكوميّة، نعم نحن مع الانفتاح والتطور، ولكن ليس مع الانحطاط والدعارة”، وقد عبّر أيضاً بعض السعوديين عن امتعاضهم من صُور الفتيات الخادِشة، مُؤكِّدين أنّ هذا الأمر غريب، ولا يليق بمقام بلادهم، مُطالبين رجال الدِّين بالتَّدخُّل.
عمَّ يبحث ابن سلمان؟!
في الحقيقة الأمير الشاب يهرب من التزاماته العاجز عن تحقيقها للشعب السعودي والتي كان قد وعدهم بها عبر مشروعه “رؤية 2030” والذي لا يبدو أنه يسير بشكل جيد في ظل زيادة نسبة البطالة وارتفاع حدّة المشكلات الاجتماعية، فضلاً عن زيادة عدد الضرائب وإفراغ جيوب الشعب الذي ارتفاع معدل البؤس لديه من 12.5 إلى 15.4 وأصبح هذا البلد عاشر اقتصاد بائس في العالم بعد أن كان في المرتبة الـ 14، بحسب وكالة بلومبرغ التي قالت إن السعودية هي صاحبة أسوأ أداء اقتصادي بين الاقتصاديات التي تم دراسة أدائها.
إذاً في ظل عجز ابن سلمان عن مواجهة ملفاته الخارجية الذي تورّط بها حتى أخمص أذنيه من اليمن وسوريا مروراً بقطر وصولاً إلى عجزه عن مواجهة إيران من خلال سياسته الحالية التي يخدم بها طهران أكثر مما يضرها.
ورغم أن هذا الحدث الرياضي في الظاهر جيّد، بصرف النظر عن عشرات الأخطاء التقنيّة التي حصلت بين ثناياه والتي استعرضناها في مقالنا، إلا أن حقيقته تبدو مغايرة بعض الشيء، ففي حين يصرّ البعض على أن إجراءه يأتي التزاماً برؤية 2030، يرى آخرون أن الهدف هو العكس تماماً أي الهروب من تنفيذ التزامات رؤية 2030.
لا ينكر أصحاب الرأي الثاني وجود بنود رياضية في رؤية ابن سلمان، إلا أنهم يلفتون الانتباه إلى أن ابن سلمان يركّز فقط على الأمور التي تعزّز شعبيته بين الشباب والأطفال، متغافلاً عن الوعود أو البنود الأخرى التي وردت في نص الرؤية، فأين الصندوق السيادي بقيمة 2 ترليون دولار الذي وعد به؟ أين فرص العمل؟!.