فلسطين بعد 70 سنة على نكبتها
|| صحافة عربية ودولية || العهد
{ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} ـ (الرعد: 17)
70عاما على نكبة فلسطين، جرت خلالها مياه كثيرة في نهر الأردن، وتبدلت مناخات في عواصم عربية، لم تعد “قضية فلسطين” على ذات سويتها الحارة في في بدايات النكبة هتافاً أو شعاراً تتستر به الكثير من الأنظمة العربية من باب التقية. ترى هل القضية في طور التلاشي كما تظهرها العين المجردة، أم هي على العكس وإنما على سلم أخر من المقايس. لابد هنا من النظر من ثلاث زوايا كيما يكتمل المشهد.
العالم العربي
تمددت اسرائيل في العالم العربي، بالتوسع العسكري على حساب جوارها الأقليمي، ثم مالبثت ان تمددت بالحضور السياسي، والأقتصادي مقيمةً علاقات مع معظم الدول العربية وفي مقدمتها مصر الأكبر بينها، وتعتبر الأن عند بعض دول الخليج جزء من( امنها القومي)، على اساس ان العدو الرئيس لها هو ايران!. هذا غير علاقاتها بالمغرب وهي تعود لعقود سابقة. غير أن هذا الأختراق لم يرق عمقاً ليصل إلى الشعوب العربية والتي ترفض بشدة مد الجسور إلى الصهاينة، ظلت العلاقات في أدنى اشكالها تقتصر على السياحة وبحذر شديد لدوافع امنية،, لهذا ومن باب تجميل الصورة تلجأ “اسرائيل” إلى إبراز مظاهر كالذي رايناه من احتفال في اوتيل “ريتز كارلتون” بالقاهرة والذي اقتصر الحضور فيه على المستوى الرسمي ولم يشارك فيه مستويات أخرى. فيما الشارع المصري كان مفعماً بالسخط حيال هذه الوقاحة، وبحوادث شبيهة في عمان . والخلاصة ان التطبيع مع الشعوب سقط، والتطبيع مع المؤسسات الأقتصادية او الانتاجية او الخدمية شبه معدوم، وبالرغم من تراجع مكانة القضية الفلسطيني في الشارع العربي كقضية ملتهبة تستثير المشاعر والهمم، فإنه ما زالت تهمة كبيرة ان يقوم عربي باستيراد بضائع اسرائيلية أو الترويج لها. كل ذلك بالرغم مما بات حقيقة وهو ان مكانة قضية فلسطين قد تراجعت بين ابناء الشارع العربي، ولا عجب في مجتمعات بعضها يعيش دون خط الفقر، وفي احسن حالاتها تطحنها الأزمات المعيشية ولهاث الناس سعيا وراء قوتهم، وهذا يضعنا امام موضوع كبير وهو أن افقار المجتمعات العربية امر مطلوب ما لم يكن هدفاً استراتيجيا للغرب، وعلى هذه الخلفية تجري نهب ثروات الأغنياء على غرار ما فعله ترامب مع دول الخليج،فيما تجري في الدول المحدودة الثروات رعاية الفساد وسوء الادارة للوصول إلى نفس النتيجة !.
العالم غير العربي !
تدرجت دول العالم لجهة الأعتراف “باسرائيل”، ومن كان متردداً حزم امره مع هذا التدهور العربي الذي تأسس باعتراف اكبر دولة عربية بالكيان الغاصب وتبادل السفراء!، فيما دول عربية كانت تضمر الأعلان بانتظار التوقيت المناسب ولم تجد مناسبا اكثر من اعتراف ممثل الشعب الفلسطيني اي سلطة رام الله !! بـ”اسرائيل” !!، في البداية جاء اعتراف العديد من دول العالم تأثراً بالدعاية الصهيونية واستثمارها للمذابح النازية لإثارة الشفقة والتعاطف على اليهود، أما الاعبين الكبار كامريكا وبريطانيا وهم العارفين بالأسرار منذ بداياته الأولى في بال السويسرية وعليه جاء “وعد بلفور” فقد ايدوا ودعموا دولة الكيان الصهيوني من خلال الدور المناط بها، وهنا نشير إلى أن ” الأتحاد السوفيتي” كان اول المعترفين بها ـ بعد 48 ساعة ـ بأعتقاد ساذج أن الدور هو اجدر بسرقته وتجيره لصالحه باعتبار ان اسرائيل نموذج “للدولة الأشتراكية”، طبعا كان هذا قبل أن تكتشف موسكو ان “اسرائيل” بوليس “امريالي” واحتياط استراتيجي للغرب في الشرق الأوسط .
بعد 67 وتوسع المستوطنات في الضفة وتعديات مستوطنيها على الفلسطينيين تشكل تيار شعبي في الغرب مناهض لدولة الكيان الغاصب، وأخذ بالتصاعد مع ممارسات اسرائيل القمعية لدرجة المقاطعة، هذا في وقت يقوم بعض اصحاب النفوس الضعيفة من العرب وسطاء لشركات او منتجات اسرائيلية !. تيار المقاطعة لـ”اسرائيل” يتنامى في الغرب وهذه بعض الأمثلة وبلسان صهيوني كما أوردته “يديعوت احرونوت” وهي بعضٌ من كثير نسوقه من باب الدلالة :
اوقف صندوق الأستثمار التابع للحكومة النرويجية تعامله مع البنوك الأسرائيلية، بلدية “ميركفيل” الأسترالية تقاطع البضائع الأسرائيلية وكل من يتعامل معها في استراليا،كما دعت منظمات استرالية داعمة للفلسطينين بمقاطعة برتقال يافا وشوكولا “ماكس بيرنر” . في المانيا شركة القطار الحكومية انسحبت من مشروع “قطار اسرائيل” الذي يمر في الضفة، شركة فيتنس الهولندية للمياه اوقفت التعامل مع شركة مياه “اسرائيل ـ مكوروت” فيما صندوق التقاعد الهولندي سحب استثماراته من البنوك الإسرائيلية . شبكة الاسواق التجارية الكبرى في بريطانيا المسماة ” كواوفرنتيف” فرضت المقاطعة على جميع المنتجات التي تنتج في المستوطنات المقامة في الضفة الغربية والقدس المحتلتين،
تأخذ مقاطع “اسرائيل” مناح عدة منها الأقتصادي كما اسلفناه ومنها الثقافي مثل الغاء بلجيكا لمعرض اسرائيلي في عاصمتها بروكسل، ورد مهرجان للسينما في اسكوتلندا جائزة كانت قد قدمتها سفارة “اسرائيل”، ومنها الأكاديمي مثاله قرار أعضاء الرابطة الوطنية للمعلمين ورابطة اساتذة الجامعة في بريطانيا مقاطعة “اسرائيل” أكاديمياً، وقرارالحكومة الأسبانية منع جامعة “اريئيل” الإسرائيلية من المشاركة في المرحلة النهائية للمسابقة الدولية بين كليات الهندسة المعمارية، وذلك لوجود الجامعة في مستوطنة “اريئيل” المقامة على الضفة الغربية . والحديث عن المقاطعة يطول ويأخذ اشكالاً تضر بـ”اسرائيل” وذكر وزير ماليتها “مائير لابيد” أن “تعثر المفاوضات مع الجانب الفلسطيني ” الحق اضرارا بالصادرات الأسرائيلية تقدر بحوالي 20 مليار شيكل، إلى جانب هذا اعترفت الخارجية الأسرائيلية بعجزها عن مواجهة المقاطعة
التحدي العسكري
منذ تأسيسها وحتى إلى ما قبل سنوات خلت ظلت اليد الأسرائيلية هي العليا، واوجدت حرب 67 عقدة “الجيش المتفوق” التي بدأت تنحل بعد الانجازات التي تحققت في حرب تشرين الاول/اكتوبر 73 . لكن ومن الوجهة العملية ظل جيش العدو متفوقا على باقي الجيوش العربية بالسلاح والعديد من التقنيات المتممة، غير ان التحولات الحقيقية بدأت بالظهور مع اندحار “اسرائيل” عام 2000 حيث انسحبت لأول مرة في تاريخ صراعها مع العرب دون قيد او شرط ولم تترك سفارة وراءها كما كان حال غيرها في مصر والأردن.. بعدها جاء فشلها الذريع صيف 2006 ويومها كانت هي التي تستغيث طالبة من امريكا التدخل في مجلس الأمن لوقف اطلاق النار!. ولعل ذلك فرض معادلة توازن في الردع على طرفي الحدود، غير أن هذا الأمر بدا كبقعة الزيت التي اخذت تتسع وتنتشر، فمن لبنان إلى غزة ثم إلى الجولان، التي شهدت قصفا سوريا نوعياً بصواريخ متطورة، وهذا لأول مرة منذ عام 1974 وقبلها بايام اسقاط طائرة اف 16، وبهذا ارتسمت قواعد جديدة للأشتباك، الأمر الذي يشكل منعطفا في مسار الصراع، لكونه جاء على خلفية تطور نوعي من حيث تقدم القوات المسلحة السورية بما توفر لها من سلاح متطور وبما تراكم لديها من خبرات قتالية، كانت تلك رسالة إلى “اسرائيل”.. لها ما بعدها.
وبعد فان هذه المراجعة تفضي إلى ان “اسرائيل” تتقدم في المناطق الهشة او الطرية، حيث الأنظمة العربية التي تسعى تزلفاً إلىيها طلبا لرضى امريكا !!. والمفارقة المثير للحسرة أنها إلى تراجع عند كل ما هو غير عربي بعد ان نستثني سوريا ولبنان . غير ان نقطة الأرتكاز الأمريكية الأسرائيلية أنها تستند إلى أماكن هشة وهذا لا يتيح لأمريكا وربيبتها انجازاً راسخاً أو ثابتاً، فيما التغييرات النوعية التي تحدث في مكان أخر هي عاجلاً أو أجلاً ستتجاوز الأنظمة المنخورة بالفساد المبتلية بالغباء!، لتصنع مستقبل المنطقة.