الإمارات.. بين انصهار الأدوات وتبخر الأهداف
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || الوقت التحليلي
لم تصمد حكاية العربة المحترقة التي سُطرِت بها تفاصيل انفجارات مطار أبو ظبي الدولي وخرافة الاحتراق العرضي، فهذا الصمود الهشّ المستند على رمال النفي المتحركة عصف به اللقاء الأخير الذي جمع محمد بن زايد برئيس شركة رايثيون الأمريكية المتخصصة في الصناعات الدفاعية لدراسة صناعة نظام دفاعي يضع حدّاً للطيران اليمني المسيّر الذي بات كابوساً يقضُّ مضاجع الفقاعة الإماراتية المنتشية برغوة المال، هذا الموقف يكشف الحقيقة للمنكرين والساخرين من ذلك الحدث المهم، فما أخفاه الإعلام وضلّله الموقف الرسمي كشفته المواقف والتحركات التي عجز غربالها عن حجب ضوء الحقيقة في سرمدية صباحاتها، أما تلك العربة المحترقة فقد علمت لحظتها من الفاعل وماهية علامة إعرابه، وأيقنت أنها ودويلتها أكثر من مفعول منصوب في جملٍ يمنية جديدة صدح بها التصنيع الحربي “الخطيب” الفعلي المفوّه في صلوات الجهاد وساحات الشرف وميادين البطولات.
تندرج أهداف الإمارات في اليمن في قائمة الأهداف الاقتصادية الخالصة، فهي ترمي بكل وجودها وثقلها للسيطرة على القرار اليمني من خلال الرئيس الفار لمنحها ما تريده من تلك الأهداف المتمثلة في الجزر والموانئ وشركات النفط والغاز بقرارات سياسية، وبالتوازي مع ذلك تسعى لإحكام قبضتها على السلطات الجنوبية وقياداتها، والوجود العسكري على الأرض بجنودها أو مرتزقتها الذين يأتمرون بأمرها ويخلصون في ولائها، لكنها اليوم تعاني الأمرّين في استمرار هذه السيطرة بعد تمرّد المدعو هادي على تنفيذ أجندتها من جهة، وتمرد الحاضنة الشعبية الجنوبية وانتفاضها في وجهها مطالبة برحيلها، وبين ذا وذاك تتآكل جبهتها في الساحل الغربي نتيجة الخلافات الحادة بين فصائلها، وتزداد الضغوط الدولية لكشف انتهاكاتها وممارستها بحق اليمنيين في السجون السرية والمعتقلات، ووسط هذه المعمعة المعقدة والمتاهة المظلمة تجد أبو ظبي نفسها مسؤولة عن حماية كيانها السياسي والاقتصادي بعد أن طالته لسعات الدبور اليمني المسيّر، ومجبرة لإعادة حساباتها من التطورات الأخيرة التي جعلت أهدافها الاقتصادية الخارجية على حساب اقتصادها الداخلي، وستكون تبعات تلك التهديدات وخيمة جداً على الاستثمارات والأسواق والشركات والبورصات التي تشكل جميعها العصب الحي للاقتصاد الإماراتي.
أمنياً، تعدّ الإمارات المسؤول الأول والمباشر عن الانفلات الأمني في مدن الجنوب اليمني، والمتهم الأول في عمليات الاغتيالات التي طالت رجال الدين وتطورت لقيادات أمنية رفيعة، الأمر الذي دعا بـ “هادي” إلى المجاهرة باتهام الإمارات بالوقوف وراء هذه العمليات في حديث متلفز كشف فيه الفوضى العارمة التي تجتاح مؤسسات عدن والجنوب، والفساد المالي والإداري والأمني الذي يكبل صلاحياتها، وهو ما ردت عليه الإمارات باغتيال الضابط مقيريح رئيس استخبارات مطار عدن بعد ساعات من ذلك الحديث وكأنها تقول من لا يستطيع حماية نفسه ليس بإمكانه حماية مدينة ووطن، وأن صوت الاستخبارات الإماراتية هو الأعلى وإن تشكّلت ديكورات يمنية مشابهة تحمل نفس الصفة، وعلى وتر الخلافات الداخلية التي تعصف بأدوات العدوان وصلت خلافات منصور هادي مع رئيس حكومته إلى ذروتها مع تهديد كل طرف بكشف أوراق الآخر وفضح فساده ومؤامراته وتحايله المزدوج على دول العدوان وعلى الجنوبيين، ويتهم هادي رئيس حكومته بالولاء المطلق لدولة الإمارات ولنجل صالح المقيم في الإمارات، ويسعى لاختيار شخصية بديلة ترضى عنها الرياض وأبو ظبي على حدٍ سواء لشغل منصب رئيس الحكومة على أعتاب المرحلة الجديدة التي قد تشهد حلاً سياسياً يقوده المبعوث الأممي إلى اليمن “مارتن غريفيث”.
ووسط هذا المستنقع الموبوء بالعنف واضطراب المواقف تقرأ دول العدوان فشلها وانكسارها بكل اللغات، وتغطي على خيبتها شمالاً باستهداف المدنيين الأبرياء بغارات مركزة لطيرانها، واستباحة الأعراض باختطاف النساء واقتيادهن إلى أماكن مجهولة في الساحل الغربي، وجنوباً تسعى جاهدة لوأد المخاضات الثورية التي تشكلت ضد الوجود الإماراتي والسعودي من عدن حتى المهرة، وامتصاص موجة الغليان والسخط الشعبي في كل مدن الجنوب اليمني الذي صحا مؤخراً مدركاً المخططات الحقيقية للاحتلال، وتوقف عن إرسال أبنائه إلى محارق الموت خدمة للغازي وتمكيناً للمحتل، وهو ما دعا بالهوس والتخبط الإماراتي إلى الإفراط في الاعتقالات والمداهمات والقمع، حتى مخيمات النازحين من أبناء مدينة الحديدة في عدن لم تسلم من الاقتحام والعبث الإماراتي الذي طالها مراراً دون مبرر ونهب محتوياتها وهدد سكانها شاهراً سيف الإذلال والاستقواء في حضرة اللجوء الأعزل.
بقلم: فؤاد الجنيد