صمّاد من خارج منطقة الجزاء.. من ينقذ مرمى الإمارات؟
|| مقالات || فؤاد الجنيد
شهدت التطورات الأخيرة في اليمن أياماً عصيبة وساعات بطيئة يتحكّم بعقاربها القلق والغضب، وجدت فيها الرياض نفسها تتوكأ على عصا حسرتها وفشلها، وتهشُّ بها على ألمها بعد فاجعتي “أرامكو والدمام”، ولها فيها مآرب أخرى من تحشيد دول الإقليم لإنقاذ الملاحة الدولية، وتوظيف استهداف ناقلتها النفطية لفرض واقع جديد يستدعي اتخاذ مواقف جادة تعزّز المسار العسكري في معركة الحديدة، إذ أوقفت صادراتها من النفط الخام على ممر ومضيق باب المندب بعد استهداف ناقلتها النفطية بنيران القوة البحرية اليمنية، استغلال خاسر لم يدم طويلاً، فالخطر لم يعد ناقوسه يدق ضجيجاً على هذا الممر البحري فحسب، بل أضحى اخطبوطاً بثلاثة قلوب، تتفرع منه أطراف مفترسة ترصد فريستها في أكثر من اتجاه دون رقيب، وما إن أفرغت الرياض زفير رئتيها المكبوت حتى بدأ شهيق جارتها أبو ظبي يتعالى بضوضاء صدمة الانكسار وأزيز الرعب القادم من قلب عاصمتها، حيث أفرغت طائرة يمنية مسيّرة حمولتها من غضب اليمنيين على مطار أبو ظبي الدولي بعد أربعة أعوام من صبر الحليم، حمولة كانت كافية لإيقاف حركة المطار الملاحية وإلغاء كل رحلاته إلى أجل غير مسمى، في هذه الأثناء خرجت إلى العلن تصريحات إماراتية الجنسية تؤكد الانفجار وتنسبه إلى ما وصفته بحريق في إحدى عربات النقل، لكنها لم تفصح عن سبب الحريق الذي كان خطاً أحمر عريضاً يذيّل شاشات قنوات الأخبار بعظمة الخبر العاجل.
هذا الحدث الفارق مخر عباب الحرب على البلد السعيد دون مجاديف، ووجد اليمنيون فيه الاستقبال الأمثل للمبعوث الأممي “مارتن غريفيث” الذي وطأت قدماه مطار صنعاء الدولي بالتزامن مع وطأة “صماد3” مطار أبو ظبي الدولي ولكل وطأة دلالتها، ولكل حدث هدف مختلف يجبُّ ما قبله، فتسارع الأحداث يحرمها التقاط الأنفاس، ويجعلها متربصة لأنصاف الفرص، وعلى دول العدوان أن تحترم قواعد الاشتباك الجديدة وتؤمن أنها أمام خيارات صعبة تزداد صعوبة مع كل تعنّت واستخفاف بقدرات اليمنيين وقضيتهم ومظلوميتهم، فمرحلة الدفاع اليمنية لن تكون بمفردها بعد أن تقاطعت مع مرحلة الهجوم الموجع والمقنن شكلاً ومضموناً.
إن الرسالة الحقيقية التي بعثتها الطائرة المسيّرة الأخيرة “صماد3” وقبلها “صماد2” هي رسالة سلام بالخط اليمني المسند الذي لا تتهجاه النكرات، ولا تفهم معانيه أشباه الدول التي خرجت من ظلمات عارية من جينات الماضي، وأصل عقيم مقطوع التاريخ، هي رسالة سلام لمن أراد ألّا يفوّت الفرصة للخروج من مستنقع سيعلق فيه، ورسالة ناعمة لمن يتدارك موقفه ليحفظ ماء وجهه إن وجد، فبعد “صماد” بتسلسلها ليس كما قبلها، وبعد أن تمتد يد السلام مقدمة التنازلات تلو الأخرى، ستمتد أيضاً ولكن هذه المرة بالصفعات، فالسلام في قاموسها لا يعني الاستسلام وإن تموسق النطق وتشابهت الأحرف.
إن المتتبع لمسارات الصواريخ الباليستية اليمنية ومراحل دخولها خط المعركة سيجد أنها عزفت على وتر المدى بصرف النظر عن الهدف ورمزيته، فبدأت بنجران وعسير ثم ابها فجدة ثم الرياض، ومع كل إطلالة باليستية يسدل الستار عن منظومة جديدة لمدى أبعد، ولسان حال كل منظومة يؤكد حقيقة أن البوصلة نحو العدو الحقيقي لا الوكلاء، وأن المعركة هي معركة المسافات التي تفصل منصة الإطلاق عن قلب العدو، لكن العدوان السعودي بتغطرسه لم يستوعب فحوى تلك الرسائل ولم يستفق إلا على إيقاعات الانفجارات وسط عاصمته، ولم يسعفه تخبّطه وهرولته صوب موسكو وواشنطن للتحصّن بدروع الأولى والقبة الحديدية للثانية، فالتصنيع الحربي اليمني كان نبيهاً في هذه النقطة، وذكياً بما يكفي ليضع حدّاً لذلك التخندق الواهن بعد أن حيّد تلك الدفاعات بتقنيات تحديث جديدة تحصّن الزائر اليمني وتضمن له رحلة آمنة تنتهي بعناق هدفه الدقيق في طقوس الضيافة اللذيذة.
لقد انتهج الطيران اليمني المسيّر نفس ذلك النهج، ودخل معركة المسافات باقتدار، وكان له أثره الصادم على الخصم حتى عبر المونديال بنجاح ولن تكون أبو ظبي محطته الأخيرة من التصفيات، فكأس النصر سيرفع عاجلاً أم آجلاً، وبلوغه لن يخلو من المفاجآت التي جاءت هذه المرة صمّادية من خارج منطقة الجزاء