سقطرى هي عنوان للسيادة والكرامة اليمنية ولن يقبل اليمنيون بأي شكل كُـلّ المحاولات الإماراتية لإخضاعها … سقطرى: أوجاع الطبيعة
موقع أنصار الله || صحافة محلية || المسيرة |تقرير: ماجد التميمي
منذُ ما يزيدُ عن عامَين، تحاولُ الإمارات فرْضَ سيطرتها على جزر أرخبيل سقطرى اليمنية، مستغلةً الظروفَ السياسيةَ الاستثنائية التي تمر به اليمن اليوم، ولا شك أن خطوةَ كهذه قد جعلت الجزيرة تواجه ظرفاً تأريخياً استثنائياً، ربما يكون الأصعبَ منذ تكونها الطبيعي الأول، لا سيما وأن وجودها في ذلك الصقع البعيد قد جعلها -على امتداد حقب تأريخية- تحتفظ بجوهر تكوينها ضمن معادلة التوازن البيولوجي الذي شهد اختلالات عديدة في عصرنا الحالي، وبروز ما يسمى بالقائمة الحمراء للكائنات المنقرضة او تلك المهددة بالانقراض، بالإضافة إلى نجاتها من أفعال الإنْسَان وتدخلاته، وهو ما جعلها تنتزع كُـلّ هذا التقدير العالمي؛ باعتبارها مستودعاً طبيعياً وأحيائياً زاخراً وواحداً من أهم مواقع التنوع الحيوي في العالم.
هذا الأسبوع كان له وَقْــعٌ آخر في سقطرى بعد قيام الإمارات بالدفع بقُـوَّات كثيرة إلى الجزيرة واحتلالها للمطار والميناء وفرضها شروط المحتل، وعدم انصياعها لكل المحاولات التي سعت إلى اقناعهم بسحب قُـوَّاتهم وتسليم المنشآت في الجزيرة، ازداد الموقف تعقيداً بعد سلسلة تصريحات وتغريدات لوزير الدولة للشؤون الخارجية بالإمارات لوّح فيها، وبكل صفاقة، إلى أحقيتهم في الجزيرة، زاعماً، وبكل سذاجةٍ، وجود روابط أسرية بينهم وبين السقطريين، ومتجاهلاً في الوقت ذاته أنهم ليسوا أكثر من دولة طارئة عمرها لا يتعدى عمرَ مصنع في ضاحية من ضواحي اليمن.
متحفُ التراث الطبيعي او كما اصطلح تسميته من قبل منظمة اليونسكو العالمية يلخّصُ قيمة طبيعية وثقافيه هي الأندر على مستوى العالم؛ نظراً لاحتفاظها بنمط خاص واستثنائي ليس على مستوى مكتنزاتها الطبيعية النادرة فحسب بل في لغتها وأُناسها وأنماط العيش فيها، هذه الميزة الاستثنائية جعلت العالَمَ يقرر في مؤتمره العالمي (قمة الأرض) المنعقد في مدينة ريودي جانيرو بالبرازيل عام 1992م اعتبار سقطرى واحدةً من أهم تسعة مناطقَ عالميةٍ لا تزال بكراً ولم تطرأ عليها أية تشوهات، وخَاصَّـةً في ظل التواجد البشري فيها، ولم تخضعْ لاستغلال جائر ومفرط، ولم يتم العبث بأحيائها ومقدراتها الطبيعية كما حدث في مناطق طبيعية أُخْـرَى من العالم.
خضعت الجزيرة للكثير من الدراسات والأبحاث التصنيفية خلال العقدين المنصرمين، بعض هذه الدراسات أجراها باحثون أجانبُ من منظمات عالمية متخصصة في مجال الطبيعة والبيئة والأحياء, كمنظمة حماية الطيور وبرنامج الأُمَـم المتحدة للبيئة وبالشراكة مع الجهات الحكومية المختصة كهيئة حماية البيئة، وأظهرت تلك الدراسات أهميّةً استثنائيةً على صعيد بيئاتها الطبيعية وتنوعها الإحيائي، فالجزيرة -بحسب الدراسات- تضم 39 محمية لا تزال في أطوارها البدائية، كما تحتضن تجمعاً نباتياً وطبياً هو الأندر على مستوى العالم، وتشير هذه الدراسات إلى وجود نحو 700 نوع من الأنواع النادرة التي توصف بالمستوطنة، إذ لا وجود لها في أي مكان آخر في العالم.
وَما يثيرُ القلقَ اليومَ هو أن الإمارات باتت تتصرَّفُ بشكل غير لائق تجاه المكون الأحيائي الزاخر في جزيرة سقطرى، وتقوم بتصرفات عبثية من خلال تدمير بعض المواقع الطبيعية والأثرية وتحويلها إلى مواقع استثمارية, ناهيك عَن تماديها المفرِطِ في نهب بعض كائناتها النادرة من نباتات وطيور، وبصورة اعتبرها البعضُ سرقة للحضارة والهوية الطبيعية للجزيرة، وقد حدث ذلك منذ بدء الفترة التي دخلت فيها القُـوَّات الإماراتية الجزيرة وشرعت بالتصرف بمقدراتها كما لو كانت حقاً مكتسباً لها.
والغريبُ أن ذلك يحدُثُ وسط صمت دولي مطبق حتى من قبل المنظمات الدولية التي تدّعي حمايتَها لمثل هذه المواقع الدولية, وأخصُّ بالتحديد هنا منظمة اليونسكو التي كانت قد أدرجت سقطرى ضمن محميات التراث الطبيعي وضمن مواقع التنوع الحيوي وذلك في القرار الدولي رقم (1263).
لقد ظلت جزيرة سقطرى بمنأىً عن كُـلّ أشكال الصراع، بجغرافيتها البعيدة، وأهلها الذي انساقوا وراءَ تطلعات عصرية لم ترقَ يوماً إلى مفهوم حضري، إذ ظلت الطبيعة هي المسيطر على كُـلّ أشكال الحياة، وربما لهذا السبب تماهَت العلاقة بين إنْسَان الجزيرة وتكوينها الطبيعي، فجاءت أمزجة الناس وطِباعُهم منساقةً وفق ما تفرضه قوانين الطبيعة لا البشر.
في الوقت الحاضر يراقب اليمنيون ما يحدُثُ بقلق كبير، مدركين، في الوقت ذاته، أن أيةَ تأثيرات بالغة تُصيبُ الجزيرةَ جراء التواجد الإماراتي الذي يواصل العبث بمقدراتها الطبيعية سيمثل خساره ثقافيه بامتياز، خَاصَّـةً في مثل هذا الظرف السياسي المشحون بالفوضى وقوى العدوان التي تسعى إلى تمزيق النسيج الوطني، ويخشون من التباطؤ في اتخاذ إجراءات لإنهاء هذا التدخل و معالجة الأضرار التي تتسبب بها القُـوَّات الإماراتية المتواجدة في الجزيرة، مما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى تلف مواطنها الطبيعية وانحسار قيمتها عالمياً بعد أن تصدرت قائمة التصنيف العالمي كموقع للتراث الطبيعي والإنْسَاني.
تتعزز أهميّة سقطرى كوجهة سياحية عالمية، من خلال تمتعها بمنتج سياحي فريد من نوعه ومتعدد في عناصره، إذ تمثل الطبيعة العنوان الأبرز للسياحة داخل الجزيرة، التنوع الأحيائي الفريد قد جعلها في قائمة التصنيف البيولوجي، كموقع استثنائي للتنوع الحيوي، علاوةً على ذلك فان شواطئها الجميلة وجغرافيتها المتنوعة ومناخها الآسِر قد جعلها تحظى بتقديرٍ سياحي كبير، مما يفرض علينا إيلاءَها اهتماماً خاصًّا يتوازى مع القيمة السياحية العالمية التي حظيت بها الجزيرة.
وقبل أن تتحقّقَ هذه الغاية علينا أولاً أن نعلمَ أن الجزيرة تواجه ظرفاً سياسياً صعباً في الوقت الحالي فرضته دولةُ الإمارات العربية المتحدة بعد دخول قُـوَّاتها إليها، وهو الأمر الذي لا يمكنُ قبولُه؛ نظراً لخُصوصية الجزيرة الطبيعية، بالإضافة إلى وجودِ مساعٍ احتلالية للقيام ببعض الإنشاءات فيها، ما قد يسبب في تلف وتدمير المواقع الطبيعية والمناطق المحمية داخل الجزيرة، وهو ما يحدث في الوقت الحالي بحسب الكثير من المصادر..