اللي ما يعرف يجازي.. يعادي!!
|| مقالات || حسين زيد بن يحيى
للأسف، الذاكرة الجمعية الجنوبية تحتاج إلى عملية إعادة تنشيط حتى تتمكن من استذكار تاريخها وهويتها الوطنية لتنطلق رياح التحرير والاستقلال واستعادة الدولة، ضعف تلك الذاكرة الجمعية انعكس سلبا على قيم الولاء والانتماء الوطني وأعطى متنفسا لضعاف النفوس إلى استجلاب المحتل الخارجي للداخل الجنوبي والتدليس في المفاهيم وحرفها عن جوهرها بحيث أصبح المحتل محررا وقواديه على الأرض الوطنية مقاومة, تلك الذاكرة الجمعية الجنوبية استهدافها كان ممنهجا ومدروسا من قبل القوى الدولية والإقليمية الطامعة بموقع وثروات الجنوب واليمن.
مبكرا الاستعمار البريطاني كان من أدواته الرئيسية للسيطرة على الجنوب سلخه عن هويته الوطنية, حيث تمثل ذلك بالمشروع الاستعماري الكولنيالي البريطاني المسمى (الجنوب العربي) في فبراير 1958 الذي هدف منه فصل الجنوب عن هويته الوطنية التاريخية مع تقسيم الجنوب إلى دويلات وتشجيع تحول السلطنات إلى هويات متحفزة يتم استخدامها عند الحاجة إليها, الحركة الوطنية الناشئة في الجنوب حينها وخاصة الفقيد عبدالله عبدالرزاق باذيب أسقطت ذلك المشروع التفتيتي وكانت أداته السياسية ممثلة بحزب رابطة أبناء الجنوب, تواصل نضال الحركة الوطنية إلى الكفاح المسلح بثورة14أكتوبر 1963 وتحقيق الاستقلال ورحيل المستعمر البريطاني في30نوفمبر 1967 وقيام أول دولة جنوبية تحت مسمى (جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية).
الذاكرة الوطنية الجمعية الجنوبية المشبعة بروح الثورية التحررية تواصلت حتى تحقيق الوحدة اليمنية في 22مايو 1990, غياب وجود شريك وطني وحدوي في الشمال تلاقى مع تخوفات القوى الدولية والإقليمية من وجود دولة يمنية موحدة قوية, حيث أعطي الضوء الأخضر لرمز نظام الوصاية بصنعاء (عفاش) لإعلان الحرب على شريك الوحدة الجنوبي اولا للتخلص من الجيش الجنوبي المسيس والمربى على عقيدة معاداة الإمبريالية والصهيونية والرجعية وأيضا للحيلولة دون بناء الدولة الحديثة والمستقلة أيضا.
من تداعيات حرب صيف 1994 التي تشارك فيها عفاش والجنرال علي محسن الأحمر والفار الدنبوع وحزب الإصلاح والجماعات الوهابية السلفية التكفيرية ظهور (القضية الجنوبية), ورفضا لنتائج حرب وتكفير الجنوب انطلقت الحركة الاحتجاجية وتواصلت حتى عرفت باسم (الحراك الجنوبي), فساد وسوء نظام الوصاية الأمريكي السعودي دفع الحركة الشعبية الاحتجاجية تصل الى العاصمة صنعاء من خلال ثورة الشباب 11فبراير 2011, نظام الوصاية لوأد الحركة الثورية الشعبية دفع بقواه التقليدية العسكرية والمشيخية والحزبية للتسلل إلى ساحات الثورة, وكانت مبادرة إعادة نظام الوصاية وشرعنته من خلال (المبادرة الخليجية) التي وقع عليها طرفا النظام المؤتمر الشعبي وحلفائه واللقاء المشترك وشركائه, ومن البداية رفضت (المبادرة الخليجية) من قبل القوى الثورية ممثلة في الحراك الجنوبي والثوار الشباب وحركة أنصار الله ولم تكتف تلك القوى الثورية بموقف الرفض بل تعداه إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية الصورية للفار الدنبوع المخالفة للدستور وكل المقاييس الديمقراطية.
غياب القيادة والتنظيم والأيدلوجيات عند الحراك الجنوبي وثوار الشباب أضعف قدراتهما في استثمار نضالاتهم الرائعة بكل المقاييس وتضحياتهم الكبيرة, خلافهما بفضل قوة التنظيم وبتوافر القيادة والرؤية استطاعت حركة أنصار الله تمثل الإرادة الشعبية وإنجاز الثورة التاريخية في 21سبتمبر 2014.
من ذلك التاريخ بدأ أمراء حرب وتكفير 7/7 وبإسناد دول الوصاية الأمريكية الخليجية في استثمار ما تعرضت له الذاكرة الوطنية الجمعية الجنوبية من تشويش, بينما ظل الجنوبيين الأصحاء نفسيا وأخلاقيا يتذكرون مواقف حركة أنصار الله ممثلة بمواقف مؤسسها الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي الرافضة لحرب وتكفير الجنوب في مجلس النواب وتسييره للمظاهرات الرافضة لها, وغاب عن الوعي الجمعي الجنوبي أن ثورة 21سبتمبر 2014 هي من أسقطت أمراء الحرب عليه وليس الحراك الجنوبي او ما يسمى بدول التحالف العربي, ليس ذلك فقط بل تم تغافل مواقف حركة أنصار الله المتضامنة مع القضية الجنوبية ومبكرا ودعوات قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي للقيادات الجنوبية للحوار لإيجاد الحل العادل للقضية الجنوبية وطرح مشروع دولة من إقليمين شمال وجنوب كحلا للمظلومية الجنوبية, لكن إفراغ الذاكرة الجمعية الجنوبية من موروثها النضالي التحرري وهويتها وفي ظل الانحراف الديني عن مدرسة (تريم/ الشافعية) والتي تم استبدلها من قبل نظام 7/7 بالوهابية السعودية والسلفية الإماراتية مما جعل الجنوب رخوا وبيئة مكنت من تسلل قوات الاحتلال السعودي الإماراتي الأمريكي إليه.
بعيدا عن الاعتبارات الوطنية والأخلاقية وبحسابات المصالح الضيقة ما هي مصلحة الجنوب من الوقوف إلى جانب قوات العدوان السعودي الإماراتي الأمريكي؟!! ثم ماذا استفاد الجنوبيين من مشاركتهم كمرتزقة مع قوات الاحتلال والعدوان؟!! بحسبة بسيطة إذا تنشطت الذاكرة الجمعية الجنوبية سيعلم الجميع أن نظام عفاش قد قبض ثمن عمالته للإمارات مقابل مشروعه الاستثماري (مدينة بلقيس) في أبو ظبي وتعهده بتعطيل تفعيل ميناء عدن لصالح موانئ دبي العالمية, كذلك دول الخليج الكرتونية ليس لها مصلحة في يمن موحد أو في جنوب موحد وقوي فهي لا تقبل ولن تسمح بوجد دولة مدنية وحديثة على خاصرتها الجنوبية تحسبا من انتقال رياحها الحداثية إلى مواطنيها وبلدانها, كما لا يخفى على أحد أن الإمارات والسعودية هما مجرد أدوات للنظام الاستعماري الأمريكي وقاعدته المتقدمة الكيان الصهيوني وتوقيت العدوان ليس مصادفة ولكنه جاء ضمن مخطط ما يعرف ب (صفقة القرن), فبعد ضمان هيمنة (إسرائيل) على الممر الشمالي للبحر الأحمر عبر اتفاقية (كامب ديفيد) ولتحويل البحر الأحمر إلى بحيرة (إسرائيلية) كان لابد من السيطرة على مدخلة الجنوب ممثلا بباب المندب وجزر سقطرى وميون والساحل الغربي, أي ان احتلال الجنوب واستخدام أبنائه وقود في هذه الحرب العدوانية القذرة ليس لإعادة الدنبوع أو الجنوب بل جاءت لتحقيق مصلحة أمن (إسرائيل) أولا وأخيرا, بحيث لم ينوب ولن ينوب الجنوب والجنوبيين شيء من هذا العدوان لأن مصلحة دوله إثارة الفوضى وعدم الاستقرار والتنمية في الجنوب لمنع تفعيل موانئ عدن والمخا والحديدة, ومثالا للاستفادة من دول العدوان النظام المصري المشارك فيه بانتهازية تحصل على مليارات الدولارات, بينما الجنوب الرازح تحت الاحتلال والذي يدفع أبنائه الدم في الحد الجنوبي السعودي والساحل الغربي لم ينوبه أي تحسين في الكهرباء والخدمات والبيئة والأمن ووحدة أراضيه, العكس من كل ذلك تتعمد قوات الاحتلال السعودي الإماراتي إلى تعطيل أي استثمارات ومنع توفير فرص العمل وتغييب الأمن والاستقرار للدفع بالشباب الجنوبي إلى محارق الموت في الساحل الغربي والحد الجنوبي السعودي ودون مقابل. رحمة الله على أمي (عطية بنت احمد سعيد البكيري العوذلي) كانت دوما ما تكرر لي المثل القائل: (اللي ما يعرف يجازي.. يعادي!!).. وحتى لا ينطبق علينا هذا المثل في مقابلة المعروف بالسوء المتمثل بالموقف المعادي لثورة 21سبتمبر نتمنى صحوة الوعي الجمعي الجنوبي قبل فوات الأوان, حرصا منا كثوار أحرار حملنا القضية الجنوبية مبكرا وفي أصعب الأوقات وتصدرنا صفوف التظاهرات السلمية وصمدنا صمود الرجال في زنازين ومحاكم النظام السابق نتوجه للأحرار في الحراك الجنوبي لإيجاد تحالفات بين قوى التحرير والاستقلال في صنعاء وعدن, على قاعدة مقاومة العدوان وتحرير الجنوب أولا مع تفاهمات مستقبلية للعودة إلى الشرعية الشعبية التي تمكن الشمال والجنوب على حد سواء في تقرير مستقبلهم بحرية وبعيدا عن الوصاية الإقليمية والدولية.. نتمنى أن يخرج من بين صفوف الجنوبيين رجل رشيد, عدن يا أحرار الجنوب لن تستطيع أن تتنفس وتنطلق في ظل الاحتلال الأميركي السعودي الإماراتي ومليشياته التكفيرية المناطقية, لدينا فرصة تاريخية بوجود قوة ثورية تحررية تقدمية تحكم في صنعاء أكدت في أكثر من موقف لها على احترامها لخيارات أحرار الجنوب, فرصة تاريخية أمام الجنوبيين الأحرار الشرفاء لإطلاق ثورة وكفاح مسلح لتحرير الجنوب تشكل فيه صنعاء قاعدتنا الخلفية؛ فهل من حر مجيب؟!.
* منسق ملتقى التصالح والتسامح الجنوبي