{فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ} يأتي النصر في الظروف الحرجة
من هدي القرآن ||
{فَلَمَّا جَاوَزَهُ} جاوز النهر {هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ} (البقرة: من الآية249). لأنه قد القضية كبيرة أمامهم، والمؤمنون عادة يتفاوتون في درجات الإيمان، يتفاوتون لكن هذه نوعية قد هم يعتبرون راقين جداً، هم قالوا العبارة هذه لكن في الأخير عندما قال الآخرون منهم الذين حكى عنهم هنا: {قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ} (البقرة: من الآية249). مستشعرين لقاء الله، ويعرفون أهمية العمل أنهم في سبيله، وأنه لا بد أن يموتوا إذا لم يقتلوا سيموتون.
{قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ} (البقرة: من الآية249). هم ذكروهم هنا بقضية ثابتة في التاريخ {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً} (البقرة: من الآية249). أي لا تقاس المسألة بالأرقام، بحيث لا بد أن يكون عددنا كعددهم، أو يكون عتادنا بالكامل كعتادهم {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (البقرة: من الآية249). إذاً اتجهوا ألم يكفهم كلمة؟ كفاهم كلمة واتجهوا.
{وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ} (البقرة: من الآية250). من برز الآن؟ قليل من قليل من قليل! أليسوا الذين برزوا الآن أمام الملك وجنوده؟ {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (البقرة:250). إنقطاع إلى الله بمشاعرهم، بنفسياتهم، وثقة بأن الله مع الصابرين. هذه تمثل وعياً إيمانياً.
لاحظ الإنسان يجب مهما كان مؤمناً يعرف بأنه إنسان يجب أن يكون مستمداً قوته من الله، لا تركن على مجرد إيمانك أنك عندك طاقة من الصبر، أنت ..أنت.. استفرغ الصبر من الله {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً} (البقرة: من الآية250). مثلما تقول: [صب صبوب علينا صبراً] {وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (البقرة: من الآية250) {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ} (البقرة: من الآية251).
كيف كانت النتيجة؟ {فَهَزَمُوهُمْ}. هزموا جالوت وجنوده بإذن الله {وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ} (البقرة: من الآية251). وداوود هو واحد من الجنود في ظل قيادة طالوت كانت قضية عجيبة هذه، قضية عجيبة، وتعطي الناس أملاً كبيراً فيما إذا كانوا صادقين مع الله، أنه قد يأتي النصر في الظروف الحرجة هذه، بالشكل الذي يخزي العدو ويخزي المتراجعين في وقت واحد، كيف ستكون نفسيات الناس الذين رجعوا من البداية؟ {تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ}.
الناس الآلاف الذين رجعوا من عند النهر بعدما شربوا، ورجعوا، وإذا أمكن واحد من الجنود أن يقتل جالوت الملك نفسه! وقالوا بأنه قتله بحجر، رماه بحجر قتله فانهزم جنوده {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ} (البقرة: من الآية251). أليست هذه تعتبر خزي للمتراجعين! أليس هذا يعتبر خزياً بالنسبة للعدو نفسه؟ يعتبر مثلا أعلى في أهمية أن يكون الناس متوجهين في سبيل الله، لأن هذا هو مثل لهذه من البداية. وتجد كيف كلامهم كله، أليس هو كله مرتبطاً بالله؟ لا يوجد فيه أي عبارة حول موضوع الوطن نهائياً.
عندما تراجع الكثير منهم بعد النهر، وناس منهم قالوا: {لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ} (البقرة: من الآية249). كيف كان خطاب الآخرين؟ أليس خطاباً إيمانياً يذكرهم بالله، وبسنة إلهية معروفة في تاريخ البشر {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (البقرة: من الآية249). لا يوجد كلام أخر.
تلاحظ هنا مواقف الدعاء، ومواطن الدعاء متى تكون؟! في ميدان المواجهة، في الميدان العملي، أن تدعو الله، كيف كان دعاؤهم هنا؟ أليس دعاءً لأنفسهم هم؟ أعني: القصة هذه تكشف لك مشاعر هؤلاء وثقافتهم، ومفاهيمهم الدينية، نفس القصة هذه هم دعوا الله بالنسبة لأنفسهم: أن يفرغ عليهم صبراً، وأن يثبت أقدامهم، وأن ينصرهم على القوم الكافرين، هل قالوا: اللهم دمرهم؟ يقول: طالوت إذاً ما دام أنه لم يبق إلا نحن، ونحن عدد قليل سندعو عليهم من على شاطئ النهر: اللهم دمرهم، اللهم أهلكهم !. برزوا ومع المواجهة دعوا لأنفسهم؛ لأنهم يعرفون في سنة الله سبحانه وتعالى أنه إذا ما كان المقاتلون في سبيله مستبصرين، وثابتين، أن موضوع العدو محسوم أنه يهزم. وذكر بهذه في أكثر من آية في القرآن.
من العجيب أنه قام لبني إسرائيل بعد العملية هذه ـ لاحظ كيف قليل من قليل من قليل ممن كانوا ثابتين، وفي سبيل الله، وقيادة سبيل الله، لا بد أن تكون قيادة سبيل الله مساوية لهذا العنوان الكبير، تكون مساوية لهذا العنوان الكبير، أعني: قيادة اصطفاها الله، قيادة مصطفاة من جهة الله ـ بعد هذه ينتهي جالوت ودولته بكلها. وتقوم لبني إسرائيل أهم مملكة في تاريخهم بسبب هؤلاء العدد القليل.
ألم يقل الله عن داود: {وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ} (البقرة: من الآية251)؟ وملك بشكل واسع، وسليمان ملك لا ينبغي لأحد من بعده، كيف كان بداية هذا الملك من أين؟ ألم يحصل لهم تمكين لهم في الأرض؟ وحصل ضربة للعدو قاضية؟ وحصل ملك لا ينبغي لأحد من بعد أعني: مملكة واسعة، ومملكة عظيمة لبني إسرائيل على يد من؟ على يد هذه الفئة القليلة الصادقة، الصابرة التي انطلقت في سبيل الله.
هذه القضية هامة، أن يكون أرقى ما وصل إليه بنو إسرائيل تتحقق على أيدي هؤلاء {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} (البقرة:251). سنة إلهية، التدافع، عندما يكون على المسلمين أن يقاتلوا أعداء الله، لأن هذا العمل يعتبر في إطار البشر بشكل عام يدخل ضمن سنة التدافع لأن معناه ضرب للمفسدين، أحياناً داخل المفسدين هم لا يسمح لطرف من الأطراف أن يصل إلى درجة عالية من طغيانه وفساده، يهيئ طرفاً آخر يضربه حتى ولو كان منهم، لأن الله ذو فضل على العالمين، وهو رب العالمين جميعاً. بمعنى: أنه لا يتمادى الفساد بشكل رهيب، وهذا لا يحقق بالنسبة لجانب من يمثلون جنود الله فعندما يقعدون، لو حصل هذا التضارب بين هذا وهذا لا يحصل فرج إلا إذا كانوا هم في سبيل الله، ومتجهين للعمل في سبيل الله، تتحول الأشياء كلها بالشكل الذي يكون فيه سند لهم، وفتح مجالات أمامهم.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
[الدرس العاشر من دروس رمضان]
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.
بتاريخ: 10 رمضان 1424هـ
الموافق: 4/11/2003م
اليمن ـ صعدة