كيف يعترف الحلف السعودي ـ الإماراتي بالخسارة؟
|| مقالات || د. وفيق إبراهيم
هناك الكثيرُ من المؤشراتِ الإضافيةِ التي أقنعت آل سعود وآل نهيان بانهيار دوريهما ليس في سورية فقط بل في الإقليم وتبدأ بخسارة الهجمات التي شنوها في الساحل الغربي عند منطقة الحديدة في اليمن.
والهزيمة هنا ليست السبب الحصري في اقتناع الخليجيين بالمُصاب الذي حَلَّ بهم. إنها قصفُ بارجة سعودية قرب الساحل اليمني الغربي.
أما الأنكى فإن الأميركيين لم يعلقوا على الموضوع بالحدّة التي يريدُها حكامُ الخليج.. ولم تسارع البحرية الأميركية كما كان هؤلاء الشيوخ يتوقعون إلى قصف أنصار الله في اليمن أَوْ في الحديدة.. وهذا أضعف الإيمان حسب تحليلاتهما المعقدة..! إلى حدود السذاجة وكأنهم كانا يعتقدان أن واشنطن تعمل من أجلهما.
أمَّـا المصيبةُ الكبرى التي أصابتهما بسعار كتماه؛ خشيةَ انهيار وضعيهما في بلدانهما، فتتعلقُ بتصريح مباغت دعا فيه الرئيس الأميركي ترامب الإيرانيين إلى حوار مفتوح ومن دون شروط مسبقة لإنهاء التوتر في العلاقات بينهما.. إنه الجنون بعينه الذي فتك بالخليجيين وأرداهم.
فهم كانوا يحلمون بأن تحوّل تهديدات ترامب إيران ركاماً، كما كان يتوعّدهم.. وهيأوا أنفسَهم لضرب خطوط المقاومة في العراق وسورية ولبنان واليمن مع العودة إلى أسرها في سجون الاستتباع والتخلف.
وما أخرجهما عن طورهما، فهو الرفضُ الإيراني لهذا العرض الأميركي وإصراره على عودة واشنطن إلى الالتزام بالاتّفاق النووي والتوقف عن شيطنة إيران.
عند هذا الحد توقف الخليجيون عن الاستمرار بالأحلام مقرّرين الانسحاب التدريجي من التزاماتهما بدعم الإرهاب وتسهيل الظروف لصفقة القرن التي كان يفترض بها أن تُلغي قضية فلسطين إلى الأبد.
ولما أيقن المحمدان بن سلمان وبن زايد أن سقوطَهما الكبير أصبحا قاب قوسين أَوْ أدنى من التحقّـق، اتفقا على تصعيد القتال ضد اليمن، والانكفاء الكامل عن معارك سورية، لقد أنجزا حركتين مضحكتين ومتتابعتين: الأولى تتعلق بهيئة المعارضة في مفاوضات أستانة وسوتشي الذي وافق للمرة الأولى على الوقوف في وجه الإرهاب «النصرة وداعش» وتأييد تشكيل لجنة دستورية وعودة النازحين السوريين إلى بلادهم.
وبدا الأمر كما لو أن صراعاً خليجياً تركياً على إدارة المعارضة السورية مرشح للاندلاع والتصعيد.
لكن ما كشف الحركة السعودية الخليجية بدا واضحاً في برقية طيّرها الملك سلمان لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بقوله له فيها بأنه معه كيفما اتجه. وأن السعودية مع القدس الشرقية عاصمة لفلسطين ولا تقبل بغير ذلك على الإطلاق.
مع الإشارة إلى أن محمد بن سلمان وعشرات السياسيين السعوديين كانوا قد أعلنوا في الثلاثة شهور الماضية أن القضية الفلسطينية انتهت بكل تفاصيلها، معتبرين أن الفلسطينيين أنفسهم هم مَن قضوا عليها بتردّدهم عن الصلح مع «إسرائيل» في أوقات ماضية.
كما أن وسائلَ الاعلام كشفت عن تنسيق إسرائيلي سعودي إماراتي –بحريني لشنّ حرب مشتركة على إيران– فما الذي تسبّب بهذا الانقلاب السعودي؟
إنه يكلل تأكيد نصر الدولة السورية ونجاح أنصار الله في الصمود في اليمن – مع تراجعات ترامب الذي يطلق عشرات التصريحات المتناقضة في اليوم نفسه غير عابئ بغضب ابن سلمان أَوْ رقصة العرضة التي أداها الملك سلمان أمام ترامب قبل أن يرغم آل سعود على تقديم 500 مليار دولار لبلاده.
وهكذا انقلبت السياسة السعودية رأساً على عقب، فها هي تحاول اليوم العودة إلى المنطقة من بوابة قضية فلسطين بهدفين: منع انضمام الفلسطينيين إلى محور المقاومة والالتفاف على الانتصار السوري… وهذا بحد ذاته إقرار صريح بانهيار صفقة القرن الأميركية السعودية الإسرائيلية؛ بسبب النصر في الميدان السوري لقوى المقاومة.
هذا هو الرهان الخليجي الجديد الذي يأمل حكام الرياض المحافظة من خلاله على الحد الأدنى من دورهم الإقليمي والعربي.
ويريدون تركيز جهودهم على ابتلاع اليمن عبر المزيد من تحقيق انقسامات عربية وجذب الغرب الأميركي لمشاركتهم هجمات جديدة على صنعاء والحديدة.
ومجدّداً يراهن حكام الخليج على المستحيل، اليمن المهيأ للصمود سنوات أخرى، وسط توقعات بارتفاع حمى الطائرات اليمنية المسيّرة التي قد تفضي غاراتها إلى رحيل الشركات الغربية العاملة في الخليج.. ما يؤدي إلى استنفاد القيمة الخليجية النفطية عند الغرب. فيصبح السؤال: متى تنهار دول لها وظيفةٌ وحيدة وهي تأمين النفط والمال للقوى الأميركية والأوروبية؟