الأساليب التكتيكية للتطبيع الاستراتيجي بين الدول العربية والكيان الاسرائيلي

موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية ||  الوقت التحليلي

يترقب العالم بصمت صفقة القرن التي تلعب فيها السعودية دورا محوريا، والتي تهدف عملياً إلى تصفية القضية الفلسطيينة والقبول بالكيان الصهيوني المصطنع “كدولة جارة وصديقة” للدول العربية، إلا أن هذه الخطوة لم تأت دفعة واحدة بل سبقها الكثير من الخطوات التطبيعية التمهيدية، والتي نعاصرها منذ معاهدة كامب ديفيد التي وقعها الرئيس المصري السابق أنور السادات مع الكيان الاسرائيلي. هذه الخطوات تنوعت في المناسبات الثقافية أو الاعلامية أو الفنية أو الرياضية، ولعل أكثرها خطورة ما بدأنا نشهده اليوم من التطبيع حتى على المستوى الديني خاصة عندما دخلت دول الخليج على الخط مندفعة بفعل الابتزاز الواضح الذي تمارسه عليها الإدارة الأمريكية، بأن عروشهم هي رهن لدعم ورضى السيد الأمريكي عنهم.

 

ونحن هنا لا نتحدث عن التطبيع على مستوى الحكومات والدول، إذ أن التعاون بين الكيان الاسرائيلي وبعض الدول العربية قديم وإن لم يظهر للعلن في كثير منه، ومردّه أن هذه الدول تشترك مع اسرائيل بكونها قائمة أساسا على دعم الإدارة الأمريكية التي توظفهم كأدوات للهيمنة على المنطقة، بل ما نريد أن نلفت إليه هي الأساليب التآمرية التي تقوم بها هذه الدول بالشراكة مع أمريكا واسرائيل من أجل تطويع شعوبها والدفع نحو تقبل الكيان الاسرائيلي والتطبيع معه على المستوى الشعبي.

 

وفيما يلي نسلط الضوء على أهم الأساليب التكتيكية التي يجري العمل عليها من أجل التطبيع الاستراتيجي للشعوب العربية مع الكيان الاسرائيلي:

 

أوّلاً: الإعلام

 

من خلال تصوير الصراع العربي الاسرائيلي ضمن العنواين الرئيسية على الشاشات الكبرى العربية وعلى رأسها الجزيرة والعربية أنه صراع فلسطيني اسرائيلي، وحتى في بعض الاحيان على أنه نزاع ايراني اسرائيلي على الأرض العربية، وكأن الدول العربية الأخرى غير معنية بكل الجرائم الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني والمقدسات الاسلامية والأراضي العربية المحتلة،  كذلك تفرد هذه المحطات مساحات واسعة من برامجها لاستضافة الشخصيات الاسرائيلية الرسمية وغير الرسمية واعطائها المجال لبث خطابها المليء بالشتائم ضد المقاومة. هذا عدا عن الزيارات المتبادلة لوفود اعلامية من الدول العربية والكيان الاسرائيلي كان آخرها ما قام بها وفد اعلامي مغربي إلى الكيان الاسرائيلي والاشادة التي عبر عنها تجاه الكيان المغتصب.

 

وعلى صعيد الشبكات الاجتماعية، فقد عمد الكيان الاسرائيلي إلى إنشاء العديد من الصفحات باللغة العربية، تحظى بالآلاف من المتابعين والأعضاء، عبر توظيف جيش من المحاورين المحترفين لتجميل الصورة الاسرائيلية للمتابع العربي، أو بالحد الأدنى نقل المتابع العربي من حالة الرفض إلى حالة القبول والنقاش.

 

ثانيا: المناسبات الدينية

 

في كل مناسبة دينية يطل الناطق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي “أفيخاي أدرعي” ليبارك للمسلمين سواء بحلول العيد أو دخول شهر رمضان المبارك، وللأسف بدأ البعض يتجاوب مع الخطوات الماكرة للصهاينة في هذا المجال، معتبراً إياها خطوات تجاه السلام والتعايش المشترك مع “أهل الكتاب”، ناسيا أن الموضوع هنا يتجاوز موضوع أتباع ديانة سماوية، بل يتعلق بكيان عنصري مغتصب للحقوق والمقدسات، وممعن في جرائمه قتلاً وتهجيراً ضد أصحاب الأرض الاصليين.

 

كما أن الدعوة التي وجهها وزير الاتصالات الاسرائيلي “أيوب قرا” لمفتي السعودية ورئيس هيئة العلماء “عبدالعزيز آل الشيخ” لزيارة فلسطين المحتلة تعتبر مؤشراً خطيراً لمساعي التطبيع الديني الذي يسعى إليه “الكيان الاسرائيلي”، خاصة وأن الدعوة قد جاءت مع إشادة بمواقف مفتي السعودية وفتواه بتحريم قتل اليهود وتجريم حركة المقاومة الاسلامية حماس ووصفها “حركة ارهابية”، ويرى مراقبون أن هذه الخطوة تأتي انسجاماً مع الموقف السعودي الرسمي الصريح تجاه تطبيع العلاقات مع اسرائيل والذي عبر عنه ولي العهد محمد بن سلمان في أكثر من مناسبة، ولا نستغرب استجابة هيئة العلماء السعودية لهكذا دعوات في المستقبل القريب، خاصة في إطار صفقة القرن و دور السعودية المحوري فيها.

 

فالسعودية باعتبارها أرض الحرمين الشريفين، والتي حاولت أن تكرس نفسها على مدار عقود كدولة ذات دور محوري وذات قداسة خاصة في العالم الاسلامي، من شأن أي خطوة تطبيعية بينها وبين الكيان الاسرائيلي أن تشكل عامل تضليل كبير للكثير من المسلمين حول العالم.

 

ثالثاً:المناسبات الرياضية

 

حيث كثر في الآونة الأخيرة التطبيع العلني مع الكيان الاسرائيلي سواء عبر المشاركة في البطولات التي تقام في الاراضي المحتلة أو دعوة الفرق الرياضية الاسرئيلية للحضور في الدول العربية. والأنكى من ذلك أننا أصبحنا نرى هذه الخطوات تقام احتفالا بذكرى اغتصاب فلسطين. حيث شارك مؤخراً كل من فريق البحرين والإمارات في سباق الدراجات الهوائية المقام في القدس المحتلة بمناسبة الذكرى السبعين لـ “قيام اسرائيل”.

 

كما شهد شهر مارس المنصرم مشاركة سائقين من الدولة العبرية في “رالي أبو ظبي الصحراوي” للسيارات، وقبلها احتضنت العاصمة الإماراتية بطولة “غراند سلام أبو ظبي للجودو”، وشهدت مشاركة لاعبِين “إسرائيليِّين”. كما شارك الكيان الاسرائيلي في نفس الفترة في بطولة لكرة اليد أقيمت في قطر بفريق للفتيان وآخر للفتيات، كما سمحت قطر قبلها بعدة اشهر للاعب اسرائيلي للمشاركة ببطولة لكرة المضرب، الامر الذي تبعه إشادة من الاعلام الاسرائيلي بالموقف القطري.

 

هذا عدا عن الضغوط التي تُمارس على اللاعبين العرب سواء من قبل حكوماتهم أو المنظمات الدولية لمعاقبة من يرفض المشاركة في مواجهة اللاعبين الاسرائيليين.

 

رابعاً: التخويف من إيران

 

وهي السياسة التي تنتهجها أمريكا واسرائيل، من أجل بث الفرقة بين المسلمين ودفع الدول العربية إلى حضنها، واليوم نجد أن الذريعة التي تتذرع بها دول مجلس التعاون والمملكة السعودية بشكل خاص لتبرير التقارب الفج مع الكيان الاسرائيلي، هي مواجهة الخطر الإيراني المزعوم. فالماكينة الاعلامية الأمريكية والاسرائيلية مصحوبة ببعض القنوات الاعلامية الخليجية تعمل اليوم بشكل حثيث لترويج الإيرانفوبيا بين الشعوب العربية، كإطلاق هاشتاقات على الشبكة الاجتماعية مفادها أن “إسرائيل أهون الشرين”، وأن التحالف مع الكيان الاسرائيلي أصبح ضرورة لمواجهة “المد الإيراني”، وتخصيص آلاف الساعات على الشبكات التلفزيونية للحديث عن “خطر البرنامج النووي الإيراني”، وتدعيم هذه الفكرة لدى الشعوب العربية من خلال اللعب على الوتر الطائفي واستخدام خطاب الكراهية بشكل محترف ضمن حملة موجة وغرف عمليات تكلف مليارات الدولارات، في حين يتم الحديث عن الاسرائيليين بأنهم أهل ذمة وأهل كتاب وأهل عهد وميثاق..!

 

مما سبق نجد أن الخطوات تجاه التطبيع مع الكيان الاسرائيلي تأخذ يوماً بعد يوم مساراً أكثر جدية، مع تفشي حالة من اللامبالاة بالحقوق العربية والجرائم الصهيونية تجاه الشعب الفلسطيني، الأمر الذي يتيح للاسرائيليين المزيد من التوغل في جرائمهم، وهو ما يتطلب وقفة واعية من الشعوب العربية ضد كل الممارسات التطبيعية.

قد يعجبك ايضا