الموالاة معناها: المعية في الموقف، المعية في الرأي والتوجه
|| من هدي القرآن ||
هناك حديث مهم رواه الإمام الناصر في البساط عن الإمام جعفر الصادق عن رسول الله (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) أنه قال: ((لو أن عبداً قام ليله وصام نهاره وأنفق ماله في سبيل الله عِلقاً عِلقا، وعبد الله بين الركن والمقام حتى يكون آخر ذلك أن يذبح بين الر كن والمقام مظلوماً لما صعد إلى الله من عمله وزن ذرة، حتى يظهر المحبة لأولياء الله والعداوة لأعداء الله))
هذا الحديث يذكر لو أن شخصاً يقوم الليل يتعبد ويصوم النهار، وينفق أمواله في سبيل الله، ويتعبد في أفضل مكان وأقدس مكان عند الله ما بين الركن والمقام، ثم يقتل مظلوماً. عمله كله لا يُرْفَعُ إلى الله منه مثقال ذرة حتى يظهر الموالاة لأولياء الله والعداوة لأعداء الله.
هذا حديث خطير، والقرآن يشهد له فيما يتعلق بخطورة الموالاة والمعاداة؛ ولهذا قال الله في القرآن: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} (المائدة51) أليس الله هنا يخاطب مؤمنين {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ}؟ قال: {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ} منكم أيها المؤمنون {فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} يصبح حكمه حكمهم، فيكون هو يصلي وهو يهودي، يسبح وهو يهودي، يصوم وهو يهودي، يزكي وهو يهودي، وهكذا… إلى آخر العبارات.
هذه خطيرة جداً، يقول: (ومن يتولهم منكم) منكم أيها المؤمنون، من يشملهم اسم الإيمان (فإنه منهم) حكمه حكمهم، ومصيره مصيرهم.
الإمام علي عليه السلام له كلمة في موضوع التولي: ((إنما يجمع الناس الرضا والسخط، وإنما عقر ناقة ثمود رجل واحد فعمهم الله بالعذاب)) جميعاً بسبب أن واحدًا يمثلهم عقر الناقة وهم راضون بعمله ومصوِّبون لعمله فأصبحوا جميعاً مستحقين للعقوبة، أيضاً يقول عليه السلام: ((الراضي بعمل قوم كالداخل فيه معهم، وعلى كل داخل في باطل إثمان: إثم العمل به، وإثم الرضا به)).
الموالاة والمعاداة ليست فقط أن يحب الإنسان لأخيه كما يحب لنفسه [حالة نفسية فقط من داخل] ويكره له كما يكره لنفسه. الموالاة معناها: المعية، تشعر بأنك في هذا الجانب تؤيد هذا الجانب متجه إلى هذا الجانب، هذه هي الموالاة سواء كانت موالاة لأولياء الله أو موالاة لأعداء الله، الموالاة معناها: المعية، المعية في الموقف، المعية في الرأي، المعية في التوجه، المعية في النظرة، هذه هي الموالاة.
الموالاة هي حالة نفسية والمعاداة هي حالة نفسية، لكنها تتحول إلى مواقف وتنعكس بشكل مواقف، وتعتبر في حد ذاتها مهيئة لهذا الشخص ولهذا الشخص ولهذا الشخص ولمجاميع من الناس، من هم على وتيرة واحدة في الموالاة تُهيئ أرضية صالحة لانتشار تَوَجُّه، وأعمال الجهة التي هم يوالونها سواء كانت جهة محقة أو مبطلة.
خطورتها أنها تهيئ: تجعل الناس يقفون مع هذا، يصوتون لهذا، يؤيدون عمل هذا، وهكذا سواء حقاً أو باطلاً. ولأن الحالة النفسية لدى الإنسان هي النقطة الأساسية بالنسبة للتغيير نحو الأفضل، أو التحول نحو الأسوأ كما قال الله: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (ال رعد11) معظم ما يتوجه التغيير في النفس، عندما تحاول أن تكره نفسك على شيء، عندما تحاول أن تحصل على وعي، على فهم، إنما هو في الأخير من أجل ماذا؟ لترسم توجهك، التوجه في الموقف توجه النفس، توجه القلب، وهذا هو (الموالاة) التغيير أن يحصل لديك حالة، أو لدى الأمة حالة من التوجه نتيجة وعي معين، سواء وعياً إيجابياً فيما يتعلق بنهج الحق ووجهة حق، أو سلبيا وسيئا فيما يتعلق بالباطل ومنهج باطل.
ومما يدل على خطورة الموالاة إنها هي في الواقع عند ما يحصل لديك وعي كثير من خلال أشياء كثيرة أن معنى ذلك أن تصل إلى درجة أن تتجه يميناً، أو تتجه شمالاً هذا الإتجاه في صورته العامة هو موالاة، أليس معناه موالاة؟
حتى بالنسبة لله سبحانه وتعالى عندما تقرأ القرآن، تدبر آيات الله، وتحاول أن تهذب نفسك، تحاول أن تذكر نفسك، ما هي الحالة التي تحصل عندك؟ أليست حالة التوجه نحو الله؟ فسمي هؤلاء أولياء الله؛ لأنهم تولوا الله، أصبح الله هو وجهتهم، اتجهوا نحو الله، تولوا الله، فبتوليهم لله أصبحت وجهتهم متجهة نحو الله، يتقبلون ما يأتي منه، ينطلقون في رضاه، نفوسهم والبيئة التي هم فيها مهيأة لما يأتي من قبل الله.
وهكذا في الجانب الآخر، أولياء الشيطان، ألم يقل: {فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ} (ال نساء76) أولياء الشيطان تصبح نفسيته باتجاهه، هذا الإتجاه السيئ، ذات الشمال، يصبح موالياً؛ لأن حالته النفسية متجهة نحو خط الشيطان … إلخ.
هذا يصبح مهيأ بأن كل ما يريد الشيطان يتقبله، كل ما يريد الشيطان ينطلق فيه، أعماله تخدم الشيطان وتخدم ما يريد الشيطان، وكل ما يريد الشيطان أن يعممه يصبح هذا وأمثاله أرضية قابلة للتعميم.
ولهذا تنتهي المسألة إلى أن جعل الحب في الله والبغض في الله من أوثق عرى الإيمان؛ لأنه قمة الولاء وقمة العداء، في واقعك، في نفسيتك، أن تصبح إلى هذه الدرجة – لعمق المسألة في نفسك، وتوليك الصادق لله تصبح إلى هذه الدرجة – أن تحب في الله وتبغض في الله، سماه في الحديث أنه أوثق عرى الإيمان،
معنى هذا أنه يصبح مقياساً لك؛ لأنك متولِّ لله فيصبح كل شي عندك لا تنطلق فيه إلا على أساس أن فيه رضا لله، أنه حق شرعه الله، أنه عمل صالح أراده الله، أن تصبح – كما قال الإمام الخميني – تصبح لديك المعايير كلها إلـهيَّة.
فقضية الموالاة والمعاداة مهمة جدا جداً تعطل أعمال الإنسان الصالحة كلها، هذه الآية خطيرة {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} وتكررت في أكثر من موقع، مع اليهود والنصارى، ومع الكافرين، ومع المنافقين، يحذر المؤمنين من تولي هذه الخطوط الثلاثة: الكافرين، المنافقين، اليهود والنصارى، كلها جاءت الآيات فيها تحذر من التولي وتذكر بأن التولي لهم يجعل الإنسان منهم {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} (ال أنعام121).
بالنسبة للكافرين، مثلاً يحاولون أن يغرروا على المؤمنين بالنسبة للذبائح أنه: كيف يكون ما نقتل حلالاً، وما يقتل الله يعتبر حراماً؟! وهم يجادلون المسلمين فيما يتعلق بأكل الميتة {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} ألم يقل هنا: إنكم لمشركون إذا أطعتموهم؟ وعندما يقول: (إنكم) مثل ما قال هنا في الموالاة: {ومن يتولهم منكم} يذكرك بأنك وأنت على الحالة التي وأنت ترى نفسك غير متغير فيها باعتبارك تحسب نفسك من ضمن المؤمنين، وتمارس الأعمال التي يعملها المؤمنون: صلاة وصيام، وأشياء من هذه، مع هذه، وعلى الرغم من هذه {إنكم لمشركون} {ومن يتولهم منكم} منكم أنتم على ما أنتم عليه، {فإنه منهم إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (ال مائدة51).
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
(الموالاة والمعاداة)
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.
بتاريخ: شهر شوال 1422هـ
الموافق: ديسمبر2001م
اليمن – صعدة.