المجتمع المسلم هو من يمول نفسه في مواجهة الأعداء

|| من هدي القرآن ||

{وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (البقرة: من الآية195). هذا الكلام السابق أليس حول الجهاد؟ وحول القتال؟ شيء طبيعي بأن القتال يحتاج إلى تمويل، التمويل من أين يأتي؟ هل وجه المسلمين إلى أن يبحثوا عن أطراف أخرى؟  وأن يتجهوا للفرس، أو إلى الروم، أو إلى أي دولة أخرى تساندهم؟ لا. ينطلقون هم، فالمقاتلون أنفسهم، المجتمع المسلم هو يمول نفسه، وهذه القضية هامة جداً، لا يقوم الدين إلا بها، لا يقوم الدين إلا على هذا الأساس: أن يكون هناك إنفاق، وأن يكون إنفاقاً من داخل نفس الذين هم يتحركون في القضية، أي: من داخل المجتمع المسلم نفسه، الموجه إليه هذه المسئولية، بأن يقاتل في سبيل الله، لأنه يحصل استقلالية للأمة، يمكنها أن تنهض بدين الله، ولا تكون مدينة لأي طرف آخر نهائياً، لأن أي طرف آخر لا يقدم شيئاً إلا بثمنه، ولها أثرها الكبير من الناحية النفسية، بالنسبة للمجتمع المسلم، وللأمة عندما تبني على هذا الأساس، تصبح أمة هي واثقة بنفسها، واثقة بدينها، واثقة بربها، واثقة بالمنهج الذي تسير عليه،  فتستطيع هي أن تقوم بدين الله، وتستطيع أن تواجه أعداءها.

 

لكن إذا كانت القضية: أنهم هم يبحثون عن مساعدات أخرى من خارج، لأنه عادة في مراحل الصراع قد يكون طرف من الأطراف في مصلحته أن يساعدك، في مصلحته أن يساعدك، لأن له موقفا من الطرف الذي أنت تقاتله، لكن هنا لها أثر سلبي كبير، فيما يتعلق بنفسيات المسلمين المقاتلين، المجتمع بكله، سيعتبرون الانتصارات ومواقفهم القوية كلها بسبب الآخرين، والقضية هنا تقوم على أساس أنك أنت تكون متوجها إلى الله دائماً، دائماً. ولهذا عندما تنفق، أنت تنفق في سبيل الله، من أجل الله، وتقاتل من أجل الله، وتتلمس النصر الذي هو من عند الله، فتكون مرتبطاً بالله، لا تأتي في الأخير تجعل سبب النصر، وفضيلة الانتصارات بسبب الطرف الآخر الذي هو دولة أخرى، أو جهة أخرى.

 

هنا لو يحصل موقف آخر ربما تتلفت من الذي يمكن أن يساعدك، ولو على حساب أن تقدم تنازلات من دينك، يأتي حالة أنت لا تجد فيها طرف يمكن أن يساعدك، تنهزم من أول يوم، مثلما حصل للعرب الآن، تلفتوا الآن، بحثوا عن روسياً، فرنسا، الصين، لم يعد هناك الاتحاد السوفيتي سابقاً، استسلموا من أول يوم!، ألم يستسلموا من أول يوم؟ هذه عملية تربوية هامة جداً جداً: أن دين الله بنى الأمة بناءاً، استقلالية تكون هي معتمدة على الله فهي تنفق في سبيل الله، معتمدة على قدراتها، وتطور هي قدراتها، انتصاراتها تحسب لها، وتراها أنها من الله، وليس من الطرف الآخر الذي يساندها.

 

أمة على هذا النحو تستطيع باستمرار أن تكون متحركة، ولا أحد يستطيع أن يقهرها، ولا تكون مدينة لأي طرف في نفس الوقت، من إيجابيات هذه التربية: أنها لا تصبح مدينة لطرف آخر. لأن الدين هو مهمة عالمية، فهل من الناحية الأخلاقية، هل هو مقبول أن تأخذ من الفرس مساعدات، لأنك تقاتل الروم، وأنت تعرف أن هذا الدين يجب أن يدين به الفرس، ويجب أن تدعوهم إليه فتقاتلهم متى ما اتجهوا ليصدوا عنه، سيكون معناه في الأخير: بأنه هذا الدين يمكن أن يخادع، تقول لطرف من الأطراف، يساعدك، ويعينك حتى تنتهي، وتفرغ من قتال الطرف الآخر، وفي الأخير ترجع عليه عندما تكون قوياً.

 

هذه ليست من أخلاق الدين، وليست قضية أخلاقية، ولا من الناحية الإنسانية. فلئلا تكون الأمة مدينة لأي طرف آخر يجب أن يصل هذا الدين إليه، ستصل إليه. أن يرى الآخر: أن هذه هي نفسها تستطيع أن تواجه، مواقفها قوية، فعندما تصل إليه أنت، لن ينظر إذا ما لديك طرف آخر سيقيم الوضعية، فإذا ما هناك طرف آخر يساعدك سيكون متجرئا عليك، يعرف أنها أمة معتمدة على نفسها، وهي التي انتصرت على ذلك الطرف، وانتصرت على الطرف الآخر. فبالتأكيد سيكون هناك فيما يتعلق بهذا الطرف الذي تصل إليه أنت بالدين؟ يحاول أنه لا يتجرأ عليك في نفس الوقت، ولا ينظر للأمة نظرة أنها في وضعية مستضعفة لأنه ليس هناك طرف آخر يساندها.

 

فهي حالة مهمة جداً جداً، ولهذا قلنا: أنه يجب أن يكون الناس في عملهم هذا، مهما كان عملاً بسيطاً، مهما كان عملاً بسيطاً، يجب أن لا نتجاوز حدود تربية القرآن الكريم، حدود هدى الله، أنه يجب أن نتحرك على أساسه، لا يوجد فكرة عندنا نحن بأن نحاول أن نحصل على مساعدات من أي طرف على الإطلاق، لا طرف داخلي ولا خارجي، ولأن الناس عندما يتجهون إلى أن ينفقوا في سبيل الله، أن الله يجعل فيها بركة.. يجعل فيها بركة، وفي نفس الوقت ترتفع معنوياتهم، وفي نفس الوقت ينشدون إلى الله، وتعظم علاقتهم بالله، لأن الجهاد نفسه هو يعتبر من أهم الأشياء في مقام معرفة الله، لأن المجاهدين يكونون في حالة التجاء إلى الله، وبحاجة إلى نصر، وبحاجة إلى تأييد، وبحاجة إلى عون، وبحاجة إلى كذا.. يكونون دائمي الالتجاء إلى الله، وهم يتلمسون في الميدان السند الإلهي، والدعم الإلهي، والتأييد الإلهي، فيعيشون في حالة قرب من الله، هذه الحالة تنسف تماماً إذا ما كانوا ملتجئين إلى أطراف أخرى، إلى دولة أخرى، أو إلى أمة أخرى.

 

{وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (البقرة: من الآية195) لأهمية الإنفاق في سبيل الله لتمويل العمل في مجال إعلاء كلمة الله، مواجهة أعداء الله، إذا لم ينطلق الناس فيه، معناه: أنهم في الأخير سيلقون بأيديهم إلى التهلكة، تلك الأيدي التي تمسك لا تنفق، هي كأنها تمسك نفسها، وترمي بنفسها إلى التهلكة، إما أن تترك يدك تنفق في سبيل الله، وإلا فهذه اليد نفسها هي التي ستهلكك، ولهذا قال: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (البقرة: من الآية195).

 

إما أن تلقي أنت أموالك في سبيل الله..أو ستلقى أنت أو الأمة هذه ستلقى بيدها إلى التهلكة، تهلك إذا لم تنفق، تضرب حركتها، تضعف مواجهتها، يتغلب عليها الأعداء، فيهلكونها قبل الهلكة التي تأتي من جهة الله سبحانه وتعالى، أشياء كثيرة في الدنيا، والهلكة في الآخرة، هل يمكن لأحد أن لا يعتبر آيات هامة كهذه؟، آيات تعتبر أساسية، في التوجيه، وتتناول مواضيع هامة جداً: الجهاد هام جداً، والجهاد يحتاج إلى تمويل، عندما يأتي أحد يقول: منسوخة!. هنا لا يمكن على الإطلاق، ولا هو مقبول، هذه رؤية قاصرة جداً أن يقول لك: منسوخة.

 

الإنفاق في سبيل الله جعله الله سبحانه وتعالى بالشكل الذي يمكن للناس أن يعملوه في كل الظروف، لأنه هناك أيضاً من جهة الله، هو يعمل أشياء كثيرة. لا نقول: نحن ليس لدينا أشياء كثيرة حتى ننفق، ليس رأس مال كل واحد منا مليون دولار حتى ينفق! ينفق كل واحد بقدر استطاعته، وعملية مستمرة، ثم أنه يوجهه إلى قضية هي هامة جداً، بأن تكون موجهة إلى الناس جميعاً.. إلى الناس جميعاً، ليست مسئولية طرف معين، إلى الناس جميعاً عندما يكون كل إنسان ينفق بقدر طاقته، تجتمع مبالغ كبيرة، ويبارك الباري فيها بزيادة مما يمكن أن تعملها في واقعها.

 

لو أن تمويل الجهاد قضية تعتمد على طرف معين تعتبر منهكة.. منهكة للأمة نفسها، ثم أن هذه القضية نفسها هي أيضاً تجعل الإنسان عنده اهتمام، اهتمام مستمر يرى نفسه مسئولاً، ومعنياً بالقضايا. الآن أليس الكثير من الشعوب يكون عندهم الجيش هناك؟ الجيش! الذهنية هذه مسيطرة أن هناك جيش، وأيضاً البعض يقول: أن هناك جيشاً وأن هناك دولة. هذه القضية تجعل الآخرين مجردين عن الشعور بالمسئولية، وعن الاهتمام. الإسلام بنى الإنسان على أساس: أن يكون صاحب اهتمام بالقضايا الكبيرة، ومشارك فيها، ومشارك فيها، مشارك بيده، مشارك بنفسه، مشارك بماله، يكون في نفس الوقت شريكاً في النتائج، يلمس الناس هم، ترتفع معنوياتهم، عندما يحققون انتصارات هم.

 

فإذا كانت جهة معنية ومعينة [لحالها] هي فقط، تذبل الاهتمامات عند الآخرين، وينسون حتى تصبح لديهم حالة لم يعد لديهم شعور بمسئولية. فيكونون هم معرضين للهزيمة، فإذا ما هزمت تلك الجهة المعينة هزمت البلاد بكلها.

 

لهذا يأتي الخطاب موجه للمسلمين، أليس الخطاب موجه للمسلمين؟ {وَقَاتِلُوا فِيْ سَبِيْلِ اللهِ}،{وَأَنْفِقُوْا فِيْ سَبِيْلِ اللهِ}،{كُونُوا أنْصَاراً لله} وهذه القضية هامة من الناحية التربوية بالنسبة للأمة، فيما يتعلق بواقع الأمة في بناءها، بنائها النفسي، بالطريقة هذه يصبح الناس، يصبح الإنسان المؤمن صاحب نفس كبيرة، صاحب اهتمامات كبيرة، يرى نفسه في الصراع الكبير مع الأعداء مهما كان كبيراً، لا تكون نفسيته معرضة للتضاؤل والتلاشي، فالإنسان الذي لا يعطى قضايا كبيرة تكون نفسيته معرضة للاضمحلال والتلاشي، فيصبح لا يمثل أي رقم في الحياة، لا يمثل أي دور في الحياة، لكن هنا قضايا تجعلك دور في الحياة، لك فاعلية في الحياة، ونفسك تكبر، ومعنوياتك تكبر، واهتماماتك تكبر.

 

 

 

[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

 

دروس من هدي القرآن الكريم

 

 

 

[الدرس التاسع من دروس رمضان من الصفحة [16 – 18] ]

 

 

 

 

 

ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.

قد يعجبك ايضا