الكيان الصهيوني مفتقد لعوامل البقاء الذاتية

|| مقالات ||  العلامة/طه هادي الحاضري

 

الكيان الصهيوني كيان غريب على المنطقة وهو عبارة عن مجموعة غرباء فيما بينهم ، والمتأمل للمحطات التاريخية الفارقة في ما يتعلق القضية الفلسطينية يجد كثيراً من الحقائق والمعارف التي يشهد لها الواقع اليوم وأبرز هذه المحطات ما يلي:

– من أوائل المحطات التاريخية المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل السويسرية عام 1897م والمشهور بمؤتمر بازل وهو المؤتمر الافتتاحي للمنظمة الصهيونية، وقد دعا إليه الصحفي اليهودي تيودور هرتزل لمناقشة العمل على إقامة وطن قومي لليهود وكانت الاقتراحات أن يكون هذا الوطن في الأرجنتين أو أوغندا (كينيا حاليًا) أو فلسطين، وقد خرج المؤتمر باختيار فلسطين بدعوى أنها الأرض التي كتبها الله لهم وأنها أرض الميعاد حسب زعمهم، وذلك عبر تشجيع اليهود للهجرة إلى فلسطين وربطهم بالحركة الصهيونية واتخاذ السبل والتدابير للحصول على تأييد دول العالم للهدف الصهيوني وتشكيل المنظمة الصهيونية العالمية، وخرج المؤتمر بتشكيل الجهاز التنفيذي (الوكالة اليهودية) لجمع الأموال في صندوق قومي لإرسال مهاجرين يهود لإقامة مستعمرات في فلسطين عبر شراء الأراضي الزراعية من الفلسطينيين.

ومما تجدر الإشارة إليه أن أحد أهم كبار اليهود في بريطانيا وهو إسرائيل زانجويل انشق عام 1905م عن المنظمة الصهيونية وأسس المنظمة الصهيونية الإقليمية وكانت تهدف إلى إقامة وطن قومي لليهود في ليبيا في منطقة الجبل الأخضر وأرسلت هذه المنظمة فريقاً استطلاعياً إلى ليبيا ولكن هذه الفكرة انتهت بسبب إصرار المنظمة الصهيونية الأم على فلسطين بالإضافة إلى احتلال إيطاليا لليبيا، وبعد وعد بلفور تحمس هذا اليهودي لاستعمار فلسطين وهو صاحب مقولة: أرض بلا شعب لشعب بلا أرض.

 

– بعده بعشر سنوات في عام 1907م عُقد مؤتمر كامبل بانرمان والذي دعت إليه بريطانيا برئاسة رئيس وزرائها آنذاك هنري كامبل بانرمان والذي تسمى المؤتمر باسمه، وضم هذا المؤتمر الدول الاستعمارية في ذلك الوقت ونخبة كبيرة من المفكرين والسياسيين الأوربيين وكان المؤتمر يهدف إلى إيجاد آلية تحافظ على تفوق ومكاسب الدول الاستعمارية واستعراض الأخطار التي تهدد الدول الاستعمارية والحضارة الغربية فتوصلوا بأن الخطر الأكبر هو العالم العربي والإسلامي، والعربي بالذات لعوامل عدّة يملكها منها وحدة التاريخ واللغة والثقافة والدين والهدف والآمال وتزايد السكان.. ورأى المؤتمر ضرورة العمل على استمرار وضع المنطقة العربية متأخرا، وعلى إيجاد التفكك والتجزئة والانقسام وإنشاء دويلات مصطنعة تابعة للدول الأوروبية وخاضعة لسيطرتها. ولذا أكد المؤتمر على فصل الجزء الأفريقي من المنطقة العربية عن جزئها الآسيوي، وضرورة إقامة الدولة العازلة Buffer Stat عدوّة لشعب المنطقة وصديقة للدول الأوروبية. وخرج المؤتمر بقرارات تضمنتها وثيقة كامبل الوثيقة الصادرة عن المؤتمر وكان من ضمن القرارات محاربة أي توجه وحدوي في العالم العربي ولتحقيق ذلك أقر المؤتمر إقامة دولة في فلسطين تكون بمثابة حاجز بشري قوي وغريب ومعادي يفصل الجزء الأفريقي من الوطن العربي عن القسم الآسيوي والذي يحول دون تحقيق وحدة الشعوب العربية.

 

– بعده بتسع سنوات في عام 1916م حصلت اتفاقية سايكس بيكو، وهي اتفاق وتفاهم سري بين فرنسا وبريطانيا بمصادقة من الإمبراطورية الروسية على اقتسام منطقة الهلال الخصيب (العراق والأردن وسوريا ولبنان وفلسطين ) بين فرنسا وبريطانيا، وقد وقع الاتفاقية من جانب فرنسا فرانسوا جورج بيكو وعن بريطانيا مارك سايكس. وسُميت هذه الاتفاقية بأخذ لقب ممثل بريطانيا (سايكس) ولقب ممثل فرنسا (بيكوا) فأصبحت (سايكس بيكو) وبموجب الاتفاقية تقرر أن تقع فلسطين تحت إدارة دولية يتم الاتفاق عليها بالتشاور بين بريطانيا وفرنسا وروسيا ومنح بريطانيا مينائي حيفا وعكا فيها.

 

– بعدها بسنة في عام 1917م صدر وعد بلفور وهو عبارة عن رسالة من وزير الخارجية البريطاني آنذاك آرثر جيمس بلفور بتاريخ 2 نوفمبر 1917 إلى اللورد اليهودي البريطاني، ليونيل روتشيلد، يشير فيها إلى تأييد الحكومة البريطانية لإنشاء “وطن قومي لليهود في فلسطين”.

ومن الثابت تاريخياً أن آرثر جيمس بلفور كان مسيحياً معادياً لليهود وأنه حينما تولى رئاسة الوزارة البريطانية بين عامي 1903 و1905 انتقد بشدة اليهود المهاجرين إلى إنجلترا لرفضهم الاندماج مع السكان واستصدر تشريعات للحد من الهجرة اليهودية إلى بريطانيا لخشيته من الشر الذي قد يلحق ببلاده والتي عُرفت هذه التشريعات باسم (قانون الغرباء).

 

– بعده بشهر واحد احتلت القوات البريطانية القادمة من مصر فلسطين وفي9 ديسمبر, 1917 دخل قائد القوات البريطانية الجنرال أدموند أللنبي مدينة القدس وقال قولته المشهورة (الآن انتهت الحروب الصليبية).

 

– بعد ذلك بأربع سنوات في عام1921م الانتداب البريطاني على فلسطين .

 

– بعده بستة وعشرين عامًا في 1947م قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية وتبقى القدس وبيت لحم تحت وصاية الدولية.

 

– وبعدها بسنة في يوم 14 مايو عام 1948م اعلان انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وبدأ خروج البريطانيين منها وإعلان قيام دولة “إسرائيل” في نفس الوقت وهو ما بات يُعرف بالنكبة، وقد اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي آنذاك ودول غربية في نفس اليوم .

 

– وبعدها بتسعة عشر عاماً في 1967م احتل الصهاينة مدينة القدس في ستة أيام في حرب مع مصر وسوريا والأردن واحتل الصهاينة ايضاً بجانب القدس سيناء وقطاع غزة والضفة الغربية والجولان وزادت وتيرة بناء المستوطنات وتوسع الاحتلال لكثير من الأراضي الفلسطينية وهو ما بات يُعرف بالنكسة.

 

– تخلل كل هذه المحطات التاريخية الهجرة اليهودية إلى فلسطين بالتزامن مع تهجير الفلسطينيين وارتكاب المجازر والتطهير العرقي بحقهم.

ومن خلال ما سبق يتضح الآتي:

 

– كانت فلسطين من ضمن الاقتراحات لإقامة وطن قومي لليهود والتي كان منها أيضاً أوغندا – كينيا حاليًا – والأرجنتين وكانت منطقة الجبل الأخضر في ليبيا اقتراحاً أيضاً لبعض كبار اليهود، وهذا يدل على أن فلسطين كانت خياراً من عدة خيارات وتم اختيارها لجذب اهتمام اليهود بسبب العقائد المنحرفة التي لديهم بأن فلسطين أرض الميعاد.

 

– لم يكن الصهاينة قادرين أبداً على احتلال فلسطين ولكن أحلامهم بوطن في فلسطين التقت مع مصالح بريطانيا والدول الاستعمارية بإقامة دولة عازلة تضمن فصل الجزء الأسيوي من الوطن العربي عن الجزء الأفريقي وكون هذه المنطقة واقعة في مثلث التقاء القارات الثلاث آسيا وأفريقيا وأروبا.

 

– الهدف من إنشاء الدول الاستعمارية للكيان الصهيوني في فلسطين هو الحيلولة دون تحقيق الوحدة العربية والإسلامية، والعمل على شرذمة المنطقة وتفرقتها.

 

– دعم بريطانيا لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين ليس نابعاً من العطف والشفقة على اليهود بل فيه تخلص أوربي من اليهود الذين كانوا مشكلة أوربية بسبب مكائدهم وشرورهم وعدم انسجامهم مع السكان ونفوذهم المالي والسياسي ومن أجل أهداف استعمارية استراتيجية.

 

– “إسرائيل” أداة استعمارية تقوم بتحقيق الأهداف الموكلة إليها مقابل بقاءها فهي غير قادرة على البقاء دون الحماية والدعم الغربي ولا تملك أي عوامل ذاتية للبقاء على الإطلاق وهذا يفسر الدعم اللامحدود “لإسرائيل” كون إسرائيل عبارة عن حاملة طائرات لا تغرق للغرب وقاعدة متقدمة في العالم العربي والإسلامي.

 

– “إٍسرائيل” موظف عند أمريكا وليس العكس وهذا مما أكده أيضاً السيد حسن نصرالله في خطاب له حيث قال: (أمريكا لا تعمل لا عند إسرائيل ولا عند حلفائها في المنطقة ولا عند أدواتها في المنطقة. أمريكا تعمل عند من؟ عند أمريكا. إسرائيل تعمل عند أمريكا. هذا المفهوم يحتاج إلى عمل مضنٍ لتصحيحه. إسرائيل تعمل عند أمريكا. نعم لديها مسافة وهامش، لكن السيد وصاحب القرار هو الأمريكي)

 

– الهجرة اليهودية إلى فلسطين كان الدافع لها هو التعبئة والإغراءات والمال والسياسة الاستعمارية، وما زال أكثرية اليهود خارج فلسطين، حيث يُقدر عدد اليهود في العالم بما لا يزيد عن ثلاثة عشر مليوناً يهودياً والذين فيها أقل من النصف.

 

– كانت سياسة الدول الاستعمارية والأمم المتحدة فيما بعد تعمل من أجل تحقيق إقامة دولة صهيونية من خلال خطوات تدريجية فمن اتفاقية سايكس بيكو إلى وعد بلفور واحتلال بريطانيا لفلسطين وقرار الانتداب البريطاني على فلسطين وقرار التقسيم وصولاً إلى إعلان قيام “دولة إسرائيل”.

 

– قام الكيان الصهيوني باستجلاب المستوطنين اليهود من شتى أنحاء العالم بالتزامن مع تهجير الفلسطينيين بسبب المجازر وحرب الإبادة والتطهير العرقي ضدهم.

 

– هدف وطريقة نشأة “إسرائيل” يوضح دورها ووظيفتها كما يوضح الموقف الصحيح منها وكيفية مواجهتها والتعامل معها.

 

– “إسرائيل” ليس لها حدود لأنه لم يكن لها وجود ولذلك ليس لها شرعية ولا تاريخ، ولكنها تتوسع وتتمدد ضمن استراتيجية أهداف إنشائها وضمن حلم إسرائيل الكبرى من نهر الفرات إلى النيل ولذلك لا تعويل على مفاوضات ولا مراهنة على اتفاقيات أو معاهدات ولا سبيل لإيقاف توسعها إلا بالقضاء عليها.

 

– إسرائيل التي قامت على المجازر والجرائم والقسوة لا يمكن السلام معها وإن أراد البعض معها السلام فتركيبتها وأهدافها ونشأتها ونفسية مستوطنيها لا تقبل السلام والتجارب أثبتت ذلك واقعيًا والشواهد كثيرة.

 

– دول الخليج وعلى رأسها السعودية والإمارات دويلات صنعها الاستعمار حسب مؤتمر كامبل بانرمان تابعة للعالم الغربي وخاضعة لسيطرته بالتزامن مع التهيئة لإقامة الكيان الصهيوني وهذا ما يفسر التصريحات المتكررة للرئيس الأمريكي ترامب بأن هذه الدول لا تستطيع البقاء دون الحماية الأمريكية وعليها دفع ثرواتها مقابل ذلك.

 

– فلسطين لم تتحرر من الاستعمار البريطاني و”إسرائيل” امتداد خبيث لهذا لاستعمار لأن كل دولة استعمارية لها وطن وهذا استعمار بلا وطن بل جعلوا المستعمرة هي الوطن وهذا أخطر ما في الموضوع.

 

– “إسرائيل” ليست الجغرافيا الفلسطينية المحتلة بل هي امتدادات إلى الأنظمة العربية والإسلامية العميلة والحركات والتيارات وعمليات التطبيع الثقافي والسياسي والاقتصادي والرياضي والإعلامي التي يرعاها العالم الغربي في العالم العربي والإسلامي وهذه نقطة مهم استيعابها.

 

– المشكلة هي وجود إسرائيل وكلما استمر وجودها كلما كبرت المشكلة وكلما تم تقبل وجودها زاد خطرها.

قد يعجبك ايضا